الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 364 ] فصل في النظر والمس ( وينظر الرجل من الرجل ) ومن غلام بلغ حد الشهوة مجتبى [ ص: 365 ] ولو أمرد صبيح الوجه وقد مر في الصلاة والأولى تنكير الرجل لئلا يتوهم أن الأول عين الثاني ; وكذا الكلام فيما بعد قهستاني . قلت : وقرينة المقام تكفي فتدبر ، ثم نقل عن الزاهدي أنه لو نظر لعورة غيره بإذنه لم يأثم . قلت : وفيه نظر ظاهر بل لفظ الزاهدي نظر لعورة غيره وهي غير بادية لم يأثم انتهى فليحفظ ( سوى ما بين [ ص: 366 ] سرته إلى ما تحت ركبته ) فالركبة عورة لا السرة

التالي السابق


( قوله والمس ) زاده لتكلم المصنف عليه وعدم الذكر في الترجمة لا يعد عيبا وإن كان الذكر أولى ليعلم محله فليراجع عند الحاجة ط ( قوله وينظر الرجل من الرجل إلخ ) ذكر في العناية وغيرها أن مسائل النظر أربع : نظر الرجل إلى المرأة ونظرها إليه ، ونظر الرجل إلى الرجل ، ونظر المرأة إلى المرأة والأولى على أربعة أقسام : نظره إلى الأجنبية الحرة ، ونظره إلى من تحل له من الزوجة والأمة ونظره إلى ذوات محارمه ونظره إلى أمة الغير فافهم ا هـ ( قوله بلغ حد الشهوة ) أي بأن صار مراهقا فالمراد حد الشهوة الكائنة منه ط . أقول : وقدم الشارح في شروط الصلاة ما نصه وفي السراج لا عورة للصغير جدا ثم ما دام لم يشته فقبل [ ص: 365 ] ودبر ثم تتغلظ إلى عشر سنين ثم كبالغ ، وفي الأشباه يدخل على النساء إلى خمس عشرة سنة ا هـ فتأمل ( قوله ولو أمرد صبيح الوجه ) قال في الهندية والغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء ، وهو عورة من قرنه إلى قدمه لا يحل النظر إليه عن شهوة ، وأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة فلا بأس به ولذا لم يؤمر بالنقاب كذا في الملتقط ، ولم يذكر الشهوة الموجبة للتحريم ، هل هي ميل القلب أو الانتشار ويحرر ط .

أقول : ذكر الشارح في فصل المحرمات من النكاح أن حد الشهوة في المس والنظر الموجبة لحرمة المصاهرة تحرك آلته أو زيادته به يفتى وفي امرأة ونحو شيخ تحرك قلبه أو زيادته ا هـ ونقله القهستاني عن أصحابنا ثم قال : وقال عامة العلماء : أن يميل بالقلب ويشتهي أن يعانقها وقيل أن يقصد مواقعتها ، ولا يبالي من الحرام كما في النظم وفي حق النساء الاشتهاء بالقلب لا غير ا هـ وقال القهستاني : في هذا الفصل وشرط لحل النظر إليها وإليه الأمن بطريق اليقين من شهوة أي ميل النفس إلى القرب منها أو منه أو المس لها أو له مع النظر ، بحيث يدرك التفرقة بين الوجه الجميل والمتاع الجزيل ، فالميل إلى التقبيل فوق الشهوة المحرمة ولذا قال السلف : اللوطيون أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ، وفيه إشارة إلى إنه لو علم منه الشهوة أو ظن أو شك حرم النظر كما في المحيط وغيره ا هـ .

أقول : حاصله أن مجرد النظر واستحسانه لذلك الوجه الجميل ، وتفضيله على الوجه القبيح كاستحسان المتاع الجزيل لا بأس به ، فإنه لا يخلو عنه الطبع الإنساني ، بل يوجد في الصغار ، فالصغير المميز يألف صاحب الصورة الحسنة أكثر من صاحب الصورة القبيحة ويرغب فيه ، ويحبه أكثر بل قد يوجد ذلك في البهائم ، فقد أخبرني من رأى جملا يميل إلى امرأة حسناء ويضع رأسه عليها ، كلما رآها دون غيرها من الناس ، فليس هذا نظر شهوة ، وإنما الشهوة ميله بعد هذا ميل لذة إلى القرب منه أو المس له زائدا على ميله إلى المتاع الجزيل ، أو الملتحي لأن ميله إليه مجرد استحسان ليس معه لذة وتحرك قلب إليه كما في ميله إلى ابنه أو أخيه الصبيح ، وفوق ذلك الميل إلى التقبيل أو المعانقة أو المباشرة أو المضاجعة ، ولو بلا تحرك آلة وأما اشتراطه في حرمة المصاهرة ، فلعله للاحتياط والله تعالى أعلم . ولا يخفى أن الأحوط عدم النظر مطلقا قال في التتارخانية : وكان محمد بن الحسن صبيحا ، وكان أبو حنيفة يجلسه في درسه خلف ظهره . أو خلف سارية مخافة خيانة العين مع كمال تقواه ا هـ وراجع ما كتبناه في شروط الصلاة .

( قولهم لئلا يتوهم أن الأول عين الثاني ) لأن الثاني معرفة كالأول وهذه القاعدة ليست كلية قال تعالى - { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب } - ويمكن أن يقال : أن أل في الأول والثاني جنسية والمعرف بها في حكم النكرة ط ( قوله وكذا الكلام فيما بعد ) وهو قوله ونظر المرأة من المرأة ( قوله قلت إلخ ) يشير إلى أن ما ذكروه من أن المعرفة أو النكرة إذا أعيدت معرفة ، فهي عين الأول ، أو نكرة فغيره إنما هو عند الإطلاق ، وخلو المقام عن القرائن كما صرح به في التلويح ( قوله وهي غير بادية ) أي ظاهرة وفي الذخيرة وغيرها وإن كان على المرأة ثياب فلا بأس بأن يتأمل جسدها وهذا إذا لم تكن [ ص: 366 ] ثيابها ملتزقة بها بحيث تصف ما تحتها ، ولم يكن رقيقا بحيث يصف ما تحته ، فإن كانت بخلاف ذلك فينبغي له أن يغض بصره ا هـ .

وفي التبيين قالوا : ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها ، فلا ينظر إليه حينئذ لقوله عليه الصلاة والسلام " { من تأمل خلف امرأة ورأى ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم يرح رائحة الجنة } " ولأنه متى لم يصف ثيابها ما تحتها من جسدها يكون ناظرا إلى ثيابها وقامتها دون أعضائها فصار كما إذا نظر إلى خيمة هي فيها ومتى كان يصف يكون ناظرا إلى أعضائها ا هـ . أقول : مفاده أن رؤية الثوب بحيث يصف حجم العضو ممنوعة ولو كثيفا لا ترى البشرة منه ، قال في المغرب يقال مسست الحبلى ، فوجدت حجم الصبي في بطنها وأحجم الثدي على نحر الجارية إذا نهز ، وحقيقته صار له حجم أي نتو وارتفاع ومنه قوله حتى يتبين حجم عظامها ا هـ وعلى هذا لا يحل النظر إلى عورة غيره فوق ثوب ملتزق بها يصف حجمها فيحمل ما مر على ما إذا لم يصف حجمها فليتأمل ( قوله فالركبة عورة ) لرواية الدارقطني { ما تحت السرة إلى الركبة عورة } والركبة كما في الهداية هي ملتقى عظمي الساق والفخذ ، وفي البرجندي : ما تحت السرة هو ما تحت الخط الذي يمر بالسرة ، ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن موقعه في جميع جوانبه على السواء ا هـ وفي الهداية : السرة ليست بعورة خلافا لأبي عصمة والشافعي والركبة عورة خلافا للشافعي ، والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر ، وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لابن الفضل معتمدا فيه العادة لأنه لا معتبر بالعادة مع النص بخلافها وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ وفي الفخذ أخف منه في السوأة حتى أن كاشف الركبة ينكر عليه برفق ، وكاشف الفخذ يعنف عليه وكاشف السوأة يؤدب عليه إن لج ا هـ ملخصا




الخدمات العلمية