الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتمان العلم بين المنع والإباحة

السؤال

في البداية أحييكم وأشكركم على مجهوداتكم الرائعة في هذا الموقع,, وفقكم الله إلى ما فيه خير هذه الأمة وجزاكم الله عنا كل خير.
أنا طالب أدرس في إحدى الدول غير المسلمة, وفي المكان الذي أقيم عدد لابأس به من المسلمين من مختلف الجنسيات, تجمعهم الدراسة أو العمل أو الإقامة. ولا أخفيكم أمرا بأن معظم المسلمين هنا غافلون عن أمور دينهم والبدع بينهم كثيرة. بعد جهد قمنا بتأجير مكان صغير ولله الحمد والمنة لأداء صلاة الجمعة وبعض الصلوات الأخرى جماعة وإن كان العدد الذي يحضر قليلا. ورغم أني لست بعالم ولامتخصص بعلوم الشريعة فقد من علي الله وتفضل بأن أصبحت إماما غير راتب لصلاة الجمعة نظرا لأن معظم الموجودين من العجم ولا يتكلمون العربية ويلحنون في قراءة القرآن ، الحمد لله وبتوفيق من الله وبالإستعانة بموقعكم هذا وبعلمائنا الإجلاء الثقات أمثال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وغيره كثير أقوم جاهدا بتوضيح ما أستطيعه من أمور الدين الضرورية. ولكن ياشيخ البدع والمنكرات كثيرة وأحيانا أقابل أناسا مصرين على رأيهم.وحتى لا أنفر الناس من الدين دائما أتكلم عن الأمور الأساسية في الإسلام كالتوحيد والصلاة وأهمية اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, الحجاب ..الخ.الآن شارفت دراستي على الانتهاء وسأترك هذا البلد قريبا إن شاء الله, وكلما اقترب موعد رجوعي إلى بلدي أشعر بتأنيب الضمير لأنه يوجد هنا منكر كبير لم أستطع أن أتحدث عنه, ربما خوفا من أنعت بالمتعصب أو ربما لأن الحديث عنه سيجلب لي كثيرا من المشاكل. ولكن عندما أتذكر قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"أشعر بالخوف الشديد. هنا يوجد كثير من الفتيات المسلمات يقمن وحدهن في هذا البلد بحكم الدراسة وبدون أي محرم,, وفترة إقامتهن تستمر غالبا لعدة سنوات..والغريب أن هذا الأمر طبيعي ولاينكر عليهن أحد. فهل بسكوتي عن هذا الأمر أكون آثما, مع العلم بأني حتى لو تكلمت فلن يستمع لي أحد..والسبب الرئيسي من وجهة نظري بأن جل اللاتي يدرسن هنا يحصلن على منحة مالية عالية نوعا ما ويتم اختيارهن من بين عدد كبير من المتقدمات. فوجودهن هنا يعتبر فرصة ذهبية بالنسبة لهن, كما أن هذه البلد آمنة جدا. والسبب الآخر هو أن وجود هؤلاء الفتيات هنا وبدون محرم يبدو أنه أمر طبيعي لدى أهلهن في بلدهن, وأحيانا أتعجب أن لا يوجد في بلدانهن علماء أو دعاة يبينون لهن حرمة السفر بدون محرم وخصوصا إلى بلاد الكفر! وبالتالي فإن كلامي عن هذا المنكرلن يكون له أي تأثير بل سيكون نشازا. عذرا على الإطالة وأرجو منكم أن ترشدوني إلى كيفية التصرف في مثل هذه المواضيع,,وما حكم سكوتي عن هذا المنكرفي مثل هذه الظروف. وهناك نقطة أخرى أود أن أستفسر عنها: قرأت في هذا الموقع ( فتوى رقم : 30583) بأنه لايشترط أن يبقى محرم المرأة معها في البلد الذي ستسافر إليه. فهل معنى هذا بأن وجود هوءلاء الفتيات هنا جائز إذا أتين لهذا البلد مع محرم, ثم إن المحرم تركهن وبقين وحدهن للدراسة إذا أمنت على نفسها ؟
جزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويرزقنا وإياك الاستقامة على طريق الخير، ولتعلم أن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لكل مسلم فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

ثم إن قولك: وحتى لا أنفر الناس من الدين دائما أتكلم عن الأمور الأساسية في الإسلام كالتوحيد والصلاة وأهمية اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, والحجاب... إلخ، قد يكون هو الصواب إذا كنت تعلم أو تظن أنك لو تكلمت عن غير ذلك لنفر الناس من الدين وتركوه. لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا تعارضت مصلحتان قدمت أعظمهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديا لأشدهما. ثم إن قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159}، فقد نص العلماء على أن الكتم الملعون صاحبه على نوعين:

أ- تارة يكون بمجرد إخفاء المعلوم وستره مع مسيس الحاجة إليه وتوفر الداعي إلى إظهاره.

ب- وتارة يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه.

ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم وكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وغيره.

وبناء على ما ذكر، فلا نرى أنك داخل في الوعيد الذي جاءت به هذه الآية الكريمة، طالما أن المانع لك من تبيين ما تركت تبيينه هو خشية تنفير الناس من الدين، أو أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد.

ونريد أن ننبهك هنا إلى أن مجرد خشية أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد، لا ينبغي أن يكون مانعا لك من التبيين، فالهداية بيد الله، وإنما على المسلم أن يبلغ ما أمر بتيليغه ولذلك فإن عليك أن تبين للعامة هنالك والنساء خاصة هذا الحكم الشرعي بأدلته مع توخي الحكمة والأسلوب الأمثل، ولن تعدم بإذن الله تعالى من يستجيب لك .

وفيما يتعلق بسفر المرأة دون محرم، فإنه مما وردت السنة بالتحذير منه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم... رواه البخاري.

ولكن المرأة إذا سافرت صحبة محرم، ووصلت المحل الذي تقصده في سفرها، فلا يشترط أن يبقى معها ذلك المحرم إذا كان المكان والبيت الذي سوف تسكنه آمنين كما بينا في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.

ولكن ما ذكرته عن البلد الذي أنت به من غفلة المسلمين عن أمور دينهم، وكثرة البدع بينهم، وكون البلد غير مسلم، وغير ذلك مما بينته وفصلته تفصيلا، لا يتصور معه أمن المكان والبيت الذي ستسكنه المرأة.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني