الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفاع ابن تيمية عن سنة النبي وآله وصحابته

السؤال

هل الإمام ابن تيميه أساء إلى أهل بيت نبيا محمد أو كفّر من لا يؤمن أو يتبع مذهبه ؟
أجيبونى فإن أحد أصحابى يجزم بذلك ولا أجد إجابة أرد بها عليه ..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم يزل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – منذ أن جهر بدعوة الحق يتلقى التهم والإفتراءات التي يلفقها عليه خصومه في حياته وبعد مماته.

وهذه التهم والإفتراءات يوصي بها سلف المبتدعة خلفهم ، ويوحون بها إلى أوليائهم ، لتكون سلاحاً بيدهم أمام دعوة الشيخ التي عشت بنورها أبصارهم الكليلة .

فهم قد اتهموا الشيخ - رحمه الله - بتهم كثيرة تفوق الحصر ، منها ما هو مكذوب من أصله ، ومنها ما هو مساء فهمه .

فقيل في الشيخ – مثلاً – بأنه يقول بقدم العالم ، وأنه مجسم ، وأنه مشبه ، وأنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم ويمنع من زيارته ، وأنه يفتي بمسائل شنيعة لم يقل بها أحد قبله ، وأنه، وأنه ... ومن هؤلاء مـن إحترق غيظاً مـن كتاب شيخ الإسلام : " منهاج السنة النبوية"؛ حيث بين في هذا الكتاب إفتراءات المخالفين لأهل السنة، وفضح كيدهم وذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن أشد الناس حبًا لعلي رضي الله عنه وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هم أهل السنة والجماعة.

وإن المتتبع لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يجد أنه رحمه الله تعالى كان يدافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن صحابته الكرام وآل بيته الأطهار، ومن ذلك ما جاء في إجابته لأسئلة مقدم المغل (وزير المغول) ـ كما في مجموع فتاويه ـ ((قال : فما تحبون أهل البيت ؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب ، يؤجر عليه ، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً ، بين مكة والمدينة فقال "أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه ، ثم قال : " وعترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهــل بـيـتـي " قـلـت لـمـقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".

قال مقدم : فمن يبغض أهل البيت ؟ قلت : من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)).اهـ.

وقال شيخ الإسلام في ((منهاج السنة النبوية)): (( فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد ، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه)).اهـ. وقال فيه أيضًا: ((وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن ، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، وبعد ممات علي ، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً)).اهـ.

وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله ـ كما في مجموع فتاويه ـ عن رجل قال عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إنه ليس من أهل البيت ، ولا تجوز الصلاة عليه ، والصلاة عليه بدعة ؟

فأجاب: ((أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل ، بل هو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين ، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً".

وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ؟ مثل أن يقول : اللهم صلى على عمر أو علي . وقد تنازع العلماء في ذلك .

فذهب مالك ، والشافعي ، وطائفة من الحنابلة : إلى أنه لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ، كما روي عن ابن عباس أنه قال : لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم .

وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك ، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب : صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى .

ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه : هذا هو البدعة)). اهـ. إلى غير ذلك من المواضع التي يذم فيها شيخ الإسلام النواصب ويمدح فيها عليًا وآل البيت الأطهار، وقد أفرد شيخ الإسلام رحمه الله رسالة في حقوق أهل بيت رسول الله، بعنوان: " حقوق آل البيت بين السنة والبدعة"، وهذه الرسالة موجودة على الإنترنت في صورة كتاب إلكتروني، فارجع إليها.

ولمزيد بيان حول حقيقة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من علي بن أبي طالب وسائر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع كتابًا بعنوان: "ابن تيمية لم يكن ناصبيًا" لسليمان بن صالح الخراشي. فقد نقل فيه مقاطع من كلام شيخ الإسلام تدحض فرية بغضه لعلي وانتقاصه لآل البيت، وتخرس مروجها – ولله الحمد. وهو أيضا مطبوع في صورة كتاب إلكتروني، وتجده على الإنترنت.

وأما دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية يكفر من لم يأخذ باختياراته الفقهية، فتلك دعوى تفتقر إلى دليل، وهذه كتب الرجل مطبوعة ومتداولة بين الناس، فأين قال هذا الكلام؟ والحق أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان داعيًا إلى الرجوع للكتاب والسنة بفهم الأئمة الأعلام من الفقهاء والمحدثين، وعدم الجمود على أقوال بعض الفقهاء العارية عن الدليل، ولكنه لم يحمل الناس على اختياراته الفقهية، مع العلم أن أغلب اختياراته يوافق فيها قول أحد الأئمة الأربعة، ولم يخرج عن أقوالهم إلا في مسائل قليلة محصورة، والحق في كثير منها معه، والرجل من اهل الاجتهاد، وكل يؤخذ من قوله ويرد.

والذي ننصحك به أن تطلب العلم النافع على أعلامه، وأن تستفيد من أشرطة العلماء الموثوقين مثل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهه من العلماء ممن يسلك سبيل السلف من أهل السنة والجماعة.

وانظر برنامجا مختصرًا للمبتدئين في طلب العلم في الفتوى رقم: 56544

وننصحك بأن لا تصغي للشائعات والشبهات، وأن تحذر من مجالسة أهل البدع وآكلي لحوم العلماء، فإن صحبتهم مردية ولا خير فيها.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني