الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم منع النظر في الدعاوى التي مضى عليها زمن محدد

السؤال

أعمل محاميا لجهة حكومية، هناك موظفون يطالبون بحقوق قديمة لهم. والنظام نص على أن من يطالب بحقوق وظيفية، يكون عن طريق التظلم أمام الجهة الحكومية، ثم إذا لم توافق الجهة على طلبه، يرفع دعوى في المحكمة الإدارية.
وصدر مرسوم ملكي، بأن لا تسمع الدعاوى أمام المحاكم الإدارية، بعد مضي 5 سنوات.
فهل يحق لي الدفع بعدم سماع الدعوى، للمطالبات التي مر عليها أكثر من 5 سنوات، بحيث يكتفى باجتهاد من رد على التظلم إما بالقبول أو الرفض؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحقوق وإن كانت لا تسقط بالتقادم، إلا أن الدعوى القديمة التي طالت مدتها بحيث يتعذر، أو يصعب صدقها، أو إصابتها عرفا وعادة، لولي الأمر منع القاضي من سماعها؛ تلافياً للتحايل والتدليس والتزوير، كما نص عليه بعض أهل العلم، وراجع في ذلك الفتويين: 129103، 128165.
وقال الحصكفي في الدر: القضاء مظهر لا مثبت، ويتخصص بزمان ومكان وخصومة، حتى لو أمر السلطان بعد سماع الدعوى بعد خمسة عشر سنة، فسمعها لم ينفذ. اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار: استفيد من كلام الشارح أن عدم سماع الدعوى بعد هذه المدة، إنما هو للنهي عنه من السلطان، فيكون القاضي معزولا عن سماعها؛ لما علمت من أن القضاء يتخصص؛ فلذا قال: إلا بأمر. أي فإذا أمر بسماعها بعد هذه المدة تسمع، وسبب النهي قطع الحيل والتزوير. اهـ.
وقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة (1801) على أن: القضاء يتقيد ويتخصص بالزمان أو المكان، واستثناء بعض الخصومات، مثلا القاضي المأمور بالحكم مدة سنة، يحكم في تلك السنة فقط، وليس له أن يحكم قبل حلول تلك السنة أو بعد مرورها، وكذلك القاضي المنصوب في قضاء، يحكم في جميع محلات ذلك القضاء، وليس له أن يحكم في قضاء آخر، والقاضي المنصوب على أن يحكم في محكمة معينة، يحكم في تلك المحكمة فقط، وليس له أن يحكم في محل آخر. وكذلك لو صدر أمر سلطاني بأن لا تسمع الدعوى المتعلقة بالخصوص الفلاني؛ لملاحظة عادلة تتعلق بالمصلحة العامة، ليس للقاضي أن يستمع تلك الدعوى ويحكم بها. أو كان القاضي بمحكمة مأذونا باستماع بعض الخصوصات المعينة، ولم يكن مأذونا باستماع ما عدا ذلك، فله أن يسمع الخصوصات التي أذن بها فقط، وأن يحكم فيها، وليس له استماع ما عداها والحكم بها ... اهـ.
ونصت المادة (1660) على أنه: لا تسمع الدعاوى غير العائدة؛ لأصل الوقف أو للعموم ... بعد تركها خمس عشرة سنة. اهـ.
وقال الجمل في حاشيته على شرح المنهج، والبجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب: أفتى الزيادي تبعا لشيخه الرملي، بأن الحق إذا مضى عليه خمس عشرة سنة، لا تسمع الدعوى به؛ لمنع ولي الأمر القضاة من ذلك، فلم يجد صاحبه قاضيا يدعي عنده به. اهـ.
والمقصود هو الإشارة إلى أن ترتيب الأمور الإجرائية لسماع الدعاوى من قبل ولاة الأمور، شيء قديم ومعروف، والعمل به له وجهه. ولذلك لا نرى حرجا على السائل أن يتقيد بهذا النظام الإداري، فيدفع بعدم سماع الدعوى للمطالبات التي مر عليها أكثر من خمس سنوات. اللهم إلا في الأحوال المخصوصة التي يعلم فيها بوقوع ظلم على شخص بعينه، لا يمكن تداركه بسبب هذا النظام الإداري، فليسع حينئذ إلى إيصال الحق لصاحبه، ورفع الظلم عنه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني