الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 599 ] وسئل رحمه الله عن المصحف العتيق إذا تمزق ما يصنع به ؟ ومن كتب شيئا من القرآن ثم محاه بماء أو حرقه فهل له حرمة أم لا ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . أما المصحف العتيق والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه فإنه يدفن في مكان يصان فيه كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه وإذا كتب شيء من القرآن أو الذكر في إناء أو لوح ومحي بالماء وغيره وشرب ذلك فلا بأس به نص عليه أحمد وغيره ونقلوا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى لمن به داء وهذا يقتضي أن لذلك بركة .

                والماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم هو أيضا ماء مبارك ; صب منه على جابر وهو مريض . وكان الصحابة يتبركون به ومع هذا فكان يتوضأ على التراب وغيره فما بلغني أن مثل هذا الماء ينهى عن صبه في التراب ونحوه ولا أعلم في ذلك نهيا فإن أثر الكتابة لم يبق بعد المحو كتابة ولا يحرم على الجنب مسه . ومعلوم أنه ليس [ ص: 600 ] له حرمة كحرمته ما دام القرآن والذكر مكتوبان كما أنه لو صيغ فضة أو ذهب أو نحاس على صورة كتابة القرآن والذكر أو نقش حجر على ذلك على تلك الصورة ثم غيرت تلك الصياغة وتغير الحجر لم يجب لتلك المادة من الحرمة ما كان لها حين الكتابة .

                وقد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم : لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل . وروي عنه أنه قال : لشارب ومتوضئ ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم وذكروا فيه روايتين عن أحمد . والشافعي احتج بحديث العباس والمرخص احتج بحديث فيه أن { النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من ماء زمزم } والصحابة توضئوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته ; لكن هذا وقت حاجة .

                والصحيح : أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة ; ولهذا يجب أن يغسل في الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة ; وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات . والله أعلم .




                الخدمات العلمية