الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخلاف في اليمين مع الشاهد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الناس خلافا أسرف فيه على نفسه فقال لو حكمتم بما لا نراه حقا من رأيكم لم نرده وإن حكمتم باليمين مع الشاهد رددناها فقلت لبعضهم رددت الذي يلزمك أن تقول به ولا يحل لأحد من أهل العلم عندنا خلافه ; لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجزت آراءنا التي لو رددتها كانت أخف عليك في المأثم .

قال إنها خلاف كتاب الله ونحن نردها بأشياء ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقد جهدت أن أتقصى ما كلموني به في رد اليمين مع الشاهد فكان مما كلمني به بعض من ردها أن قال

[ ص: 8 ] لم تروها إلا من حديث مرسل قلنا : لم نثبتها بحديث مرسل وإنما أثبتناها بحديث ابن عباس وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن فيها غيره مع أن معه غيره ممن يشده ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال منهم قائل فكيف قلتم يقضى بها في الأموال دون غيرها فجعلتموها تامة في شيء ناقصة في غيره ؟ فقلت له لما قال عمرو بن دينار وهو حملها قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأموال كان هذا موصولا في خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال جعفر في الحديث في الدين والدين مال وقاله من لقيت من حملتها ، والحكام بها قلنا إذا قيل : بها في الأموال دل ذلك والله تعالى أعلم على أنه لا يقضى بها في غير ما قضي بها فيه ; لأن الشاهدين أصل في الحقوق فهما ثابتان ، واليمين مع الشاهد أصل فيما يحكم بها فيه وفيما كان في معناه فإن كان شيء يخرج من معناه كان على الأصل الأول وهو الشاهدان قال فالعبد ؟ قلت : له فإذا أقام رجل شاهدا على عبد أنه له حلف مع شاهده واستحق العبد ، قال فإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه ؟ قلت فلا يعتق .

قال فما الفرق بين العبد يقيم رجل عليه شاهدا ويحلف ويأخذه وبين العبد يقيم شاهدا أن سيده أعتقه ؟ قلت الفرق البين ، قال وما هو ؟ قلت أرأيت إن { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في الأموال } أما في هذا بيان أن المال المقضي به للمقيم شاهدا الحالف هو ما ليس بالمقضي له ولا بالمقضي عليه وإنما هو مال أخرجه من يدي المقضي عليه إلى يدي المقضي له به فملكه إياه كما كان المقضي عليه له مالكا ؟ قال بلى قلت : وهكذا العبد الذي سألت عنه أخرجه من يدي مالكه المقضي عليه إلى مالك مقضي له قال نعم : قلت أفليس تجد معنى العبد إذا أقام شاهدا أن سيده أعتقه غير معنى المال الذي يتنازع فيه المشهود له ، والمشهود عليه ; لأنه إنما ينازع في نفسه ؟ قال إنه ليخالفه في هذا الموضع قلت : ويخالفه أنه لا يخرجه من يدي مالكه إلى ملك نفسه فيكون يملك من نفسه ما كان سيده يملكه كما كان المقضي عليه يملك المال ، ثم أخرج من يده فملكه المقضي له قال أجل قلت : فكيف أقضي باليمين مع الشاهد في شيء معناه غير معنى ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فإنك تعتقه بالشاهدين ؟ قلت : أجل وأقتل بالشاهدين ; لأنهما حكم مطلق ، واليمين مع الشاهد حكم خاص ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلت له رأيتك عبت أن تكون الشهادة تامة في بعض الأشياء دون بعض أفرأيت الشاهدين أليسا تامين في كل شيء ناقصين في الزنا ؟ قال بلى .

قلت أفرأيت الشاهد والامرأتين أليسا تامين في الأموال ناقصين في الحدود وغيرها ؟ قال : بلى قلت أرأيت شهادة النساء في الاستهلال والرضاع وعيوب النساء أليست تامة حتى يلحق بها النسب وفيه عظيم من الأموال وأن يكون لمن شهدت له امرأة عندك أن فلانة ولدته ، والمشهود عليه ينكر أن يلحق به نسبه فيعفو دمه ويرى بناته ويرث ماله ؟ قال : بلى قلت أريت أهل الذمة أليست تتم شهادتهم عندك فيما بينهم على كل شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية