الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 163 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

                                                                                                                        1 - قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري - رحمة الله عليه - .

                                                                                                                        الحمد لله رب العالمين ، الذي لا يبلغ وصف صفاته الواصفون ، ولا يدرك كنه عظمته المتفكرون ، ويقر بالعجز عن مبلغ قدرته المعتبرون ، الذي أحصى كل شيء عددا وعلما ، ولا يحيط خلقه بشيء من علمه إلا بما شاء ، خضعت له الرقاب ، وتضعضعت له الصعاب ، أمره في كل ما أراد ماض ، وهو بكل ما شاء حاكم قاض ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون .

                                                                                                                        2 - يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ، ذو الرحمة والطول ، وذو القوة والحول ، الواحد الفرد ، له الملك وله الحمد ، ليس له ند ولا ضد ، ولا له شريك ولا شبيه ، جل عن التمثيل والتشبيه ، لا إله إلا هو إليه المصير .

                                                                                                                        3 - أحمده كثيرا عدد خلقه وكلماته ، وملء أرضه وسمواته ، وأسأله الصلاة على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين وعلى جميع النبيين والمرسلين ، وسلم تسليما .

                                                                                                                        4 - أما بعد ; فإن جماعة من أهل العلم وطلبه والعناية به من إخواننا - نفعهم الله وإيانا بما علمنا - سألونا في مواطن كثيرة مشافهة ، ومنهم من سألني ذلك من آفاق نائية مكاتبا أن أصرف لهم كتاب [ ص: 164 ] " التمهيد " على أبواب " الموطإ " ونسقه ، وأحذف لهم منه تكرار شواهده وطرقه ، وأصل لهم شرح المسند والمرسل اللذين قصدت إلى [ ص: 165 ] شرحهما خاصة في " التمهيد " بشرح جميع ما في الموطأ من أقاويل الصحابة والتابعين ، وما لمالك فيه من قوله الذي بنى عليه مذهبه ، واختاره من أقاويل سلف أهل بلده ، الذي هم الحجة عنده على من خالفهم ، وأذكر على كل قول رسمه وذكره فيه ما لسائر فقهاء الأمصار من التنازع في معانيه ، حتى يتم شرح كتابه " الموطإ " مستوعبا مستقصى بعون الله إن شاء الله ، على شرط الإيجاز والاختصار ، وطرح ما في الشواهد من التكرار ، إذ ذلك كله ممهد مبسوط في كتاب " التمهيد " والحمد لله .

                                                                                                                        5 - وأقتصر في هذا الكتاب من الحجة والشاهد على فقر دالة ، وعيون مبينة ، ونكت كافية ; ليكون أقرب إلى حفظ الحافظ ، وفهم المطالع إن شاء الله .

                                                                                                                        6 - وأما أسماء الرجال فقد أفردنا للصحابة - رضوان الله عليهم - كتابا موعبا . وكل من جرى ذكره في مسند " الموطإ " أو مرسله فقد وقع التعريف به أيضا في " التمهيد " وما كان من غيرهم فيأتي التعريف بأحوالهم في هذا الكتاب إن شاء الله .

                                                                                                                        7 - وإلى الله أرغب في حسن العون على ذلك ، وعلى كل ما يرضاه من قول وعمل صالح ، وأضرع إليه في السلامة من الزلل والخطل ، وأن يجعلني ممن يريد بقوله وفعله كله وجهه ورضاه ، فهو حسبنا فيما أملناه ، لا شريك له .

                                                                                                                        8 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمر القاضي المالكي ببغداد [ ص: 166 ] قال : حدثنا عبد الواحد بن العباس الهاشمي قال : حدثنا عياش بن عبد الله الرقي قال : قال عبد الرحمن بن مهدي : ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من موطإ مالك بن أنس .

                                                                                                                        9 - حدثنا علي بن إبراهيم بن حمويه الشيرازي ، حدثنا شبابة قال : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدني قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال : سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول : سمعت الشافعي يقول : ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس .

                                                                                                                        10 - حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا يحيى بن مالك قال : حدثنا محمد بن سليمان بن الشريف قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل قال : حدثنا يوسف بن عبد الأعلى قال الشافعي : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطإ مالك بن أنس .

                                                                                                                        11 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي قال : حدثنا محمد بن أحمد قال : حدثنا علي بن الحسن القطان قال : حدثنا عبد الله بن محمد القروي قال : [ ص: 167 ] سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطإ مالك .

                                                                                                                        12 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن السيرافي ، حدثنا يحيى بن صالح قال : سمعت أبي يقول : قال ابن وهب : من كتب " كتاب الموطإ " لمالك فلا عليه ألا يكتب من الحلال والحرام شيئا .

                                                                                                                        13 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن قال : سمعت يحيى بن عثمان يقول : سمعت ابن أبي مريم يقول - وهو يقرأ عليه " موطأ مالك " وكان ابنا أخيه قد رحلا إلى العراق في طلب [ ص: 168 ] العلم - فقال : لو أن ابني أخي مكثا بالعراق عمرهما يكتبان ليلا ونهارا ما أتيا بعلم يشبه موطأ مالك ، ولا أتيا بسنة مجمع عليها خلاف موطإ مالك .

                                                                                                                        14 - حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال : حدثنا أبو طاهر قال : حدثنا صفوان ، عن عمر بن عبد الواحد - صاحب الأوزاعي - قال : عرضنا على مالك الموطأ إلى أربعين يوما ، فقال : كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما ، قلما تتفقهون فيه .

                                                                                                                        15 - ولم أذكر في كتابي هذا شيئا من معاني النقل وغوائله وعلم طرقه وعلله ، ولا من فضائل مالك - رحمه الله - وأخباره ، إذ ذاك كله مذكور بأتم ذكر وأكمله في " كتاب التمهيد " والحمد لله .

                                                                                                                        16 - وقصدت من روايات " الموطإ " في كتابي إلى رواية يحيى بن يحيى الأندلسي ، فجعلت رسوم كتابي هذا على رسوم كتابه ونسق أبوابه للعلة التي ذكرناها في " التمهيد " على أنه سينظم بهذه الرواية كثير من اختلاف الرواية عن مالك في موطئه على حسب ما يقود إليه القول في ذلك بحول الله .

                                                                                                                        17 - وأما الإسناد الذي بيني وبين مالك في رواية يحيى بن يحيى فإن أبا عثمان سعيد بن نصر حدثنا بجميع الموطإ قراءة منه علينا من أصل كتابه ، [ ص: 169 ] قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة قالا : حدثنا [ ص: 170 ] ابن وضاح قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، عن مالك .

                                                                                                                        18 - وحدثنا أيضا به : أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن البزار قراءة مني عليه ، عن وهب بن مسرة ، وابن أبي دليم ، عن ابن وضاح ، عن يحيى ، عن مالك .

                                                                                                                        19 - وحدثنا به أيضا : أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد ، عن أبي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن ، وأحمد بن سعيد بن حزم ، عن عبيد الله بن [ ص: 171 ] يحيى ، عن أبيه يحيى ، عن مالك ، وعن وهب بن مسرة أيضا ، عن ابن وضاح ، عن يحيى ، عن مالك .

                                                                                                                        20 - وأما رواية ابن بكير عن مالك فقرأتها على أبي عمر أحمد بن محمد بن أخي عبد الله بن محمد بن عيسى بن رفاعة ، عن يحيى بن أيوب بن باب ، حدثنا العلاف ، عن ابن بكير ، عن مالك .

                                                                                                                        21 - وقرأتها أيضا على أبي عمر أحمد بن محمد ، وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان ، جميعا عن قاسم بن أصبغ ، عن مطرف بن عبد الرحمن بن قيس ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك .

                                                                                                                        22 - وأخبرني بها أيضا : أبو القاسم خالد بن سهل الحافظ ، عن أبي محمد الحسن بن رشيق ، عن أحمد بن محمد المؤدب ، والحسن بن محمد ، جميعا عن ابن بكير .

                                                                                                                        23 - وأما رواية ابن القاسم للموطإ عن مالك فقرأتها على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ، عن أبي العباس تميم بن محمد بن تميم ، عن عيسى بن مسكين ، عن سحنون بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك .

                                                                                                                        24 - وأما رواية القعنبي عبد الله بن مسلمة ، فقرأتها على أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد ، عن أبي بكر أحمد بن محمد المكي ، عن علي بن عبد العزيز ، عن القعنبي ، عن مالك ، وعن بكر بن العلاء القاضي القشيري ، عن أحمد بن موسى النسائي ، عن القعنبي ، عن مالك .

                                                                                                                        25 - وأما رواية مطرف بن عبد الله الساري ، عن مالك فحدثني بها : أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم بن مرين قال : حدثنا مطرف ، عن مالك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        الخدمات العلمية