الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إضافة عبارات في القصص لم ترد في الكتاب والسنة

السؤال

موقع إسلامي يريد أن يضيف صفحة خاصة بالطفل المسلم، ومن محاور هذه الصفحة تعريف الطفل بقصص القرآن، كقصة موسى، ويونس، وأصحاب الأخدود، وغيرها، عن طريق أفلام كرتونية، فما هي ضوابط ذلك؟ وهل يجوز ذكر أشياء تفهم من السياق، ككون رجل من حاشية فرعون قال لموسى: كيف تجرؤ أن تدعو إلى عبادة إله غير فرعون، ونحو ذلك؟ علمًا أن ذلك لم يذكر في القرآن، والسنة الصحيحة، وهل يجوز أن يقول القارئ الذي يتكلم على لسان فرعون: "أنا ربكم الأعلى"، ونحو ذلك من عبارات الكفر التي نطق بها فرعون وغيره؟ جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فقد ذكرنا الضوابط الشرعية التي تجب مراعاتها في أفلام الأطفال الكرتونية في الفتوى: 3127.

وأما ذكر أشياء تفهم من السياق، لم يرد لها ذكر في القرآن والسنة الصحيحة، مثل المثال المذكور، فلا مانع منه شرعًا، ولا سيما إذا كان الغرض منه هو تقريب القصة لأذهان الأطفال، وتقديمها لهم على حالة من التبسيط، والتسهيل لتتناسب مع قدراتهم الذهنية، ومستوياتهم العمرية، وخصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار حاجة أطفال المسلمين إلى بديل مفيد، معروض بطرق معاصرة مفهومة مقربة بدلًا من القصص المستوردة التي تحرض على الفساد، والإفساد، والتحلل، والانحلال.

ولو سلمنا أن في هذا كذبًا؛ فإن ما فيه من الكذب يغتفر؛ لأن المصلحة المرجوة منه أرجح من مفسدة الكذب، على تسليمه جدلًا.

على أننا نقول: لا يعدّ هذا كذبًا؛ لأن من نسب إليهم هذا القول هم أتباع فرعون، الذين يتنافسون في التزلف إليه، والتقرب منه، كما قال تعالى: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ {هود:97}.

ومعلوم أن فرعون قال لهم: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي. وقال في شأن موسى -عليه السلام-: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. فمن نسب لهؤلاء الذين اتبعوا فرعون قولهم لموسى: أتجرؤ .. لا يعد كاذبًا؛ لأن فرعون قدوتهم، ومتبوعهم نسب إلى موسى ما هو أشد من هذا وأقبح، وإقرارهم لفرعون على ما قال، وسكوتهم عليه، يقوم مقام نطقهم بما قال، فما بالك بما دون ذلك؟! ولسان الحال قد يكون أبلغ من لسان المقال.

ولا بأس أيضًا بقول الذي يتكلم على لسان فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. ونحو ذلك من العبارات؛ لأن القائل لا ينسب ذلك إلى نفسه، وإنما يحكيه عن فرعون، وكل من سمعه، علم ذلك لا محالة، وحكاية قول الكافر أو الفاسق لغرض صحيح، جائز شرعًا، بدليل حكاية القرآن قول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. وحكايته أيضًا قول غيره من الكافرين، كحكايته عن اليهود -قبحهم الله- قولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. وقولهم -لعنهم الله-: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ. إلى آخر ما حكى الله عنهم من الأقوال الشنيعة.

قال الإمام الجصاص في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {التوبة:30}: في هذا من قول ربنا دليل على أن من أخبر عن كفر غيره الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به، لا حرج عليه؛ لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له، والرد عليه، فلا يمنع ذلك منه، ولو شاء ربنا ما تكلم به أحد، فإذا أمكن من انطلاق الألسنة به، فقد أذن في الإخبار عنه، على معنى إنكاره بالقلب، واللسان، والرد عليه بالحجة، والبرهان. وقال في مطالب أولي النهى: ولا يكفر من حكى كفرًا سمعه، ولا يعتقده. قال في الفروع: ولعل هذا إجماع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني