الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما ناجيان وليسا في النار ، صرح بذلك جمع من العلماء ، ولهم في تقرير ذلك مسالك : المسلك الأول : أنهما ماتا قبل البعثة ، ولا تعذيب قبلها ؛ لقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقد أطبقت أئمتنا الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا ، وأنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام ، وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة ، نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وسائر الأصحاب ، بل زاد بعض الأصحاب وقال : إنه يجب في قتله القصاص ، ولكن الصحيح خلافه ؛ لأنه ليس بمسلم حقيقي ، وشرط القصاص المكافأة ، وقد علل بعض الفقهاء كونه إذا مات لا يعذب بأنه على أصل الفطرة ، ولم يقع منه عناد ، ولا جاءه رسول فكذبه ، وهذا المسلك أول ما سمعته [ ص: 245 ] في هذا المقام الذي نحن فيه من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي ، فإنه سئل عن والد النبي صلى الله عليه وسلم هل هو في النار ؟ فزأر في السائل زأرة شديدة ، فقال له السائل : هل ثبت إسلامه ؟ فقال : إنه مات في الفترة ، ولا تعذيب قبل البعثة . ونقله سبط ابن الجوزي في كتاب " مرآة الزمان " عن جماعة ، فإنه حكى كلام جده على حديث إحياء أمه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ما نصه : وقال قوم : قد قال الله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والدعوة لم تبلغ أباه وأمه ، فما ذنبهما ، وجزم به الآبي في " شرح مسلم " ، وسأذكر عبارته ، وقد ورد في أهل الفترة أحاديث ، أنهم يمتحنون يوم القيامة ، وآيات مشيرة إلى عدم تعذيبهم ، وإلى ذلك مال حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر في بعض كتبه ، فقال : والظن بآله صلى الله عليه وسلم - يعني الذين ماتوا قبل البعثة - أنهم يطيعون عند الامتحان إكراما له صلى الله عليه وسلم ؛ لتقر بهم عينه ، ثم رأيته قال في " الإصابة " : ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ، ومن ولد أكمه أعمى أصم ، ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ، ونحو ذلك ، أن كلا منهم يدلي بحجة ويقول : لو عقلت أو ذكرت لآمنت ، فترفع لهم نار ويقال : ادخلوها ، فمن دخلها كانت له بردا وسلاما ، ومن امتنع أدخلها كرها ، هذا معنى ما ورد من ذلك ، قال : وقد جمعت طرقه في جزء مفرد قال : ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو ، إلا أبا طالب ؛ فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن ، وثبت أنه في ضحضاح من نار ، وقد جعلت قصة الامتحان داخلة في هذا المسلك ، مع أن الظاهر أنها مسلك مستقل ، لكني وجدت ذلك لمعنى دقيق لا يخفى على ذوي التحقيق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية