الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عبادة من لا يميز بين شروط وواجبات وسنن العبادة

السؤال

ما هو شرح الآية إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا وهل الإنسان الذي يخلص لله في العمل دون العلم بمدى توافق هذا العمل مع ما جاءت به السنة يجازى به؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا {الكهف:30}، وتفسير الآيتين واضح جداً، فتفسير الأولى كما ورد في تفسير الطبري هو: فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، يقول: فإن الله لا يبطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إياه فيما أمره ونهاه.

وتفسير الثانية كما هو عند ابن كثير: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً. أي لا يكفر سعيه وهو عمله بل يشكر فلا يظلم مثقال ذرة.

وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فإنه يشترط لقبول العمل شرطان:

الأول: أن يكون خالصاً لله تعالى لا يقصد به إلا وجهه.

الثاني: أن يكون العمل موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويعبر العلماء عن هذين الشرطين بقولهم: الإخلاص والمتابعة. قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك:2}، قال: أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، قال: والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة. وقد دل على هذا قول الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110}.

فلا بد أن يسلم العمل من الرياء المنافي للإخلاص، ومن البدعة المضادة للسنة، وبناء على ما ذكر فإذا كنت بقولك (دون العلم بمدى توافق هذا العمل مع ما جاءت به السنة)، تقصد الشخص الذي يعمل العمل الموافق للسنة في شكله، وهو لا يميز بين ما هو مشترط لصحة العبادة، وما هو واجب غير شرط، أو مستحب... إلخ، فعبادة مثل هذا الشخص فيها اختلاف بين أهل العلم من جهتين:

فمن جهة يُختلف فيما إذا كانت عبادته صحيحة أم لا، ومن جهة أخرى مختلف فيما إذا كان يؤجر أم لا، قال الدردير: والمراد بالعلم الذي هو شرط في صحتها أن يعلم كيفية ما ذكر ولو لم يميز الفرض من غيره بشرط أن يعلم أن فيها فرائض وسننا، أو يعتقد أن الصلاة مثلاً فرض على سبيل الإجمال، وأما إذا اعتقد أن جميع أجزائها سنن أو أن الفرض سنة، وكذا اعتقاد أن كل جزء منها فرض على قول فلا تصح له ولا لهم، والأظهر في هذا الأخير الصحة.

وقال الدسوقي معلقاً: (قوله: وكذا اعتقاد أن كل جزء منها فرض) البطلان في هذه الصورة ذكره العوفي قائلاً من غير خلاف، ونقله تت في فرائض الوضوء، لكن قال شيخنا العدوي: وكلام العوفي فيما إذا حصل خلل؛ وإلا فلا بطلان.

والحاصل أنه إذا أخذ صفتها عن عالم ولم يميز الفرض من غيره فإن صلاته صحيحة إذا سلمت من الخلل سواء علم أن فيها فرائض وسننا، أو اعتقد فرضية جميعها على الإجمال، أو اعتقد أن جميع أجزائها سنن، أو اعتقد أن الفرض سنة أو العكس، أو أنها فضيلة، أو اعتقد أن كل جزء منها فرض، وإن لم تسلم صلاته من الخلل فهي باطلة في الجميع. هذا هو المعتمد كما قرره شيخنا، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلم يأمرهم إلا بفعل ما رأوا، وأهل العلم نوابه عليه الصلاة والسلام فهم مثله في الاقتداء بكل، فكأنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي أو رأيتم نوابي يصلون، إذا علمت هذا تعلم أن قول الشارح بشرط أن يعلم.. إلخ خلاف المعتمد. انتهى.

وذكر أحد أهل العلم اختلاف العلماء فيما إذا كان الجاهل يؤجر على عبادته أم لا، فقال:

وابن أبي جمرة قد قال ففي * عبادة الجاهل أقوال تفي

فقيل يؤجر وقيل يؤزر * وقيل لا ولا وهوُ الأشهر

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني