الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهجر لحق الله والهجر لحظ النفس

السؤال

أنا من منطقة يكثر فيها الهجر والهاجرون والمهجورون ولا ندري من هو على الصواب وطريق الحق كلنا إخوة في الله ونبتغي الحق دلونا على الطريق الصحيح وما هي ضوابط الهجر وهل كل الناس يقولون به وماهي الشروط التي يجب توفرها في الشخص الذي يقول بالهجر. والله أصبحنا لا ندري أينا على السنة وأينا المبتدع ويا حبذا لو أحلتمونا على كتاب أو رسالة أو موقع أحد المشائخ ليوضح لنا هذه المسألة
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الحب في الله من أوثق عرى الإيمان، وتحقيق ذلك عبادة من أعظم العبادات، بل هو من كمال الإيمان. فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.رواه أبو داود، وقد شرع لنا الإسلام هجر أصحاب المعاصي والبدع لفوائد تعود على الهاجر والمهجور، وهذا ما يسمى بالهجر الشرعي وهو نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات. والثاني: هو الهجر لأهل المعاصي تأديبا لهم. فالأول هو المذكور في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام: 68}. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. أخرجه البخاري. أما الثاني وهو الهجر على وجه العقوبة والتأديب، وهو هجر من يُظهر المنكرات حتى يتوب منها.

ويختلف الهجر باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه. قال ابن تيمية: فإن كانت المصلحة في الهجرة راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان المهجور لا يرتدع بذلك بل يزيد شره والهاجر فيه ضعيف بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف. اهـ. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجر أهل المعاصي، فالهجر في الله من الأعمال التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، والطاعة لا بد أن تكون خالصة لله موافقة لأمره، أما من هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به كان خارجا عن هذا، وفي هذه الحالة لا يجوز الهجر أكثر من ثلاثة أيام، كما جاء في الصحيحين عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.

قال العلامة بكر بن أبي زيد: ليحذر كل مسلم من توظيف هوى نفسه وتأمير حظوظها على نفسه، فإن هذا هلكة في الحق، وهو شر ممن يترك الهجر عصيانا. اهـ.

فينبغي لكل مسلم أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحظ نفسه، فالأول مأمور به، والثاني منهي عنه، ولو تجاوز الهجر ثلاثة أيام كان قطعا لحقوق الأخوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادا لله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. متفق عليه عن أنس. وزاد الترمذي وأحمد: ولا تقاطعوا.

نسأل الله عز وجل أن يؤلف بين قلوب المؤمنين وأن يردهم إلى سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني