الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبيل الوصول إلى حسن الظن بالله تعالى

السؤال

أريد أن أعرف كيف أحقق حسن الظن فى الله لأنى كثيرا أحسن الظن فى أشياء أطلبها من الله وأدعوه بها عن يقين وعندما تبدأ فى التحقيق ينتهى كل شئ ولا يتم ..فما هو الخلل عندى بالتحديد ؟؟؟ وكيف أفرق بين العقوبة والابتلاء..حتى أستطيع أن أحقق الصبر والرضا..وأقول بيقين وثقة (إن لم يكن عليك بي غضب فلا أُبالى)

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي رواه البخاري ومسلم ، وقد ذكرنا كلام العلماء على معنى هذا الحديث العظيم في الفتوى رقم: 8736 فراجعيها .

وعن خلف بن تميم، قال: قلت لعلي بن بكار ما حسن الظن بالله؟ قال:"ألا يجمعك والفجار في دار واحدة" .

وقال أحمد بن العباس النمري: وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع. رواهما ابن أبي الدنيا في حسن الظن .

وتحقيق حسن الظن بالله يكون بأمور:

منها: معرفة أسماء الله وصفاته والاطلاع على حكمته سبحانه من الخلق ، وحكمته في العطاء أو المنع فعلى سبيل المثال : فمعرفة أن الله سبحانه قادر حكيم، فعال لما يريد، ، كل ذلك يوجب حسن الظن بالله.

يقول ابن القيم: وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفي ما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده.

ومنها : اجتناب المنكرات وإذا أتى الإنسان معصية تاب وظن أن الله سبحانه سيقبل توبته، وكذلك بإحسان العمل ورجاء الثواب والأجر والظن بأن الله يكافيء العبد على إحسانه.

قال ابن القيم: ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وإنما المسىء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل . فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه حال مرتحل في مساخطه وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني. انتهى من الداء والدواء لابن القيم .

ومنها: معرفة كرم الله وأن خزائن السماوات والأرض بيده وأن عطاءه لعباده لا ينقص مما عنده شيئا وأن منعه ليس لبخل حاشاه إنما هو لحكمة يعلمها سبحانه كما قال عزوجل في الحديث القدسي يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه رواه مسلم

وكما قال صلى الله عليه وسلم: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده رواه البخاري ومسلم

ومعنى (لا تغيضها):أي: لاتنقصها.

ومعنى (سحّاء):أي:كثيرة العطاء والبركة

فكل هذه المعاني تجعل الإنسان حسن الظن بربه ولتعلمي أن في بعض المنع نعمة وفي بعض العطاء نقمة ، وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ){البقرة: من الآية216}

والمؤمن الموفق إذا أصابه ما يكره أحسن الظن بربه وعلم أن الذي ابتلاه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه ، ولا ليعذبه به ، وإنما ليمتحن إيمانه وصبره ورضاه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذا بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا الشكوى إليه" انتهى من تسلية أهل المصائب لمحمد المنبجي الحنبلي .

وحَسَنُ الظن بربه يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم . وراجعي الفتوى رقم: 96876 وفيها: وسائل استجلاب حسن الظن بالله .

ولمعرفة سبب الخلل في عدم تحقق ما تدعين به راجعي الفتوى رقم: 119608، وفيها آداب الدعاء وشروطه وأسباب إجابته.

واعلمي أن إجابة الدعاء قد تكون بأمور أخرى غير تحقق ما تطلبين ، وقد بينا هذا في الفتاوى التالية أرقامها: 72867 ، 125921 ، 111052 فراجعيها.

وأما عن الفرق بين الابتلاء والعقوبة ، فقد ذكرناه في الفتوى رقم : 45184 وما أحيل عليه فيها من فتاوى بما يغني عن إعادته.

ونسأل الله أن يرزقك اليقين والصبر وأن يحقق لك من مرادك ما فيه خير الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني