الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القرآن الكريم وعلومه في الفيلم الوثائقي

القرآن الكريم وعلومه في الفيلم الوثائقي

القرآن الكريم وعلومه في الفيلم الوثائقي

كتاب جديد يضاف إلى المكتبة القرآنية جاء تحت عنوان (القرآن الكريم وعلومه في الفيلم الوثائقي) جمع هذا الكتاب خلاصة فكر مجموعة من الباحثين والنقاد والمخرجين؛ استشعاراً منهم بأهمية استثمار الفيلم الوثائقي وتوظيفه في خدمة القرآن الكريم وعلومه، كلبنة أولى في تكوين هذا المشروع الحيوي، ومحاولة في إيصال المعلومة القرآنية للجيل الحالي بما يناسب زمنهم ووسائلهم.

احتوى الكتاب ثلاث عشرة مقالة، تنوعت محاورها بين التنظير، والقراءة والنقد، وكذلك التجارب، والأفكار والمشاريع. وقد تضمن الكتاب مادة غير مسبوقة في ساحتنا الثقافية العربية والإسلامية، وإضافة نوعية، يتأرجح وجودها بين المكتبة القرآنية، والمكتبة الإعلامية والسينمائية.

امتازت مضامين الكتاب بشجاعة علمية، تحلى بها منجزوه وناشروه على حد سواء. ومأتاها محاولته الجمع بين علوم القرآن من ناحية والفن السينمائي من ناحية ثانية، متحدياً ما كرسته ثقافتنا من تباعد موهوم بينهما. فجعل غايته تذليل الوسيط التقني الحديث، وتحويله من النزعة الفنية في عالم التخييل أو التوثيق إلى المنحى العلمي؛ خدمة للنص الكريم وعلومه وقرائه.

استهل الدكتور عبد العزيز الضامر الكتاب بمدخل أريد له أن يكون تأطيراً، ينزل موضوع الكتاب في سياقه المعرفي والحضاري، فيلفت الانتباه إلى أهمية تدوين مسائل علوم القرآن وثائقيًّا، وجدواه، ويحدد أطره من ضبط للمصطلحات والمفاهيم الحاضنة ذات الصلة بالفيلم الوثائقي، بالعودة إلى المؤسسات والمعاجم المختصة والوقوف عند شروط التوثيق.

إضافة إلى المدخل السالف الذكر، فقد ضم الكتاب ثلاثة أقسام:

جاء أولها تحت عنوان (مقدمات) نزعت مقالاته إلى عرض المسألة نظريًّا وإلى مقاربة توثيق علوم القرآن ضمن أبعادها الفكرية الحضارية. وتضمن هذا القسم المقالات التالية:

- الفيلم الوثائقي في رحاب القرآن الكريم نحو رؤية جمالية إنسانية: د.حبيب الناصري، أبرز الكاتب أهمية الخطاب البصري في أيامنا، وما قُّدر له من أدوار حاسمة في الغرب من جهة، وما يجده بالمقابل من إهمال في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وتغاضٍ عن أهميته، وهو الخطاب المولد لاحتمالات المعنى المختلفة، المحدد لتمثلاتنا للكون ولمنزلتنا فيه، راصداً تخلف استعمال هذه الثقافة كوسائل منهجية تعليمية تعلمية، والحال أننا في أمس الحاجة إلى هذا الوسيط حتى نقاوم ما تكرسه (سينما هوليود) من صورة نمطية للمسلم، تجعله ذلك الوافد من وراء الصحراء، الغريب عن كل مظاهر المدنية والحضارة والتطور، وحتى نرسخ الدور النبيل للفنون على اختلافها المتمثل في جعل العالم يتقاسم اللحظات ذات العمق الوجداني الإنساني. وانتهى الكاتب إلى أن الفيلم الوثائقي الذي يُوظف عامة ضمن استراتيجيات إعلامية بحثية علمية في آن، يمثل آلية مثالية للتعريف بمكونات الهُوية الإسلامية.

- البرامج الوثائقية والتوظيف الأمثل خدمة للقرآن: د.مالك بن إبراهيم الأحمد، سعى الكاتب في مقاله إلى بيان أهمية برامج التوثيق في أيامنا، فذكر أن من أخطر أدوار أفلامها فرضَ وجهات نظر أصحابها، وتكريسها على أنها معطى ثابت. وأبرز الكاتب أن انفتاح علوم القرآن على هذا الفن أمر عظيم الفائدة بيّن الجدوى، يُسهم بجلاء في نشر القرآن، وبث قيمه بين الأنام. وفي الوقت نفسه اشترط تحديد ضوابط صارمة لتوظيف فن التوثيق خدمة للقرآن وعلومه.

- وثائقيات القرآن الكريم: مفارقة الرؤية وجماليات المكان: حسن مجتهد، حاول الكاتب في مقالته هذه تأصيل عمل التوثيق، فبين أهمية التدوين في الثقافة الإسلامية وما نشأ عنه من العلوم. ودعا إلى استغلال التقنيات الجديدة في مجال الصورة، وتسخيرها لخدمة ما اشتغل عليه القدماء من بحث في علوم القرآن، مقدِّراً أن التوثيق يشكل هُوية السينما الفاضلة، ملاحظاً أن تناول الأفلام للعلوم القرآنية لا يخلو من الفوضى والتداخل والشطط في التفسير والتأويل ومن الخلط على مستوى التنميط بين تقرير ودراسة وثائقية، وفيلم تعليمي بيداغوجي، منبهاً إلى ضرورة اعتماد هذه البرامج لغة الحقيقة لا لغة الحلم، التي تميل إليها السينما التخييلية؛ ذلك أن الحسّ الجمالي -بحسب كاتب المقالة- يختلف في هذا المستوى عن الحس الجمالي الأدبي بالنظر إلى طبيعة المادة المدروسة.

القسم الثاني جاء تحت عنوان (قراءات) وفيه انتقلت المقالات من الدراسة النظرية إلى البحث في المنجز تحليلاً وتفكيكاً وتأويلاً، فبحثت مقالاته نماذج من أفلام القرآن وعلومه. وتضمن هذا القسم المقالات التالية:

- الفيلم الوثائقي القرآني بين الإنتاج العربي والإنتاج الغربي: سمير الضامر، رصد الكاتب في مقالته اختلاف تناول القرآن وثائقيًّا في الآثار السينمائية الإسلامية عن نظائرها العالمية من جهة أسلوب الطرح فنيًّا وعمقه فكريًّا، ووجد الأفلام الغربية أكثر جرأة في طرح الأسئلة، وأكثر عمقاً في المعالجة، فيما بدا له الفيلم العربي محافظاً، تعوزه الشجاعة على الغوص في بعض القضايا، أميل إلى الاستعاضة عن فقر تناوله للمواضيع بالمؤثرات البصرية الشكلية. وقد أرجع كاتب المقالة هذه المحافظة إلى كم المحاذير التي يواجهها الوثائقي العربي في رحلة تعميق أسئلته، وإلى هامش حريته الضيق، وقدر أن من أبرز العوائق التي تعترضه تلك السلطة الضاغطة التي تمتلكها بعض المؤسسات الدينية والإعلامية ومراجع الفتوى. وللتدليل على ما ذهب إليه، يتناول الكاتب نماذج من هذه الأفلام العالمية منها (The Quran) الذي يطرح معضلة انقسام المسلمين إلى مذاهب متناحرة، والحال أنهم يصدرون عن كتاب واحد. و(The Quran and kalashnikov) الذي أبرز دور المخابرات الغربية في استغلال مفهوم الجهاد لتجييش المسلمين لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ودور فرنسا في الإطاحة بشاه إيران، ووصول الخميني إلى امتلاك زمام السلطة فيها، وعمل على فضح استخدام السياسة لذهنيات الشعوب العربية الإسلامية في تمرير هذا النوع من الصراع باسم الجهاد المقدس.

- صورة القرآن الكريم في الفيلم الوثائقي (بين عالمين): د.كريمة الليحياوي، عرضت الكاتبة في مقالها مضمون فيلم (Between Two Worlds)، ومداره على اعتناق الديبلوماسي السويدي (Knut Berstom) للإسلام لما وجد في القرآن الكريم من أجوية مقنعة لأسئلة شغلته.

- قراءة تحليلية في فيلم (القرآن الكريم جمعاً وكتابة): خديحة بن بريك، انطلقت في مقالتها من البحث في خصوصيات الإنشاء في جمع وكتابة القرآن الكريم من حَبْكٍ وبناء ومونتاج وتقنيات صوتية، لتقف عند مدى خدمتها لتعميق المعنى وتقريبه إلى المتلقي.

- صورة القرآن الكريم في الأفلام الوثائقية عن الفنانين المتحولين إلى الإسلام: فيلم (آيات فنية أنموذجاً): أحمد الصمدي، عرض الكاتب ضمن مقالته قصة اعتناق الفنان التشكيلي الإيطالي كرم سيباستيان كناريللا للإسلام بعد رحلة تأمل وجودي، وقد ركز على الصورة الإيجابية التي يرسخها الفيلم عن القرآن بما يرسم من صورة عن الإنسان والكون والغيب، فبين أن الفيلم قدم الكتاب الكريم باعتباره مصدر إلهام ودعوة إلى التعايش الإنساني في آن معاً.

أما ثالث الأقسام فجاء تحت عنوان (الأفكار والمشاريع) ومداره على مقالات جديرة بأن تتخذ منطلقاً لوثائقيات، تبحث في علوم القرآن. جالت مقالاته في آفاق محتملة، يمكن أن تلتقي فيها علوم القرآن بالفيلم الوثائقي لقاء مخصباً. وتضمن القسم المقالات التالية:

- الحقائق الكونية في القرآن الكريم وخطورة الخطأ في ترجمتها: مشروع سلسلة أفلام وثائقية: د.أحمد أعراب.

- السينما الوثائقية في خدمة القرآن الكريم: البقعة المباركة نموذجاً: خالد صالح مصطفى.

- أماكن النّزول القرآني، فكرة مشروع وثائقي: د.عمر راغب زيدان.

- قصة القرآن الكريم وثائقيًّا: جلال عبد السميع.

إضافة إلى ما تقدم من مقالات، فقد تضمن الكتاب مقالات، كتبها كلٌّ من الأستاذين: عبد العزيز بن عبد الرحمن الضامر، ومالك بن إبراهيم الأحمد، تناولا فيما كتبا التفكير في ممكنات التوثيق والصعوبات التي تواجه العاملين في هذا المجال.

وبالجملة، فالكتاب شغوف أولاً، يرصد اشتراك جملة من الأقلام في الاهتمام بالقرآن الكريم، استشرافي ثانيًّا، يتجه إلى المستقبل، فيبحث في إمكانية تشكل اتجاه جديد في السينما الوثائقية، تتجاوز قيمته ما وصفناه بالشجاعة أو الشغف إلى لفت الانظار إلى مجال لم نكن ننتبه إليه كفاية، ممتدٍ لا يمكن أن تضبط حدوده ولا أنماطه بيسر.

ولهذا الكتاب مزية أخرى،وهو أنه مثل خزاناً للمواضيع، اقترحت مشاريع أفلام تعرِّف بالقرآن، أو تصله بحياة الناس في الدنيا، حتى تخوض في الجانب الاجتماعي من منظور قرآني، أو تعود إلى الماضي فيتعرف بالأقوام السابقة، وتعرض قصص الأنبياء من المنظور نفسه. واقترحت مواضيع أخرى مشاريع أفلام تصل علوم القرآن بالآخرة، حتى يكون المتلقي على صلة بالمفاهيم المؤطرة للمعاد، كمفهوم الموت والجنة والمعاد. ولعل هذا يعكس وعي مؤلفيه بوقوفهم على عتبات مشغل سينمائي جديد واعد.

ورغم ما تضمنته بعض مقالات الكتاب من مغالاة في الدعوة إلى الحذر عند مقاربة المسائل القرآنية وثائقيًّا، وإلى الحيطة والرصانة، ومن ميل إلى الضوابط والقيود، حتى أنها انصرفت إلى تسييج اتجاه سينمائي لم ينشأ بعد، يظل الكتاب جريئاً في بابه، يحاور فنًّا على قدر من الخطورة، فيعمل على قدح الفكر والإبداع معاً، ويوجههما إلى الدراسات المختصة، التي تجمع في آن بين الدراية بعلوم القرآن، والمعرفة بتقنيات السينما الوثائقية، وهو مبحث على قدر من الدقة، يستجيب لنزعة المباحث الإنسانية في أيامنا إلى تجاوز الاختصاص الضيق المعزول عن تفاعلات العلوم من حوله.

إن الفيلم الوثائقي يظل وسيطاً تقنيًّا طيعاً، ينصاع إلى كل حضور خلف الكاميرا مفكر، ينتج صوراً ذات قدرات خارقة، ولكنها عمياء في الآن ذاته، تظل مستطيعة بذات المخرج، فمنها تستمد هذه الصور عمقها وطرافتها، وعن تفكيره تتولد مواقفها، وتتحدد مقارباتها. ومن هنا كانت الحاجة إلى ولوج هذا المجال، وربطه بالقرآن وعلومه حاجة إسلامية، ومسلكاً دعويًّا.

صدر الكتاب في طبعته الأولى عن مركز تفسير للدراسات القرآنية في الرياض سنة (2015م) وتولى تنسيق مادته الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن الضامر.

* مادة المقال مستفادة من مركز تفسير للدراسات القرآنية مع بعض التصرف.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة