الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التبليغ بالقول

التبليغ بالقول

التبليغ بالقول

تبليغ الدعوة الى الله له وسائل متعددة، وطرق مختلفة، وأساليب كثيرة، فتارة تكون بالقول، وتارة بالعمل، وتارة أخرى بسيرة الداعي التي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم الى الاسلام:

أهمية القول في التبليغ
الدعوة بالقول هو الأصل في تبليغ الدعوة إلى الله، ووسيلتها الأولى؛ فالقرآن الكريم هو قول رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون به التبليغ قال تبارك وتعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}(التوبة:6)، وكان تبليغ رسول الله لرسالة ربه للناس بالقول، إذ أمره ربه بقوله: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم}(يونس:108). وكذلك أمر الله رسله أجمعين بتبليغ أقوامهم رسالة ربهم بالقول المبين قال تعالى: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إليه غيره}(الأعراف:59)، {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين}(الأعراف:104).. فلا يجوز للداعي أن يغفل مكانة القول في تبليغ الدعوة ولا أثر الكلمة الطيبة في النفوس؛ إذ هو الوسيلة الأصيلة في إيصال الحق للخلق.

الضوابط العامة في القول
أولا: أن يكون واضحاً مفهوما:
أي بيناً للمدعوين لا غموض فيه ولا إبهام، مفهوماً عند السامع، حتى يتم به البلاغ وتقام به الحجة، والبلاغ لابد أن يكون مبينا، كما قال تعالى {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}، والحجة لا تقام إلا بعد الإفهام وإزالة اللبس ورفع الشبه، ولهذا أرسل الله رسله بألسنة أقوامهم حتى يفهموا ما يدعونهم إليه ويستطيعوا تبينه وإدراكه إدراكا تاما: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}. وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: [كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً] قال النووي رحمه الله : أي بيناً ظاهراً يفهمه كل من يسمعه".

ثانيا: أن يكون قاطعا غير موهم:
وذلك بأن يكون الكلام خالياً من الألفاظ المستحدثة التي تحتمل حقاً وباطلاً وخطأ وصواباً، فيكون المدعو معها في حيرة. وأعظم ما يرفع اللبس والإيهام استعمال الألفاظ الشرعية من القرآن والسنة وعند علماء المسلمين، لأن هذه الألفاظ تكون محددة المعنى واضحة المفهوم خالية من أي معنى باطل قد يعلق في ذهن المدعو. وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة هذا النهج في الكلام قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} لأن في كلمة (راعنا) في لسان اليهود معنى باطلاً كانوا يقصدونه عند مخاطبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة، فأمر الله المسلمين أن يتركوها ويستعملوا كلمة {انظرنا} بدلاً منها حتى لا يتحجج اليهود فيستعملوا كلمة راعنا يريدون بها الشتيمة والتنقيص. وإذا اضطر الداعي الى استعمال بعض الألفاظ المستحدثة فعليه أن يبين مقصوده منها حتى لا يتبادر الى الأذهان المعاني الباطلة التي تحملها هذه الألفاظ أو التي قد يفهمها الناس منها.

الضوابط العامة للقائل
1 ـ التأني وعدم الإسراع: فعلى الداعي أن يتمهل حتى يستوعب السامع كلامه ويفهمه، جاء في الحديث الذي رواه البخاري "ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه".

2ـ البعد عن التفاصح والتعاظم والتكلف: أي في نطقه واختياره لألفاظه ومفرداته، جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [هلك المتنطعون.. قالها ثلاثاً]. والتنطع في الكلام هو التفاصح والتعمق فيه، وفي حديث آخر: [إن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون]، والمتفيهق: هو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا وإظهارا للفضيلة على غيره.

3 ـ التلطف واللين: واختيار الألفاظ التي تجذب السامع وتثير عاطفته، وترقق قلبه وتقبل به على المتكلم، وتثير رغبته إلى السماع كما في قصة إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً}{مريم:42)، وما زال يقول يا أبت ، يا أبت .. ليدله على محبته له وخوفه عليه.. وكذلك كل نبي كان يقول لقومه: {يا قوم}: ليشعرهم أنه منهم في النسب وانه يريد الخير لهم. وفي السنة النبوية ما يدل أيضاً على ما قلناه فقد ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الى بطن من بطون كلب في منازلهم يقال لهم (بنو عبد الله) فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه حتى أنه كان يقول لهم "يا بني عبدالله إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم". أي فأحسنوا الإجابة واقبلوا الدعوة وآمنوا بالله ورسوله.

4ـ استثارة همم المدعوين: وتذكيرهم بطيب أصلهم وكرم عائلتهم وشرف نسبهم، وان اللائق بهم أن يكونوا مع الاخيار المطيعين لله، فهذا ونحوه سائغ على ألا يسرف فيه الداعي وان يكون قصده منه التشويق والحمل على الطاعة لا المداهنة والنفاق، والأعمال بالنيات.

5 ـ البعد عن المداهنة والنفاق بلا إخفاء للحق او تحسين للباطل أو الرضى به، وإنما هو تشويق للمدعو لقبول الحق وإعانته على هذا القبول فالداعية كالطبيب لا يخفي على المريض علته وضرورة العلاج له وقد حكى الله عن بعض رسله قولهم: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين}(الشعراء)، وقال صالح لقومه: {فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون}(الشعراء:150-153).

أنواع القول
أما أنواع القول في مجال التبليغ فهي كثيرة: فمنها الخطبة، والدرس، والمحاضرة، والمناقشة أو المناظرة، ومنها التحديث كما كان يفعل الأولون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، ومنها أيضا الكتابة فهي أحد اللسانين بجميع أنواعها كتأليف الكتب، وكتابة الأبحاث، والرسائل، والردود العلمية الكتابية ونحوها.. فإنها أيضاً من القول باعتبارها أداة من أدوات التبليغ وتؤدي ما يؤدي إليه القول بالنسبة لمن لا يمكن للداعي المشافهة معهم.

وكل واحدة من أنواع القول السابقة له ما يميزه عن بقية الأنواع الأخرى، وكل نوع منها يمكن التوجه به لطائفة معينة أو شريحة مقصودة.. مما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة