الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخذ الأجرة على تعليم القرآن

السؤال

هل قوله صلى الله عليه وسلم: من أخذ على تعليم القرآن قوسًا؛ قلده الله قوسًا من نار يوم القيامة)، (الصحيحة) فيه دليل على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن إذا لم يقصد المدرس أن الأجر الذي يتقاضاه هو في مقابل تعليمه، وإنما هو باب التوسيع على نفسه ماديًا؟ وإذا حددت الأوقاف فترة زمنية معينة لتدريس الطلاب القرآن الكريم بأن تكون مثلًا أربع ساعات يوميًا، فهل إذا ما لم يكمل المدرس تلك الفترة كاملة، كأن يدرس الطلبة ساعتين، ورأى المدرس أن ذلك يتماشى مع الطلبة، ورأى أن تلك الفترة كافية، فهل يجوز له ذلك؟ وما حكم ما يتقاضاه من مرتب في تلك الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما الحديث المذكور في السؤال، فقد ذهب المتقدمون من الحنفية وهو المعتمد في مذهب الحنابلة إلى الأخذ به في منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لكن المتأخرين من الحنفية ذهبوا إلى الجواز استحساناً، قال السرخسي في المبسوط بعد ذكر حديث أبي بن كعب المذكور في السؤال محتجاً به على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه من الفقه والفرائض: وبعض أئمة بلخي رحمهم الله اختاروا قول أهل المدينة رحمهم الله، وقالوا إن المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله بنوا هذا الجواب على ما شاهدوا في عصرهم من رغبة الناس في التعليم بطريق الحسبة ومروءة المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان من غير شرط، فأما في زماننا فقد انعدم المعنيان جميعاً، فنقول يجوز الاستئجار لئلا يتعطل هذا الباب ولا يبعد أن يختلف الحكم باختلاف الأوقات.

وذهب المالكية والشافعية إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، تاركين الأخذ بظاهر حديث كعب لأدلة أخرى دلت على الجواز، قال الزيلعي في نصب الراية: قال البيهقي في (المعرفة في كتاب النكاح): هذا حديث اختلف فيه على عبادة بن نسي، فقيل: عنه عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت، وقيل: عنه عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة، وقيل: عن عطية بن قيس عن أبي بن كعب، ثم إن ظاهره متروك عندنا، وعندهم، فإنه لو قبل الهدية، وكانت غير مشروطة لم يستحق هذا الوعيد، ويشبه أن يكون منسوخاً بحديث ابن عباس، وحديث الخدري، وأبو سعيد الإصطخري من أصحابنا، ذهب إلى جواز الأخذ فيه على ما لا يتعين فرضه على معلمه، ومنعه فيما يتعين عليه تعليمه، وحمل على ذلك اختلاف الآثار، وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يرزق المعلمين، ثم أسند عن إبراهيم بن سعد عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله: أن أعط الناس على تعليم القرآن. انتهى كلامه. انتهى.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: حديثاً أُبي وعبادة قضيتان في عين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصاً لله فكره أخذ العوض عنه. انتهى.

وبهذا يعلم السائل أن الحديث المذكور أخذ به بعض أهل العلم بدون تقييد بما ذكر السائل وترك العمل به البعض الآخر لأدلة أخرى.

وقد سبق بيان حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن مع تفصيل المذاهب فيها، وذلك في الفتاوى التالية: 10131، 9252، 24295.

ولا يجوز لمن تعاقد مع شخص أو جهة على مكث مدة معينة للتحفيظ أن يكتفي بتدريس جزء منها وينصرف قبل موعده، حتى ولو كان هذا الجزء كافياً لتحفيظ الطلاب، لأنه أجير خاص، والأجير الخاص ملتزم بالتواجد في المكان الذي تم العقد على أساسه، سواء قام بالعمل أو تعذر عليه القيام به لسبب خارج عنه، كعدم حاجة الطلاب لبقية الوقت في مسألتنا، فالمسلمون على شروطهم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وراجع الفتوى: 57166.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني