الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( والثاني ) وجود الإقامة بطريق التبعية : وهو أن يصير الأصل مقيما فيصير التبع أيضا مقيما بإقامة الأصل ، كالعبد يصير مقيما بإقامة مولاه ، والمرأة بإقامة زوجها ، والجيش بإقامة الأمير ونحو ذلك ; لأن الحكم في التبع ثبت بعلة الأصل ولا تراعى له علة على حدة لما فيه من جعل التبع أصلا وأنه قلب الحقيقة ( وأما ) الغريم مع صاحب الدين : فهو على التفصيل الذي ذكرنا في السفر أنه إن كان المديون مليا فالمعتبر نيته ولا يصير تبعا لصاحب الدين ; لأنه يمكنه تخليص نفسه بقضاء الدين ، وإن كان مفلسا فالمعتبر نية صاحب الدين ; لأن له حق ملازمته فلا يمكنه أن يفارق صاحب الدين ، فكانت نيته لغوا لعدم الفائدة ، ثم في هذه الفصول إنما يصير التبع مقيما بإقامة الأصل وتنقلب صلاته أربعا إذا علم التبع بنية إقامة الأصل ، فأما إذا لم يعلم فلا ، حتى لو صلى التبع صلاة المسافرين قبل العلم بنية إقامة الأصل فإن صلاته جائزة ، ولا يجب عليه إعادتها .

                                                                                                                                وقال بعض أصحابنا : إن عليه الإعادة وإنه غير سديد ; لأن في اللزوم بدون العلم به ضررا في حقه وحرجا ، ولهذا لم يصح عزل الوكيل بدون العلم به كذا هذا ، وعلى هذا يبنى أيضا اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت أنه يصح ، وينقلب فرضه أربعا عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال بعض الناس لا ينقلب وقال مالك : إن أدرك مع الإمام ركعة فصاعدا ينقلب فرضه أربعا وإن أدرك ما دون الركعة لا ينقلب بأن اقتدى به في السجدة الأخيرة أو بعد ما رفع رأسه منها ، والصحيح : قول العامة ; لأنه لما اقتدى به صار تبعا له ; لأن متابعته واجبة عليه .

                                                                                                                                قال صلى الله عليه وسلم { : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه } والأداء " أعني الصلاة في الوقت " مما يحتمل التغيير إلى الكمال إذا وجد دليل التغيير ، ألا ترى أنه تتغير نية الإقامة في الوقت ؟ وقد وجد ههنا دليل التغيير " وهو التبعية " ، فيتغير فرضه أربعا فصار صلاة المقتدي مثل صلاة الإمام فصح اقتداؤه به بخلاف ما إذا اقتدى به خارج الوقت حيث لا يصح ; لأن الصلاة خارج الوقت من باب القضاء وأنه خلف عن الأداء ، والأداء لم يتغير لعدم دليل التغيير فلا يتغير القضاء ، ألا ترى أنه لا يتغير بنية الإقامة بعد خروج الوقت وإذا لم يتغير فرضه بالاقتداء بقيت صلاته ركعتين ، والقعدة فرض في حقه نفل في حق الإمام فلو صح الاقتداء كان هذا اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة ، وكما لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل في جميع الصلاة لا يجوز في ركن منها ، وما ذكره مالك غير سديد ; لأن الصلاة مما لا يتجزأ فوجود المغير في جزئها كوجوده في كلها ، ولو أن مقيما صلى ركعتين بقراءة فلما قام إلى الثالثة جاء مسافر واقتدى به بعد خروج الوقت لا يصح لما بينا أن فرض المسافر تقرر ركعتين بخروج الوقت ، والقراءة فرض عليه في الركعتين نفل في حق المقيم في الأخيرتين فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة فإن صلاهما بغير قراءة والمسألة بحالها ففيه روايتان ( وأما )اقتداء المقيم بالمسافر فيصح في الوقت وخارج الوقت ; لأن صلاة المسافر في الحالتين واحدة ، والقعدة فرض في حقه نفل في حق المقتدي ، واقتداء المتنفل بالمفترض جائز في كل صلاة فكذا في بعضها فهو الفرق ، ثم إذا سلم الإمام على رأس الركعتين لا يسلم المقيم ; لأنه قد بقي عليه شرط الصلاة فلو سلم لفسدت صلاته ، ولكنه يقوم ويتمها أربعا لقوله صلى الله عليه وسلم أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر وينبغي للإمام المسافر إذا سلم أن يقول للمقيمين [ ص: 102 ] خلفه " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا قراءة على المقتدي في بقية صلاته إذا كان مدركا أي : لا يجب عليه ; لأنه شفع أخير في حقه ، ومن مشايخنا من قال : ذكر في الأصل ما يدل على وجوب القراءة فإنه قال : إذا سها يلزمه سجود السهو .

                                                                                                                                والاستدلال به إلى العكس أولى ; لأنه ألحقه بالمنفرد في حق السهو فكذا في حق القراءة ، ولا قراءة على المنفرد في الشفع الأخير ، ثم المقيمون بعد تسليم الإمام يصلون وحدانا ، ولو اقتدى بعضهم ببعض فصلاة الإمام منهم تامة وصلاة المقتدين فاسدة ; لأنهم اقتدوا في موضع يجب عليهم الانفراد ، ولو قام المقيم إلى إتمام صلاته ثم نوى الإمام الإقامة قبل التسليم ينظر إن لم يقيد هذا المقيم ركعته بالسجدة رفض ذلك وتابع إمامه حتى لو لم يرفض وسجد فسدت صلاته ; لأن صلاته صارت أربعا تبعا لإمامه ; لأنه ما لم يقيد الركعة بالسجدة لا يخرج عن صلاة الإمام ولا يعتد بذلك القيام والركوع ; لأنه وجد على وجه النفل فلا ينوب عن الفرض ، ولو قيد ركعته بالسجدة ثم نوى الإمام الإقامة أتم صلاته ولا يتابع الإمام حتى لو رفض ذلك وتابع الإمام فسدت صلاته ; لأنه اقتدى في موضع يجب عليه الانفراد - والله أعلم - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية