الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أول ما نزل من القرآن

أول ما نزل من القرآن

من المباحث التي توقف عندها علماء التفسير مبحث متعلق بأوائل ما نزل من القرآن وأواخره. وقد جرى خلاف بين أهل العلم حول هذا المبحث. وما يهمنا في هذه الوقفة السريعة أن نتعرف على أرجح الأقوال المتعلقة بهذه المسألة، فنقول:

الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم وصححوه أن أول ما نزل من القرآن الآياتُ الأُولُ من سورة العلق، وهي قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم} (العلق:1-5)، واستدلوا لهذا بحديث عائشة رضي الله عنها، الذي رواه البخاري ومسلم وفيه فجاءه المَلَكُ فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} إلى قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} قال النووي: هذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: {اقرأ} وهذا هو الصواب -والكلام للنووي - الذي عليه الجماهير من السلف والخلف. وأصرح من هذا الحديث، ما رواه الحاكم في "المستدرك" عن عائشة أيضاً، أن أول ما نزل من القرآن {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.

والحكمة في هذه الأوَّلية -كما قال ابن حجر-: إن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن، ففيها براعة الاستهلال، وهي جديرة أن تسمى "عنوان القرآن" لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله. وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في علوم التوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله، وفي هذه الإشارة إلى الأحكام. وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين. وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله تعالى: {علم الإنسان ما لم يعلم}.

هذا فيما يتعلق بأول ما نزل من القرآن من الآيات، أما السور فمن أوائل ما نزل منها سورة الإسراء والكهف ومريم وطه، ففي البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنهن من تلادي من العتاق الأول)، أي: من أول ما نزل من القرآن، أو المراد بـ (العتيق) الشريف، أي: مما حُفِظ قديماً، والتلاد: قديم المُلْك، وهو بخلاف الطارف.

وعند البخاري أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها أن أول ما نزل سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولقد نزلت بمكة، وإني لجارية ألعب: {والساعة أدهى وأمر} (القمر:46). والمفصل من القرآن يبدأ من سورة (ق) إلى سورة (الناس).

وأول آية نزلت في القتال مطلقاً، قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39).

وأول آية نزلت في تحريم الخمر، قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر} ( البقرة:219) ثم قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} (النساء:43) ثم قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (المائدة:90).

أما فيما يتعلق بأواخر ما نزل من القرآن، فقوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} (البقرة:281) وهذا أصح الأقوال -كما ذكر ابن حجر- ودليل هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري، قال: "آخر آية نزلت آية الربا"، قال ابن حجر: هذه الآية هي ختام الآيات المنـزَّلة في الربا، إذ هي معطوفة عليهن.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه قد وردت كثير من الأخبار والروايات ذكرت أوائل وأواخر ما نزل من القرآن، إلا أن أغلبها لم يثبت، ولا يعول عليها، لذلك لم نعرج على ذكرها، فضلاً عن أنه لا يترتب على معرفة ذلك فائدة كبيرة، اللهم إلا ما كان يتعلق منها بباب النسخ، ولهذا حديث آخر إن شاء الله، والله ولي التوفيق.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة