الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الولي) في القرآن الكريم

لفظ (الولي) في القرآن الكريم

لفظ (الولي) في القرآن الكريم

من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم لفظ الولي؛ فقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم بصيغ فعلية متعددة، وبصيغ مصدرية، وبصيغ اسم الفاعل واسم المفعول، وتكرر بصيغه المختلفة في القرآن الكريم ثلاثاً وثلاثين ومائتي مرة (233) جاء بصيغة الفعل في عشرة ومائة موضع (110)، منها قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (البقرة:144). وجاء بصيغة الاسم في ثلاثة وعشرين ومائة موضع (123) منها قوله عز وجل: {الله ولي الذين آمنوا} (البقرة:257).

نقف بداية مع المعنى اللغوي لهذا اللفظ، ثم نذكر المعاني التي جاء عليها في القرآن الكريم.

قال ابن فارس في "معجمه": "الواو واللام والياء: أصل صحيح، يدل على قرب. من ذلك الوَلْيُ: القرب. يقال: تباعد بَعْدَ وَلْيٍّ، أي: قرب. وجلس مما يليني، أي: يقاربني. ومن الباب المولى: المعتِق والمعتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر، والجار؛ كل هؤلاء من الوَلْيُ، وهو القرب. وكل من ولي أمر آخر، فهو وليه. وفلان أولى بكذا، أي أحرى به وأجدر. والولاء: ولاء المعتِق، وهو أن يكون ولاؤه لمعتقه، كأنه يكون أولى به في الإرث من غيره، إذا لم يكن للمعتَق وارث نسب. وافعل هذا على الولاء، أي: مرتباً. والباب كله راجع إلى القرب".

وقال الأصفهاني في "مفرادته": الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والولاية: النصرة. والولاية: تولي الأمر. ويقال للمؤمن: هو ولي الله عز وجل، ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهم. ويقال: ولَّيت سمعي كذا، وولَّيت عيني كذا، وولَّيت وجهي كذا: أقبلت به عليه، قال الله عز وجل: {فلنولينك قبلة ترضاها} (البقرة:144). و(التولي) قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال تعالى: {ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} (الأنفال:20) أي: لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: {واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا} (نوح:7). ويقال: ولاه دبره: إذا انهزم. و(الولي) معناه (فعيل) من قول القائل: وليت أمر فلان، إذا صرت قيِّماً به، فأنا أَلَيَه، فهو وليه، وقيمه. ومن ذلك قيل: فلان ولي عهد المسلمين، يعنى به: القائم بما عهد إليه من أمر المسلمين. و(ولي) الشيءُ الشيءَ، وأوليت الشيء شيئاً آخر، أي: جعلته يليه. والموالاة بين الشيئين: المتابعة.

ولفظ (ولي) بصيغه المختلفة ورد في القرآن الكريم على عدة معان، نذكر منها:

(الولي) بمعنى الناصر والحليف، وأكثر ما جاء في القرآن بحسب هذا المعنى، من ذلك قوله سبحانه: {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} (الأعراف:3) قال الطبري: "إنما ضلوا عن سبيل الله، وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله، وظهراء". ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {الله ولي الذين آمنوا} (البقرة:257) أي: الله سبحانه نصير عباده المؤمنين وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه. ومنه أيضاً قوله سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله} (المائدة:55) المعنى: ليس لكم -أيها المؤمنون- ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره. فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرؤوا من ولايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، بل بعضهم أولياء بعض.

(الولي) بمعنى الرب والمعبود، من ذلك قوله عز وجل: {قل أغير الله أتخذ وليا} (الأنعام:14) أي: رباً ومعبوداً وناصراً دون الله.

(الولي) بمعنى الولد، من ذلك قوله عز وجل: {فهب لي من لدنك وليا} (مريم:5) يعني: ولداً؛ بدليل قوله تعالى بعد: {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} (مريم:6).

(الولي) بمعنى الصاحب، من ذلك قوله تعالى: {ولم يكن له ولي من الذل} (الإسراء:111)، أي: لم يكن له صاحب منتصر به في العمل. ونحوه قوله تعالى: {ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} (الكهف:17) أي: لن تجد له يا محمد خليلاً وحليفاً يرشده لإصابة الهدى.

(الولي) بمعنى الصنم والوثن، من ذلك قوله تبارك وتعالى: {أم اتخذوا من دونه أولياء} (الشورى:9) أي، بل {اتخذوا من دونه أولياء} يعني أصناماً. ومنه أيضاً قوله تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} (العنكبوت:41) أي: مثل الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله أولياء، يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم، {كمثل العنكبوت} في ضعفها، وقلة احتيالها لنفسها. ونحوه كذلك قوله تبارك وتعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء} (الزمر:3) أي: والذين اتخذوا من دون الله آلهة يتولونهم، ويعبدونهم من دون الله، لن تنفعهم تلك الآلهة شيئاً.

(الولي) بمعنى القريب في النسب، من ذلك قوله سبحانه: {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا} (الدخان:41) قال ابن كثير: لا ينفع قريب قريباً، كقوله عز وجل: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} (المؤمنون:101).

(الولي) الوارث والعصبة في الميراث، من ذلك قوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام: {وإني خفت الموالي من ورائي} (مريم:3). أي: الورثة، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "الموالي: العصبة"، يعني: الورثة. ونحوه قوله عز وجل: {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} (النساء:33) أي: ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته. قال الطبري: "والعرب تسمي ابن العم "المولى".

فأما قوله عز وجل في الأدعياء في النسب: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} (الأحزاب:5) (الموالي) هنا جمع (مولى) وهو الذي أُعتق من الرق.

وقوله تبارك وتعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} (الرعد:11) يعني: ما لهم من ولي يليهم، ويلي أمرهم وعقوبتهم.

وقوله تعالى: {فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير} (الأنفال:40) أي: نِعْمَ المعين لكم ولأوليائه.

وقوله سبحانه: {هنالك الولاية لله الحق} (الكهف:44) قُرأ {الولاية} بفتح الواو: من الوَلاية، أي: الموالاة لله، والمراد بها الولاية في الدين. وقرأ {الولاية} بكسر الواو: من الملك والسلطان، من قول القائل: وليت عمل كذا، أو بلدة كذا أليه وِلاية، واختار الطبري قراءة الكسر.

وحاصل القول: إن لفظ (الولي) في القرآن الكريم جاء على عدة معان، وأكثر ما جاء بمعنى (النصير) و(الحليف)، وجاء بنحو أقل بمعنى الأوثان والآلهة المعبودة من غير الله، وجاء بمعنى القريب في النسب، والورثة، والصاحب، والولد. والمهم في هذا السياق، أن لفظ (الولي) له ارتباط وثيق بموضوع العقيدة؛ إذ ولاء المؤمن لا يكون إلا لله سبحانه وحده، ولا يكون لأحد سواه، وهو سبحانه الذي يتولى عباده الصالحين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة