الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طريقة التوفيق بين الزوجة والأم وفضيلة سلوك سبيل العفو

السؤال

أشكركم إخوتي على هذا المجهود الطيب وجعله الله في ميزان حسناتكم. أما بعد,,,,مشكلتي تتلخص في :
أنني أسكن أنا وزوجتي في بيت أهلي, مما أدى إلى حدوث خلافات كثيرة بين زوجتي وأمي, وفي معظم هذه المشاكل والله أعلم كان السبب من أمي, وبعد مدة من الزمن شاء الله أن تحمل زوجتي ومع كثرة المشاكل مع أمي والضغوطات النفسية الصعبة على زوجتي من هذه المشاكل أدى كل هذا إلى إصابتها بمرض (ارتفاع ضغط الحمل). وطمأننا الأطباء بأن هذا المرض سوف ينجلي بإذن الله بعد وضع المولود… وشاء الله أن يأتي المولود وهو بصحة جيدة ولكن المرض لم يذهب عن زوجتي, مما أدى إلى زيادة كراهية زوجتي لأمي لأنها تعتقد بأنها هي السبب في مرضها, ولدرجة أنها رافضة رفضاً تاماً أن تدع أمي ترى المولود أو أن تحمله ومع محاولاتي المتكررة لها بأن لا تحرم ولدي من جدتة (أمي) ولكنها مصممة على رأيها بالرفض ودائماً تردد ( بأنها بهذه الطريقة سوف تأخذ حقها من أمي فهي تشعر بالظلم). ولا أدري ماذا أفعل بين أمي وزوجتي, ولقد قمت بأخذ بيت جديد لزوجتي لأبتعد عن المشاكل.
فأرجو من حضرتكم التوجيه والإرشاد للعمل بما يرضي الله.
وأيضاً لدي بعض الأسئلة الأخرى.الاول: ما الذي يجب أن أفعله لإرضاء أمي وعدم فقد زوجتي؟الثاني: ما الذي يجب على زوجتي فعله للتخفيف عن نفسها بسبب إحساسها بظلم من قبل أمي؟الثالث: هل لزوجتي الحق بمنع أمي من رؤية ولدي؟
وأنا في انتظار الإجابة بفارغ الصبر……
ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يخفى أن بر الوالدين شأنه كبير وعظيم، فإنه ثاني أفضل الأعمال بعد الصلاة، وضده وهو العقوق ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى، والآيات والأحاديث وما قاله الأئمة في هذا كثير جداً ليس المقام مقام بسطه وتفصيله، والأم مقدمة على الأب في ذلك، فقد خصت بالذكر في الآيات، مثل قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمانك 14}.

وقدمت على الأب في الأحاديث، كما في الحديث المتفق عليه، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.

وجعلت الجنة تحت قدميها، فقد روى النسائي من حديث معاوية بن جاهمة السلمي: أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجلها.

ولاشك أن للأهل (الزوجة) حقاً أيضاً أوصى الله ورسوله به، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء: 19}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وهو صحيح.

وإن من حقها الانفراد بمسكن لا تتضرر فيه، وقد أحسنت وأديت ما عليك حين خصصت لها بيتاً خاصاً بها.

أما بشأن ما سألت عنه من طريقة التوفيق بين أمك وزوجتك، وما على زوجتك فعله للتخفيف عن نفسها بسبب إحساسها بالظلم، وهل لزوجتك الحق بمنع أمك من رؤية ولدك فنقول: عليك أن تبذل كل ما في وسعك لإرضاء أمك، وجبر خاطرها وعدم إغضابها، دون التقصير في حق زوجتك، فإن لكلٍ حق، فأعط كل ذي حق حقه، وعلى زوجتك لكي تخفف عن نفسها ما تجده من شعور بالظلم، أن تعلم أن ما أصابها من مرض كتبه الله عليها وقدره لها قبل أن يخلقها، قال صلى الله عليه وسلم: يا بني: إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه عن عبادة بن الصامت، وعليها أن تصبر وتحتسب الأجر عنده سبحانه وتعالى، وتعلم أنه ابتلاء من الله ليكفر من سيئاتها ويرفع من درجاتها، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. وفي رواية: ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة.

نسأل الله تعالى لها الشفاء، وأن يفرج همها ويكشف الضر عنا وعنها، وعلى زوجتك أن تعلم أن ما أصابها من مرض لا يمكن الجزم أن سببه أمك فربما تكون له أسباب أخرى عضوية أو نفسية، وعلى فرض ذلك، فإن الله تعالى قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى: 40}.

فإذا استحضرت زوجتك أنها إما أن تعفو عن أمك التي ظلمتها -على افتراض ذلك- فلها الأجر العظيم عند الله تعالى، وأما أن يقتص الله لها يوم القصاص ممن ظلمها كان هذا مدعاة للتخفيف مما تشعر به من الظلم. أما منعها لأمك من رؤية ابن ابنها فليس من حقها.

فينبغي إقناع زوجتك أن تسلك سبيل العفو والتجاوز عن والدتك، وأن لا تحرم أمك من حفيدها، لأن ذلك يؤلمها ويشعرها بالظلم ويولد عندها الكراهية، ولتتذكر ما أعده الله لأهل العفو والكاظمين غيظهم من الأجر والمنزلة الرفيعة قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 134}.

وينبغي لك أن تأمرها وتحثها على عدم منع والدتك من رؤية ولدك، وطاعتها لك في ذلك حق عليها، وهو من طاعتك الواجبة عليها ومن رعايتها لحقك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني