الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عمليات التجميل لإزالة العيوب المؤثرة

السؤال

قالت السيدة عائشة: إن كان شيء ولدت وهو بها، فلا يحل لها إخراجه، وإن كان شيء حدث، فلا بأس بقشره. عمدة القاري، وغذاء الألباب. أولا: هل لهذا الأثر من سند؟ وهل السند صحيح وما هو السند؟
ثانيا: لو كان هذا الأثر صحيحا. هل هذا يتعارض مع حكم عمليات التجميل، التي هي عبارة عن إزالة العيوب الخلقية التي ولد الإنسان بها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نقف بعد البحث على هذا الأثر مسندا، وإنما وقفنا على ذكر له عند بعض العلماء بلا إسناد.

فقد ذكر ابن الجوزي في كتابه (أحكام النساء): أن امرأة سألت عائشة -رضي الله عنها- ما تقولين في قشر الوجه؟ قالت: إن كان شيء ولدت وهو بها، فلا يحل لها، ولا آمرها ولا أنهاها. وإن كان شيء حدث، فلا بأس، تعمد إلى ديباجة كساها الله فتنحيها من وجهها، لا آمرها ولا أنهاها. اهـ.

وذكره مختصرا ابن الملقن في التوضيح شرح الجامع الصحيح وغيره.

قال ابن الملقن: ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف، وتحسن الوجه للزوج، وكذا أخذ الشعر منه، وقد قالت عائشة -رضي الله عنها- لو كان في وجه بنات أخي لأخرجته ولو شعرة.

وفي لفظ: سئلت عن قشر الوجه فقالت: إن كان شيء ولدت وهو بها، فلا يحل لها إخراجه، وإن كان في شيء حدث، فلا بأس بقشره.

وفي لفظ: إن كان للزوج، فافعلي. اهـ.

وأنت ترين في كلامه أن الروايات عن عائشة -رضي الله عنها- في قضية قشر الوجه -ونحوه من النمص- مختلفة.

وقد قال الطبري: فإن قال قائل: فما وجه من أطلق النمص والوشم، وأحله، وقد علمت ما روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن امرأته (أنها دخلت على عائشة فسألتها، وكانت امرأة شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها. فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت).

قال الطبري: هكذا قال ابن المثنى تحف، وهو غلط؛ لأن الحف بالشيء هو الإطافة به، وإنما هو تحفي بمعنى تستأصله حلقًا أو نتفًا.

قيل: أما عائشة: فإن في الرواية عنها اختلافًا، وذلك أن عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال: حدثتني أم الحسن، عن معاذة (أنها سألت عائشة عن المرأة تقشر وجهها؟ فقالت: إن كنت تشتهين أن تتزيني فلا يحل، وإن كانت امرأة بوجهها كلف شديد فما - كأنها كرهته ولم تصرح) فهذه الرواية بالنهي عن قشر المرأة وجهها للزينة، وذلك نظير إحفائها جبينها للزينة، وإذا اختلفت الرواية عنها، كأن أولى الأمور أن يضاف إليها أشبهها بالحق .اهـ. من شرح صحيح البخاري لابن بطال.

وعلى كل حال: فظاهر الأثر الذي سألت عنه، يخالف القول بجواز العمليات التجميلية لإزالة العيوب الخَلْقية التي ولد بها الإنسان.

لكن الذي عليه عامة العلماء المعاصرين، والذي صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي وغيره من المجامع العلمية، هو جواز عمليات التجميل لإزالة العيوب المؤثرة، سواء منها ما كان خَلْقيا ولد به الإنسان، أو ما كان عيبا طارئا، كما في الفتاوى ذوات الأرقام: 1509، 349468، 276730، 325741، وغيرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني