الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 35 ] بسم الله الرحمن الرحيم

حسبي الله ونعم الوكيل

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله إله الأولين والآخرين ، وقيوم السماوات والأرضين ومالك يوم الدين الذي لا فوز إلا في طاعته ، ولا عز إلا في التذلل لعظمته ، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته ، ولا هدى إلا في الاستهداء بنوره ، ولا حياة إلا في رضاه ، ولا نعيم إلا في قربه ، ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا في الإخلاص له وتوحيد حبه ، الذي إذا أطيع شكر ، وإذا عصي تاب وغفر ، وإذا دعي أجاب ، وإذا عومل أثاب .

والحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته ، وأقرت له بالإلهية جميع مصنوعاته ، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها من عجائب صنعته ، وبدائع آياته ، وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته . ولا إله إلا الله وحده ، لا شريك له في إلهيته ، كما لا شريك له في ربوبيته ، ولا شبيه له في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته ، والله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وسبحان من سبحت له السماوات وأملاكها ، والنجوم وأفلاكها ، والأرض وسكانها ، والبحار وحيتانها ، والنجوم والجبال والشجر والدواب والآكام والرمال ، وكل رطب ويابس [ ص: 36 ] ، وكل حي وميت ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ] .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله تعالى رسله ، وأنزل كتبه ، وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين ، وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون ، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟ .

فجواب الأولى بتحقيق " لا إله إلا الله " معرفة وإقرارا وعملا .

وجواب الثانية بتحقيق " أن محمدا رسول الله " معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة .

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأمينه على وحيه ، وخيرته من خلقه ، وسفيره بينه وبين عباده ، المبعوث بالدين القويم والمنهج المستقيم ، أرسله الله رحمة للعالمين ، وإماما للمتقين ، وحجة على الخلائق أجمعين . أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل ، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ومحبته والقيام بحقوقه ، وسد دون جنته الطرق ، فلن [ ص: 37 ] تفتح لأحد إلا من طريقه ، فشرح له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره . ففي " المسند " من حديث أبي منيب الجرشي ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) وكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره ، فالعزة لأهل طاعته ومتابعته ، قال الله سبحانه : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [ آل عمران : 139 ] . وقال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) [ المنافقون : 8 ] . وقال تعالى : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) [ محمد : 35 ] . وقال تعالى : ( ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) [ الأنفال : 64 ] . أي : الله وحده كافيك ، وكافي أتباعك ، فلا تحتاجون معه إلى أحد .

وهنا تقديران ، أحدهما : أن تكون الواو عاطفة لـ" من " على الكاف المجرورة ، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار على المذهب المختار ، وشواهده كثيرة وشبه المنع منه واهية .

والثاني : أن تكون الواو واو " مع " وتكون " من " في محل نصب عطفا على الموضع ، فإن " حسبك " في معنى " كافيك " أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك كما تقول العرب : حسبك وزيدا درهم ، قال الشاعر :


إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند



[ ص: 38 ] وهذا أصح التقديرين .

وفيها تقدير ثالث : أن تكون " من " في موضع رفع بالابتداء ، أي : ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله .

وفيها تقدير رابع ، وهو خطأ من جهة المعنى : وهو أن تكون " من " في موضع رفع عطفا على اسم الله ، ويكون المعنى : حسبك الله وأتباعك ، وهذا وإن قاله بعض الناس فهو خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن " الحسب " و" الكفاية " لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة ، قال الله تعالى : ( وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) [ الأنفال : 62 ] . ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده ، وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) [ آل عمران : 173 ] . ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله ، فإذا كان هذا قولهم ، ومدح الرب تعالى لهم بذلك ، فكيف يقول لرسوله : الله وأتباعك حسبك ، وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب ، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه ، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله ؟! هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل ، ونظير هذا قوله تعالى : ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون ) [ التوبة : 59 ] . فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله كما قال تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) [ الحشر : 7 ] . وجعل الحسب له وحده ، فلم يقل : وقالوا : حسبنا الله ورسوله ، بل جعله خالص حقه ، كما قال تعالى : ( إنا إلى الله راغبون ) [ التوبة : 59 ] . ولم يقل : وإلى رسوله ، بل جعل الرغبة إليه وحده ، كما قال تعالى : ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) [ الانشراح : 7 - 8 ] . فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده ، كما أن العبادة والتقوى والسجود لله وحده ، والنذر والحلف لا يكون إلا لله سبحانه [ ص: 39 ] وتعالى . ونظير هذا قوله تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) [ الزمر : 36 ] . فالحسب : هو الكافي ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده ، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية ؟! والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر هاهنا .

والمقصود أن بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة ، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة ، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته ، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته ، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة ، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة . وقد أقسم صلى الله عليه وسلم بأن ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) وأقسم الله سبحانه بأن لا يؤمن من لا يحكمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره ، ثم يرضى بحكمه ، ولا يجد في نفسه حرجا مما حكم به ، ثم يسلم له تسليما وينقاد له انقيادا . وقال تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) [ ص: 40 ] ( [ الأحزاب : 36 ] . فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله ، فليس لمؤمن أن يختار شيئا بعد أمره صلى الله عليه وسلم ، بل إذا أمر فأمره حتم ، وإنما الخيرة في قول غيره إذا خفي أمره وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته ، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع ، لا واجب الاتباع ، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه ، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه ، ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصيا لله ورسوله . فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه ، ويحرم عليهم مخالفته ، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله ؟ فلا حكم لأحد معه ، ولا قول لأحد معه ، كما لا تشريع لأحد معه ، وكل من سواه ، فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به ، ونهى عما نهى عنه ، فكان مبلغا محضا ومخبرا لا منشئا ومؤسسا ، فمن أنشأ أقوالا وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله لم يجب على الأمة اتباعها ، ولا التحاكم إليها حتى تعرض على ما جاء به الرسول ، فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة قبلت حينئذ ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها ، فإن لم يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفة ، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها وتركه ، وأما أنه يجب ويتعين فكلا ولما.

وبعد ، فإن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات ، قال الله تعالى: ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) [ القصص : 68 ] . وليس المراد هاهنا بالاختيار الإرادة التي يشير إليها المتكلمون بأنه الفاعل المختار - وهو سبحانه - كذلك ، ولكن ليس المراد بالاختيار هاهنا هذا المعنى ، وهذا الاختيار داخل في قوله : ( يخلق ما يشاء ) فإنه لا يخلق إلا باختياره ، وداخل في قوله تعالى : ( ما يشاء ) فإن المشيئة هي الاختيار ، وإنما المراد بالاختيار هاهنا : الاجتباء والاصطفاء ، فهو اختيار بعد الخلق ، والاختيار العام اختيار قبل الخلق ، فهو أعم وأسبق ، وهذا أخص ، وهو متأخر ، فهو اختيار من الخلق ، والأول اختيار للخلق . وأصح القولين أن الوقف التام على قوله : ( ويختار ) .

[ ص: 41 ] ويكون ( ما كان لهم الخيرة ) نفيا ، أي : ليس هذا الاختيار إليهم ، بل هو إلى الخالق وحده ، فكما أنه المنفرد بالخلق فهو المنفرد بالاختيار منه ، فليس لأحد أن يخلق ولا أن يختار سواه ، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره ، ومحال رضاه ، وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له ، وغيره لا يشاركه في ذلك بوجه .

وذهب بعض من لا تحقيق عنده ولا تحصيل إلى أن " ما " في قوله تعالى : ( ما كان لهم الخيرة ) موصولة ، وهي مفعول " ويختار " أي : ويختار الذي لهم الخيرة ، وهذا باطل من وجوه .

أحدها : أن الصلة حينئذ تخلو من العائد ؛ لأن " الخيرة " مرفوع بأنه اسم " كان " والخبر " لهم " ، فيصير المعنى : ويختار الأمر الذي كان الخيرة لهم ، وهذا التركيب محال من القول .

فإن قيل : يمكن تصحيحه بأن يكون العائد محذوفا ، ويكون التقدير : ويختار الذي كان لهم الخيرة فيه ، أي ويختار الأمر الذي كان لهم الخيرة في اختياره .

قيل : هذا يفسد من وجه آخر ، وهو أن هذا ليس من المواضع التي يجوز فيها حذف العائد ، فإنه إنما يحذف مجرورا إذا جر بحرف جر الموصول بمثله مع اتحاد المعنى ، نحو قوله تعالى: ( يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ) [ المؤمنون : 33 ] ونظائره ، ولا يجوز أن يقال : جاءني الذي مررت ، ورأيت الذي رغبت ، ونحوه .

الثاني : أنه لو أريد هذا المعنى لنصب " الخيرة " وشغل فعل الصلة بضمير يعود على الموصول ، فكأنه يقول : ويختار ما كان لهم الخيرة ، أي : الذي كان هو عين الخيرة لهم ، وهذا لم يقرأ به أحد البتة ، مع أنه كان وجه الكلام على هذا التقدير .

الثالث : أن الله سبحانه يحكي عن الكفار اقتراحهم في الاختيار ، وإرادتهم [ ص: 42 ] أن تكون الخيرة لهم ، ثم ينفي هذا سبحانه عنهم ، ويبين تفرده هو بالاختيار ، كما قال تعالى : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) [ الزخرف : 31 - 32 ] ، فأنكر عليهم سبحانه تخيرهم عليه ، وأخبر أن ذلك ليس إليهم ، بل إلى الذي قسم بينهم معايشهم المتضمنة لأرزاقهم ومدد آجالهم ، وكذلك هو الذي يقسم فضله بين أهل الفضل على حسب علمه بمواقع الاختيار ، ومن يصلح له ممن لا يصلح ، وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات ، وقسم بينهم معايشهم ودرجات التفضيل ، فهو القاسم ذلك وحده لا غيره ، وهكذا هذه الآية بين فيها انفراده بالخلق والاختيار ، وأنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره ، كما قال تعالى: ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] ، أي : الله أعلم بالمحل الذي يصلح لاصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره .

الرابع : أنه نزه نفسه سبحانه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم فقال : ( ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ) [ القصص : 68 ] ولم يكن شركهم مقتضيا لإثبات خالق سواه حتى نزه نفسه عنه ، فتأمله فإنه في غاية اللطف .

الخامس : أن هذا نظير قوله تعالى في [ الحج : 73 - 76 ] : ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) ثم قال : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ) وهذا نظير قوله في [ القصص : 69 ] ( وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ) ونظير قوله في [ الأنعام : 124 ] ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) فأخبر في ذلك كله عن علمه [ ص: 43 ] المتضمن لتخصيصه محال اختياره بما خصصها به ، لعلمه بأنها تصلح له دون غيرها ، فتدبر السياق في هذه الآيات تجده متضمنا لهذا المعنى ، زائدا عليه ، والله أعلم .

السادس : أن هذه الآية مذكورة عقيب قوله : ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين وربك يخلق ما يشاء ويختار ) [ القصص : 65 - 68 ] فكما خلقهم وحده سبحانه ، اختار منهم من تاب وآمن وعمل صالحا ، فكانوا صفوته من عباده ، وخيرته من خلقه ، وكان هذا الاختيار راجعا إلى حكمته وعلمه سبحانه لمن هو أهل له ، لا إلى اختيار هؤلاء المشركين واقتراحهم ، فسبحان الله وتعالى عما يشركون .

التالي السابق


الخدمات العلمية