الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية

نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية

نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية

تعمل مؤسسة البحوث والدراسات العلمية -وتُعرف اختصاراً (مبدع)- إلى جانب معهد الدراسات المصطلحية -ومقرهما مدينة فاس في المملكة المغربية- على إصدار معجم تاريخي لألفاظ القرآن الكريم، بإشراف الأستاذ الشيخ الشاهد محمد البوشيخي، المدير السابق لمعهد الدراسات المصطلحية، والأمين العام الحالي لمؤسسة (مبدع)، وهو من المهتمين بعلم المصطلح عموماً، ومصطلح القرآن الكريم على وجه الخصوص.

وقد جاء في فاتحة الكتيب الذي يُعرِّف بهذا المشروع قول المشرف عليه: "المعجم المفهومي للقرآن الكريم، هو غاية مطمح الدارسين، وإنجازه على وجهه الصحيح، هو قرة عين العالمين؛ به يرجى تبين أنساق مفاهيم القرآن الجزئية، التي بها يتبين النسق المفهومي الكلي للقرآن، الذي به يتم الفهم الكلي النسقي للقرآن. وبه يُرجى تجديد الفهم، الذي به يتم تجديد العمل، الذي به يتم تجديد الحال.

وللوصول إليه، لا بد من الدراسة المصطلحية لمفهوم كل مصطلح قرآني على حِدَة، وتلك تستلزم استيعاب تعريفات السابقين وجهودهم، في تبيّن المراد من كل مصطلح وبيانه. ولا ينهض بذلك الاستيعاب على وجه محرر ميسر، غير "المعجم التاريخي للمصطلحات القرآنية المعرِّفة".

ومما قاله أيضاً في هذا الصدد: "لقد آن الأوان لـ (توبة مصطلحية) نصوح، يُرَدُّ فيها وبها لمصطلحات القرآن الاعتبار، على أساس أن هذا الأمر دين".

أهداف المشروع

لقد عايشت أمة الإسلام قرآنها على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد، وتفاعلت معه دراسة، وتدريساً، وتفسيراً، وقد تراكم لديها كمٌّ هائل من الفهوم السليمة والسقيمة، والأقوال السديدة والضعيفة، وهي اليوم بحاجة إلى عودة صادقة، يتأسس فيها اجتهاد الخلف على استيعاب جهود السلف، ويتجدد فيها التدين بناء على تجدد فهم الدين، عودة يستعيد فيها المصطلح القرآني سلطته، ويسترجع في القلوب ما ضاع من مفهومه، ويحرر المساحات الهائلة المغتصبة من عقول الأمة بفعل الانسلاخ والانحسار، أو التبعية والانبهار.

وليس يخفى، أن جمع مادة هذا المشروع، وتوثيقها، وتصنيفها، وإخراجها في معجم تاريخي، يمتد أكثر من أربعة عشر قرناً، سيحقق أهدافاً كثيرة، منها:

1- حصر جهود السابقين في تحديد دلالة المصطلحات القرآنية، وهي جهود -على كثرتها، وأهميتها، وحاجة الأمة إليها- لمَّا تحظ بالعناية اللازمة لها، ليتم استيعابها، وتوظيفها.

2- تبين مدى إسهام كل مسهم ونوعه، في ضبط الدلالة الاصطلاحية للألفاظ القرآنية، فرداً كان أم جماعة، وفي أي عصر ومصر، منذ نزول القرآن الكريم حتى الآن.

3- رصد التطور الذي طرأ عل فهم المصطلحات القرآنية عبر التاريخ، وهو رصد سيفسر كثيراً من الظواهر في شخصيتنا العلمية والحضارية، عموديًّا وأفقيًّا، مدًّا وجزراً، استقامة وانحرافاً، عطاء وأخذاً.

4- تسهيل التقويم، لحسن التوظيف، وحسن التركيب، وحسن التكميل، وما أحوج بناة الخلف إلى استيعاب جهود السلف.

5- تمهيد الطريق للدراسة المصطلحية لمفاهيم الألفاظ القرآنية؛ إذ لا يجوز -لخصوصية النص القرآني- الاستغناء في دراسة مفاهيم مصطلحاته عن خلاصات التفاعل والتلقي عبر القرون. وبهذا (المعجم) سيتيسر الوقوف على ذلك أيما تيسر.

مصادر مادة المعجم

أما المصادر التي سيُعتمد عليها في تحرير مادة هذا المعجم، فهي وفق التالي:

1- كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم؛ وذلك لارتباطها المباشر بالقرآن، وقيامها على بيان مراده، الذي لا سبيل إليه بغير بيان المراد من مصطلحاته؛ ما جعل معظم كتب التفسير -إن لم يكن كلها- تشتمل على معاجم كاملة للمصطلحات القرآنية المعرفة، يمكن استخلاصها منها في كتب مستقلة.

ثم تأتي من بعد كتب التفسير كتب الوجوه والنظائر؛ لعنايتها الخاصة بالمعاني المختلفة للألفاظ القرآنية. تم تأتي من بعد ذلك بقية كتب علوم القرآن.

2- كتب شروح الحديث وعلومه؛ وذلك لأن الحديث هو وحي البيان، والشق الثاني المستعمِل لمصطلحات القرآن، فشروحه لا بد أن تكون من أغنى المصادر بشروح ألفاظ القرآن، على أساس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُتصور منه أن يستعمل غير مصطلحات القرآن إلا لضرورة بيان.

3- كتب باقي العلوم الشرعية من عقيدة وفقه وأصول؛ وذلك لقيامها على مصطلحات قرآنية بعينها، أو انطلاقها منها، أو اهتمامها بها، أو نُظِر إليها من زاوية لم يُنظر منها إليها في غيرها، ما جعل المعجم الأساس في هذه العلوم، هو بمعنى ما، معجماً قرآنياً. وهذا الرافد يُعدُّ من أهم روافد هذا المعجم، ومادته قد تكون من أضبط المواد. 4- كتب المعاجم الخاصة: وهي في أهميتها على الترتيب السابق للمصادر؛ فمعاجم ألفاظ القرآن الكريم بأصنافها لها الصدارة، ثم معاجم ألفاظ الحديث النبوي الشريف، ثم معاجم ألفاظ سائر العلوم الشرعية من عقيدة، وفقه، وأصول، وغيرها.

5- كتب المعاجم العامة، وفيها ما لو جمع وحده، لكون معجماً هامًّا عامًّا للمصطلحات القرآنية كلها.

ترتيب مادة المعجم

ارتأى القائمون على المعجم ترتيب مادته وَفْق ما يحقق الغرض الأساس منه، وهو تسهيل الوقوف على تعاريف المصطلحات القرآنية وشروحها عبر التاريخ، تمهيداً لدراسة مفاهيمها دراسة مصطلحية بعد؛ ومن ثم اقترحوا الترتيب العام التالي:

1- الترتيب الألفبائي لحروف المعجم كله.

2- الترتيب الألفبائي للمصطلحات داخل كل حرف، حسب أوائل الحروف، فالثواني، فالثوالث بعد إسقاط (ال) التعريف.

3 - الترتيب الألفبائي للضمائم داخل كل مصطلح، حسب ما تقدم.

4- الترتيب التاريخي للمعرِّفين داخل كل مصطلح أو ضميمة.

5- الترتيب التاريخي لمصادر تعريفات كل معرِّف، إن تعددت.

6- الترتيب التاريخي لتعريفات كل مصدر، إن تعددت.

7 وضع كشاف للمعجم كله بما يخدم غرضه وأهدافه.

مراحل إنجاز المعجم

ثم إن مراحل إنجاز هذا المعجم تتخذ المسار التالي:

1- مرحلة الجمع والتوثيق: وهي أطول مرحلة وأشقها وأهمها على الإطلاق؛ إذ يجب فيها أن تُقْرَأ جميع أصناف المصادر المتقدمة، وتُسْتَخلص منها جميع التعاريف والشروح، موثقة النسبة إلى مصادرها، مضبوطة البيانات.

2- مرحلة المراجعة والتدقيق: وهي مرحلة تكميل الناقص، وضبط المختل، وإلغاء الحشو، وتعريف الغامض، والتأكد من الموجود، وإضافة المفقود في المصادر، والنصوص، والبيانات، والتنظيم وغير ذلك.

3- مرحلة التأليف والتنسيق: وفيها يُصنَّف ما روجع ودُقِّق تصنيفات جزئية مختلفة، ثم يؤلَّف من تلك الأصناف الجزئية أشكال من المركبات، ثم ينسق من تلك المركبات (المعجم الجامع).

عرض أولي لصنف من مادة مصطلح من المعجم

عرض القائمون على المشروع مثالاً أوليًّا؛ لتوضيح طبيعة هذا المشروع، فكما قيل: "بالمثال يتضح المقال"، وإذا تعذر "المثال"، فليكن على الأقل بعض مثال، ليتضح به على الأقل بعض مقال، والمثال الموضِّح لطبيعة هذا المشروع مادة مصطلح (التغيير)، فهذا المصطلح ورد في القرآن الكريم في ثلاث آيات، وعدد تكراره خمس مرات، حيث ورد فعلاً مضارعاً أربع مرات {يُغير} (الرعد:11)، واسم فاعل {مغيرا} (الأنفال:53) مرة واحدة، ولم يرد مصطلح (التغيير) مصدراً قط.

وقد رُصِد ما ذكره المفسرون حول مصطلح (التغيير)، وذُكرت أقوالهم الأقدم، فالأقدم.

وقد نبه القائمون على المشروع في اختيار هذا المثال التوضيحي على النقاط التالية:

1- عرض مادة مصطلح (التغيير) عبارة عن محاولة أولية أولى لترتيب مواد (المعجم).

2- المادة المعروضة لا تمثل كل ما يجب تقصيه، وإنما ما أمكن تقصيه من مصادر التفسير.

3- اختير تفسير الطبري أساساً للانطلاق منه إلى ما بعده؛ لجمعه ونخله المادة التي قبله.

4- كل تكرار لنص لدى متأخر، لا يضيف جديداً إلى متقدم، لا يُلتفت إليه.

5- عرض مادة المصطلح نصي، وصفي، تاريخي، لا تدخّل فيه إلا من جهة الجمع والاستخلاص والترتيب. والموجود من مادة مصطلح (التغيير) هو الذي جعل المعروض هكذا:

- شروح مصطلح (التغيير).

- شروح ضميمتين له: (تغيير خلق الله)، (تغيير نعمة الله).

- شروح ما له تأثير في مفهومه: (تغيير ما بقوم)، (تغيير ما بالأنفس).

7- من أبرز النتائج المستخلَصة عن رصد هذا المصطلح بروز التطور الدلالي الذي طرأ على مصطلح (التغيير)؛ فبدلاً من أن يظل كما كان لدى الأوائل خاصاً بالتحول من الخير إلى الشر، صار عامًّا لدى المتأخرين أو بعضهم في التحول مطلقاً من الخير إلى الشر، ومن الشر إلى الخير. وذلك مما يحتاج إلى تحقيق وتدقيق في التحرير بعد.

وعلى كلٍّ، يبقى هذا المشروع -إن كُتب له أن يخرج إلى النور- عملاً جديراً بالتقدير، والاحترام، والاهتمام، والدعم العلمي، والمعنوي، والمادي؛ لما يقدمه من خدمة للمسلمين عموماً، وللباحثين على وجه الخصوص.

ولا بد أن نشير أخيراً إلى أنه قد صدر كُتيب بعنوان (نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية المعرِّفة)، يُعرِّف بهذا المشروع، وهو من تأليف الأستاذ الشاهد محمد البوشيخي، نشره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وهو ضمن كتب المكتبة الشاملة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة