الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ الوكيل من الزكاة

السؤال

سماحة الشيخ الفاضل الذي يستفتيكم في هذه المسألة طالب علم يحمل شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية، ويقوم بالخطابة محتسبا في عدد من المساجد ويحمل إجازة في حفظ القرآن الكريم بحمد الله، ويظن نفسه ممن يخاف الله ويتقيه، والسؤال فضيلة الشيخ: أني ابتلاني الله عز وجل بفقر مدقع والحمد لله وأبحث عن وظيفة جهدي فلا أجد، ولو كانت بأجر بخس، ومع ذلك وجدت نفسي في حاجة شديدة إلى الزواج بسبب الفتن الأخلاقية والإباحية التي تعصف بمجتمعنا بتشجيع من يهود وأعوانهم، ولا أخفيكم شيخنا أنني كنت أبكي من شدة الضيق المادي والكبت الجنسي حتى حدثتني نفسي بالسوء، ولكن الله سلم، فلم يكن لي بد من الزواج، فتحملت دينا في سبيل الزواج والله لقد كان من غير سرف ولا تبذير، ومرت سنون ولا أستطيع قضاءه وبالكاد أجد ما أسد به رمقي وعيالي، وقبل مدة أعطاني أحد المحسنين مبلغا من المال لأفرقه على المساكين والمحتاجين ثقة بي وجهلا منه بحالي، وإني لأجد نفسي كذلك الصحابي الذي قال: والله ما بين لابتيها أفقر مني، ولكن لا أحد يتصدق على شاب جلد، ولكنه عائل فقير معدم بل يتقصدون المطلقات والأرامل واليتامى وأكثرهم أحسن حالا من الشباب أمثالنا، فلما بحثت في كتب الفقه هل يحل لي شيء من هذا المال أم لا وجدت كتب الفقه تنص على أن الوكيل بأداء الزكاة لا يجوز أن يأخذ منها شيئا لنفسه، فإذا فعل فقد خان الأمانة، قياسا على التوكيل في سائر الأموال، مع أن أمثالنا من الشباب والدعاة قد عضهم الفقر بل أكلهم ولا أحد يتفطن إليهم وهم يتعففون ولا يسألون الناس إلحافا، والسؤال هو: يلحق بي منا وأذى يجعلني أشارف على الموت جوعا ولا أقدم عليه، ثم وهذا هو المهم أليس ثمة فرق بين التوكيل في تفريق مال خاص على الفقراء والمحتاجين وهو حق خالص للموكل يصرفه حيث يشاء، ولا يجوز مخالفة توكيله، وبين التوكيل في أداء الزكاة وهي حق للفقراء من حين حولان الحول، ونحن منهم بمعنى آخر: أن قياس مال الزكاة التي هي حق للفقراء والمحتاجين على المال الخاص -الذي يرجع أمر توزيعه لإرادة المتصدق– قياس مع الفارق، فإن كان جائزا أن آخذ منه قدر حاجتي فعلت، وإن كان ذلك حراما علي سلمت لحكم الله تعالى ورضيت به، ووزعته حيث أرشدتم، ولكن ماذا أصنع أنا وأمثالي وهم كثر من الإخوة وأحدهم ليس لديه قوت يومه إلا دينا، وهو غارم بمبالغ باهظة، ولا يتفطن له أهل الخير والإحسان جهلا منهم بحاله لتعففه عن السؤال، وكيف يؤدي رسالته من يبيت يفكر في لقمة يومه، شيخنا الفاضل عذراً على الإطالة وأرجو إجابة شافية؟ وبارك الله فيكم.. وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يثبتك على العلم والعمل والدعوة إلى الله تعالى وثيبك على ذلك ويفتح لك أبواب الرزق الحلال إنه على كل شيء قدير، ونذكرك أخي الفاضل بما روى أبو داود وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بلك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني.

وبما روى الترمذي وحسنه عن أبي وائل عن علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك؟ قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.

فثق بالله وأيقن أن ما كتب لك ستحصل عليه، فاستقم واثبت ولا تمل إلى الحرام ولا تحدث نفسك به، فقد روى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه مهموماً فقال له: ولا تكثر همك ما يقدر يكن، وما ترزق يأتك. وفي إسناده مقال لكن معناه صحيح. وفي الحديث: ولو أنفقت جبل أحد في سبيل الله ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه أحمد وأبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه وصححه الألباني.

وأما أخذ الوكيل من الزكاة التي وكل في تفريقها إذا كان مستحقاً لها فمحل خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، وإلى الجواز ذهب المالكية رحمهم الله، ففي شرح الخرشي لمختصر خليل قال: وللنائب أن يأخذ منها إن كان من أهلها بالمعروف. انتهى.

وعليه؛ فلا نرى مانعاً من أن تأخذ من الزكاة التي وكلت في تفريقها بقدر حاجتك ما دمت مستحقاً لها، وننصحك بعدم نشر ذلك لأحد لأن المتصدقين إذا عرفوا ذلك عنك ربما اتهموك وانتشر ذلك بين الناس فسبب بعدهم عنك وعن دعوتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني