الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها؟

السؤال

ما حكم الشرع في زوج يمنع زوجته من زيارة والدتها المريضة ويمنعها من الاهتمام بها حيث إنها محتاجة للخدمة ومحتاجة إلى من يعولها؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل هو قرار المرأة في بيتها، وطاعتها لزوجها، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وقوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه. رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن، وهو عند الترمذي إلى قوله: أن تسجد لزوجها. إلى غير ذلك من النصوص.

واتفق الفقهاء على جواز خروجها بلا إذن زوجها عند الضرورة والحاجة التي لا بد منها، كخوف هدم وعدو وحريق وللاستفتاء في مسألة تحتاجها إذا لم يغنها الزوج في ذلك.

واختلف الفقهاء في خروجها لزيارة أهلها وعيادتهم، فذهب الحنابلة إلى أن للزوج أن يمنعها من ذلك، وأن عليها أن تطيعه حينئذ. قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها.

إلا أنهم قالوا: يستحب للزوج أن يأذن لها في الخروج لما في ذلك من صلة الرحم، ولما في منعها من قطيعة رحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته.

وعندهم: لا يملك الزوج منعها من كلامهما، ولا يملك منعهما من زيارتهما لها، إلا مع ظن حصول ضرر بسبب زيارتهما، فله أن يمنع دفعاً للضرر.

واستدلوا بما رواه ابن بطة في أحكام النساء عن أنس: أن رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته فقال لها: اتقي الله، ولا تخالفي زوجك، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قد غفرت لها بطاعة زوجها.

وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس للزوج أن يمنعها من زيارة والديها، قال الزيلعي في تبين الحقائق: قيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين إلخ. قال الكمال: ولو كان أبوها زمناً (مريضاً) مثلاً، وهو يحتاج إلى خدمتها، والزوج يمنعها من تعاهده فعليها أن تعصيه، مسلماً كان الأب أو كافراً.

وقيد بعض الحنفية بما إذا لم يقدر الأبوان على إتيانها.

وعند المالكية: لو حلف ألا تزور والديها حنث، وقضي لها بالزيارة إن كان والداها في نفس البلد. بشرط أن تكون مأمونة، والأصل حملها على الأمانة حتى يظهر خلافها.

واختلف في المدة التي تزور الزوجة فيها أبويها: فقال المالكية: يقضى لها في الجمعة مرة. وإلى هذا ذهب جماعة من الحنفية، لكن قال ابن الهمام: (ينبغي أن يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف، أما في كل جمعة فهو بعيد، فإنه في كثرة الخروج فتح باب الفتنة، خصوصاً إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات) انتهى.

والحاصل أنه ليس للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها مطلقاً في قول جماعة من أهل العلم إلا أن يكون في ذهابها إليهما ضرر ومفسدة.

وعلى الزوج أن يعلم أن في سعادة زوجته واطمئنان بالها وخاطرها على والديها سعادة له ولأبنائه، وأنه ينبغي له أن يعين زوجته على الطاعة، ومنها: برها بوالديها، والقيام على رعايتهما عند الحاجة.

وفي زيارة الزوج والزوجة وأبنائهما لهؤلاء الأرحام تقوية للأواصر، ودعم للألفة والمحبة، وتنشئة للأبناء على البر والإحسان، وغير ذلك من الفوائد التي يُحْرَم منها الزوج وأبناؤه بسبب القطيعة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني