الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرور الإعلام تهجم على أبناء الإسلام

شرور الإعلام تهجم على أبناء الإسلام

انتشر في الآونة الأخيرة خروج كثير ممن ينسبون أنفسهم للدين والدعوة والعلم على شاشات الفضائيات، وهؤلاء أعطوا لأنفسهم الحق في التحدث باسم الإسلام وحق الفتوى في مسائل الفقه والدين، أفـــردت لهم الساعات الطوال بدعوى حرية التعبير وعرض الرأي والرأي الآخر.

ولو أن هؤلاء وقفوا حيث يعرفون ولم يخوضوا فيما لا يعلمون لهان الخطب، ولكنهم تكلموا في كل غريبة وأتوا بكل عجيبة، وصدق قيهم قول من قال: "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب"..

ففي الوقت الذي نؤمن فيه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، ورغم اعتراف العقلاء والعلماء وذوي الحس على أن مس الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة، وثوران الشهوات، والوقوع في الحرام.. إلا أننا فوجئنا ببرنامج عبر فضائية ما يستضيف رجلا جاوز السبعين من عمره ويطلقون عليه "المفكر الإسلامي" ليخرج علينا بفتوى.. "عفوا أقصد ببلوى عجيبة" يـبـيح فيها للشباب والفتيات غير المتزوجين تبادل (القبلات) نظرا لأنها ـ على حد زعمه ـ تندرج تحت إطار الذنوب الصغار التي تمحوها الحسنات!!

ويستدل هذا بالآية الكريمة "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، ويقول: ليس كل محرم من الضروري أن لا يفعله الإنسان، وطالما أن النية سليمة والقلب نظيف فلا بأس" أ.هـ.!!

ونحن لا ندري أين ذهب عقل الرجل وهو يقول لا بأس بهذا طالما أن النية سليمة والقلب نظيف؟ أولا يعلم أن صاحب أطهر قلب وأعــف نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمس امــرأة أجنبية قط؟ حتى في بيعة النساء لم يبايعهن كفا بكف كالرجال وإنما بايعهن كلاما كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات كما في قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الممتحنة : 12) قــالت عائشة رضي الله عنها: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاما.. ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك" (رواه البخاري).

فهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في المصافحة فكيف بالقبل يا ياأهل العقل والعلم والدين.

الطامة الثانية: فوجئنا بداعية من الدعاة يجلس على الهواء مباشرة يعزف على آلة موسيقية وبجواره "مغنية" ويقول مبتدئا الحلقة: "أعجب من هؤلاء الدعاة المتشددين الذين ضيقوا على الناس كل شيء كيف يحرمون الموسيقى تحريما مطلقا"، ويقول أيضا: "أنا لا أتصور حياتي دون سماع موسيقى، فأنا عندما أكون متعب الأعصاب أذهب لحجرتي الخاصة وأستمع لكوكب الشرق "الست الفاضلة أم كلثوم" فبصوتها وفصاحة لسانها تهدئ أعصابي" أ.هــ.

أعجب من كلامك أيها الرجل كيف تهدئ النفس بالموسيقى وهي في الأصل إتلاف للقلب وإشغال للنفوس عن الحق واثبات للنفاق في القلب. قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله : الموسيقى وغيرها من آلات اللهو كلها شر وبلاء، ولكنها مما يزين الشيطان التلذذ والدعوة إليه حتى يشغل النفوس عن الحق بالباطل وحتى يلهيها عما أحب الله إلى ما كره الله وحرم .. فالموسيقى والعود وسائر أنواع الملاهي كلها منكر ولا يجوز الاستماع إليها وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف . أ.هــ.

الطامة الثالثة: في الوقت الذي نؤمن فيه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، ومسجد الأقصى" نفاجأ برجل ممن يشار إليه بالبنان يقيم مخيما في ضريح من الأضرحة، ويذبح هناك الذبائح ويدرس في الناس وتنتقل إليه وسائل الإعلام – المرئية – المسموعة – المقروءة.. فينقلون هذه الصورة عبر قنواتهم إلى الأمة كلها.

والعجيب في هذا الأمر أنك لو استوقفت أحد هؤلاء الدعاة ممن يقيمون هذه المخيمات يقول: نحن نأتي هنا كل عام لنلتقي بإخواننا الذين أتوا من كل مكان لنشارك في هذه الاحتفالية العظيمة ونحن لا نطوف حول الضريح.. والذبائح التي نذبحها ليست لصاحب الضريح بل لإطعام الفقراء والمساكين!!.

هذه الطوام التي ذكرناها قليل من ركام كثير فهناك من الطوام الكثير والكثير .. لذا فإنني أقول إن أمر الفتاوى والأحاديث الدينية في وسائل الإعلام والتي تصل إلى كل ديار المسلمين أمر جلل خطير – لا ينبغي بحال أن يترك دون إشراف مباشر من مشايخنا الأجلاء وإلا فالأمة في خــطر، والخطر هنا لا ينحصر في بلدة معينة بل في أرجاء الدنيا كلها عبر الفضائيات والشبكة العنكبوتية ولا شك ولا ريب أن المتابعين لهذه الفضائيات في شتى الأصقاع تختلف درجاتهم العلمية فنخشى على من لم يؤتى البصيرة من دينه أن ينجرف في تيار هذه الفتاوى التي تخرج من دعاة لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمة.

لأجل هذا فإنني أتوجه بنداء لرواد الإعلام الديني أن يتقوا الله في المسلمين، وأن يشكلوا لقنواتهم لجنة علمية منتقاة من كبار مشايخنا الأجلاء – وأن لا يفتحوا أمر الفتاوى على مصراعيه، بل تـنـتـقي اللجنة العلمية علماء لهذا الأمر متخصصين في هذا المجال.. فكما لا يخفاكم ليس كل من صعد المنبر ليخطب في الناس أو دخل المحراب ليؤم المسلمين يصلح أن يفتي.. فالفتوى توقيع عن رب العالمين.

ملاحظة: بخصوص ما ذكرته آنفا أنه ينبغي للقائمين على القنوات الفضائية أن يشكلوا لجنة علمية لقنواتهم فلا يحسبن أحد من القراء أن هذا أمر ليس بواقع.. فقد يسر الله تعالى لبعض القنوات العاملة فعلا بتشكيل لجنة علمية مكونة من بعض المشايخ الأجلاء وأهل العلم الفضلاء لمراقبة ما يبث خلالها صيانة لمنهج الحق وعقول المتلقين من الخلق .. نسأل الله أن يوفق القائمين على وسائل الإعلام إلى كل خير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزائر عمر الحنبلي (بتصرف).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة