الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 396 - 398 ] باب نكاح أهل الشرك ( وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه ) وهذا عند أبي حنيفة . وقال زفر رحمه الله : النكاح فاسد في الوجهين إلا أنه لا يتعرض له قبل الإسلام والمرافعة إلى الحكام . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللهفي الوجه الأول كما قال أبو حنيفة رحمه الله ، وفي الوجه الثاني كما قال زفر رحمه الله : له إن الخطابات عامة على ما مر من قبل فتلزمهم وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا ، فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق . ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا ملتزمين لها ، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات . ولأبي حنيفة رحمه الله أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع ; لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج ; لأنه لا يعتقده ، [ ص: 399 ] بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم ; لأنه يعتقده . وإذا صح النكاح فحالة المرافعة والإسلام حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها ، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب نكاح أهل الشرك قوله : وإذا تزوج الكافر بغير شهود ، أو في عدة كافر ، وذلك في دينهم جائز ، ثم أسلما أقرا عليه ; قلت : في صحة أنكحة الكفار أحاديث ، قال البيهقي في " المعرفة " : استدل الشافعي على صحة أنكحة المشركين بحديث اليهوديين اللذين رجمهما النبي صلى الله عليه وسلم على الزنا ، قال : لأن النكاح لو لم يحلها له لما جرى الإحصان عليهما انتهى .

                                                                                                        وحديث اليهوديين صحيح ثابت ، أخرجه البخاري ، ومسلم من حديث ابن عمر ، [ ص: 399 ] وسيأتي في " الحدود " .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص بالنكاح الأول . لم يحدث شيئا }انتهى .

                                                                                                        وفي حديث الترمذي : بعد ست سنين ، وفي حديث ابن ماجه : بعد سنتين ، وروايتان عند أبي داود ، قال الترمذي : لا بأس بإسناده ، وسمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه السلام ردها له بنكاح جديد ، ولكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس ، ولعله جاء من داود بن حصين من قبل حفظه ، انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط مسلم انتهى .

                                                                                                        وحديث عمرو بن شعيب المذكور أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد } ، زاد الترمذي : ومهر جديد ، قال الترمذي : في إسناده مقال انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وسكت عنه ، ولفظه : قال : { أسلمت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قبل زوجها أبي العاص بسنة ، ثم أسلم أبو العاص فردها له النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد }انتهى . قال الخطابي : إن صح حديث ابن عباس فيحتمل أن تكون عدتها تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة ، وحديث عمرو بن شعيب ضعيف بالحجاج بن أرطاة ، فإنه معروف بالتدليس ; وحكي عن يحيى بن سعيد أنه قال : لم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب ; وقال عبد الحق في " أحكامه " : حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق ، ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه ، ثم نقل عن ابن عبد البر أنه قال : هو حديث منسوخ عند الجميع ، قال : لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد [ ص: 400 ] خروجها من عدتها ، وأما حجاج بن أرطاة فلا يحتج بحديثه ، انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : لو صح الحديثان لقلنا بحديث عمرو بن شعيب ; لأن فيه زيادة ، ولكن لم يثبته الحفاظ ، فتركناه ، وأخذنا بحديث ابن عباس ، قال : وادعى بعض من يسوي الأخبار على مذهبه نسخ حديث ابن عباس بحديث عمرو بن شعيب ، وروي في ذلك عن الزهري ، وقتادة { أن أبا العاص أخذ أسيرا يوم بدر فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ابنته ، وكان قبل نزول الفرائض } ، قال : وهذا منقطع لا يقوم به حجة ، والمعروف عند أهل المغازي أنه [ ص: 401 ] لم يسلم يوم بدر ، وإنما أسلم بعدما أخذت سرية زيد بن حارثة ما معه ، فأتى المدينة ، فأجارته زينب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها ، ثم دخل عليها ، فقال لها : أي بنية ، أكرمي مثواه ولا يدن إليك ، فإنك لا تحلين له ; وكان هذا بعد نزول آية الامتحان في الهدنة ، ثم إنه رجع ، بما كان عنده من بضائع أهل مكة إلى مكة ، ثم أسلم وخرج إلى المدينة ، وإنما الذي في قصة بدر أنه عليه السلام لما أسره يوم بدر أطلقه ، وشرط عليه أن يرد إليه ابنته ، وكانت بمكة ، هذا هو المعروف عند أهل المغازي ، فإن قال : إن في حديث ابن عباس ردها عليه بعد ست سنين ، وفي رواية سنتين ، والعدة لا تبقى في الغالب هذه المدة ; قلنا : [ ص: 402 ] النكاح كان باقيا إلى وقت نزول الآية ، وذلك بعد صلح الحديبية ، وهي آية الممتحنة ، فلم يؤثر فيها إسلامها ، وبقاؤه على الكفر ، فلما نزلت الآية توقف نكاحها والله أعلم على انقضاء العدة ، ثم كان إسلام أبي العاص بعد ذلك بزمان يسير ، بحيث يمكن عدتها لم تنقض في الغالب ، فيشبه أن يكون الرد بالنكاح الأول كان لأجل ذلك ، والله أعلم ; قال : وحكي عن بعض أكابرهم في الجمع بين الحديثين بأن عبد الله بن عمرو علم بتحريم الله تعالى رجوع المؤمنات إلى الكفار ، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد ، فقال : ردها عليه بنكاح جديد ، ولم يعلم ابن عباس بتحريم المؤمنات على الكفار حين علم برد زينب على أبي العاص ، فقال : ردها بالنكاح الأول ; لأنه لم يكن عنده بينهما [ ص: 403 ] فسخ نكاح ، قال : وهذا فيه سوء ظن بالصحابة ، ورواة الأخبار حيث نسبهم إلى رواية الحديث من غير سماعهم له ، بل بما عندهم من العلم معاذ الله انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الشافعي ، ومن طريقه البيهقي : حدثنا يوسف بن خالد السمتي عن يحيى بن أبي أنيسة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقتين ، وفي الإسلام تطليقة ، فألزمه الطلاق }انتهى . قال البيهقي : ويوسف متروك ، ويحيى ضعيف انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس عن الزهري { أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل ، فأسلمت يوم الفتح بمكة ، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل حتى قدم اليمن ، فرحلت إليه امرأته باليمن ، ودعته إلى الإسلام ، فأسلم ، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بايعه ، فثبتا على نكاحهما ذلك ، }انتهى .

                                                                                                        وروي بهذا الإسناد { أن صفوان بن أمية أسلمت امرأته ابنة الوليد بن المغيرة زمن الفتح ، فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، واستقرت عنده حتى أسلم صفوان ، وكان بين إسلامهما نحو من شهر } ، مختصر .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي في سننه " ، والطبراني في " معجمه " عن هشيم حدثني المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال : قال صلى الله عليه وسلم : " { ما ولدني شيء من سفاح الجاهلية ، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام }" انتهى .

                                                                                                        وروى ابن الجوزي في " التحقيق " من طريق الواقدي حدثني محمد بن أخي الزهري عن عمه عن عروة عن عائشة مرفوعا : { خرجت من نكاح غير سفاح }قال في " التنقيح " : الواقدي متكلم فيه ، وفي الأول المديني ، وهو إن كان والد علي فهو ضعيف . وكذا إن كان إبراهيم بن أبي يحيى ، وقال الطبراني : هو عندي فليح بن سليمان ، وأبو الحويرث اسمه : عبد الرحمن بن معاوية ، وهو متكلم فيه انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية