الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( الحمد ) الذي هو لغة الوصف بالجميل [ ص: 12 ] وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لإنعامه وهذا هو الشكر لغة ، وأما اصطلاحا فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله فهو أخص مطلقا من الثلاثة - قبله أي ماهيته إن جعلت أل للجنس وهو الأصل أو جميع أفراده إن جعلت للاستغراق وهو أبلغ [ ص: 13 ] مملوك أو مستحق ( لله ) أي لذاته وإن انتقم فلا مرد منه لغيره تعالى بالحقيقة والجملة خبرية لفظا إنشائية معنى إذ القصد بها الثناء على الله تعالى بمضمونها المذكور من اتصافه تعالى بصفات ذاته وأفعاله الجميلة وملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق .

                                                                                                                              قيل ويرادفه المدح ، ورجح واعترض وقيل بينهما فرق وفي تحقيقه أقوال وجمع بين الابتداءين الحقيقي بالبسملة والإضافي بالحمدلة [ ص: 14 ] اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بالخبر الصحيح { كل أمر ذي بال } أي حال يهتم به أي وليس بمحرم ولا مكروه وقد يخرجان بذي البال ؛ لأن الظاهر أن المراد ذووه شرعا لا عرفا ولا ذكر محض ولا جعل الشارع له ابتداء بغير البسملة كالصلاة بالتكبير لا يبدأ فيه بالحمد لله .

                                                                                                                              وفي رواية { بحمد الله فهو أجذم } بجيم فمعجمة وفي رواية { أقطع } وفي أخرى { أبتر } أي قليل البركة ، وقيل مقطوعها وفي رواية { ببسم الله الرحمن الرحيم } وفي أخرى { بذكر الله } وهي مبنية للمراد وعدم التعارض بفرض إرادة الابتداء الحقيقي فيهما وفي أخرى سندها ضعيف { لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أبتر ممحوق من كل بركة } ثم لما كان عادة البلغاء تحسين ما يكسب الكلام رونقا وطلاوة لا سيما الابتداء ثنى بما فيه براعة الاستهلال [ ص: 15 ] إشارة إلى أن تيسير هذا الكتاب الذي له هو نعمة أي نعمة إنما هو من محض بر الله وتوفيقه له وجوده عليه ولطفه به .

                                                                                                                              فقال ( البر ) أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان كبر في يمينه أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ، ويلزمه الإحسان للغير وأبر الله حجه أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة ، وأبر فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف أو العالي في صفاته أو خالق البر أو الصادق فيما وعد أولياءه بعيد إلا أن يراد بعض ماصدقات أو غايات ذلك البر ( الجواد ) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء واعترض بأنه ليس فيه توقيف أي وأسماؤه تعالى توقيفية على الأصح فلا يجوز اختراع اسم أو صفة له تعالى إلا بقرآن أو خبر صحيح وإن لم يتواتر كما صححه المصنف في الجميل بل صوبه خلافا لجمع لأن هذا من العمليات التي يكفي فيها الظن لا الاعتقاديات مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب أي وبشرط أن لا يكون ذكره لمقابلة كما هو ظاهر نحو { أم نحن الزارعون } { والله خير الماكرين } .

                                                                                                                              وقول الحليمي يستحب لمن ألقى بذرا في أرض أن يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ إنما يأتي في الثلاثة على المرجوح أنه لا يشترط فيما صح معناه توقيف فإن قلت الجميل ذكر للمقابلة [ ص: 16 ] أيضا إذ لفظ الحديث { إن الله جميل يحب الجمال } فجعل المصنف له من التوقيفي يلغي اعتبار قيد المقابلة .

                                                                                                                              قلت المقابلة إنما يصار إليها عند استحالة المعنى الموضوع له اللفظ في حقه تعالى وليس الجمال كذلك لأنه بمعنى إبداع الشيء على آنق وجه وأحسنه وسيأتي في الردة زيادة على ذلك ، وأجيب عنه بأن فيه مرسلا اعتضد بمسند بل روى أحمد والترمذي وابن ماجه حديثا طويلا فيه { ذلك بأني جواد ماجد } ولا فرق بين المنكر والمعرف لأن تعريف المنكر لا يغير معناه كما يأتي في الله الأكبر وبالإجماع النطقي المستلزم لتلقي ذلك المرسل بالقبول ولإشعار العاطف بالتغاير الحقيقي أو المنزل منزلته حذف هنا كقوله تعالى { الملك القدوس } { مسلمات مؤمنات } { التائبون العابدون } الآيات وأتي به في نحو { هو الأول والآخر } { ثيبات وأبكارا } { الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر }

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله ) في حواشي شرح المطالع للدواني كلام طويل في هذا المقام من جملته قوله بل الأولى في الجواب أن يقال لا نسلم أن من صرف الجميع فيما خلق لأجله في وقت من الأوقات دون وقت آخر ليس شاكرا في ذلك الوقت الذي تحقق فيه صرف الجميع بل هو شاكر في ذلك الوقت ، وإن لم يكن شاكرا في وقت آخر فإن عموم الأوقات لا يعتبر في التعريف إلخ انتهى ( قوله أي ماهيته ) راجع للمتن ( قوله وهو أبلغ ) فيه بحث لأن الجنس يستلزم الاستغراق وفي الحمل عليه سلوك طريق البرهان كما قرره السيد في توجيه ترجيح صاحب الكشاف الحمل على الجنس .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 13 ] بصفات ذاته وأفعاله الجميلة ) وجه إدخال هذا في مضمون الجملة أن مضمونها يستلزمه لأن إثبات الثناء بالجميل له يستلزم إثبات الجميل له فليتأمل ( قوله وملكه ) عطف على اتصافه أو صفات ذاته [ ص: 14 ] قوله اقتداء بالكتاب العزيز ) توهم بعضهم أن التعليل بذلك إنما يأتي على القول بأن البسملة من القرآن وليس كذلك لابتداء القرآن بها ، وإن قلنا ليست منه ( قوله ولا ذكر محض ) أشار بالتضبيب إلى أنه معطوف [ ص: 15 ] على محرم ( قوله إشارة إلخ ) أشار بالتضبيب إلى رجوعه لقوله ثنى على كونه مفعولا لأجله مثلا ( قوله لأنها ترجع إلخ ) فيه بحث لأن رجوعها إليه لا يقتضي أنها المدلول لجواز أنها المدلول من حيث خصوصها بل ظاهر الكلام ذلك فتأمله ( قوله بعيد ) فيه بحث أشرنا إليه ( قوله مصرح به ) نعت قرآن أو خبر ( قوله لا بأصله ) [ ص: 16 ] أشار في باب الردة إلى خلاف في الاكتفاء بالأصل ( قوله قلت المقابلة إلخ ) قد يمنع وجود المقابلة ويدعى أنها إنما تكون عند نسبة ذلك المعنى للغير ( قوله وأجيب عنه ) أشار بالتضبيب إلى أن الضمير في عنه راجع لقوله واعترض أي للاعتراض المفهوم من اعترض ( قوله والمستلزم إلخ ) فيه نظر ( قوله ولإشعار العاطف ) بوجه ترك العاطف أيضا بأن في تركه يكون كل وصف منسوبا استقلالا لا على وجه التبعية ، وذلك أبلغ فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله بالتغاير الحقيقي ) لقائل أن يقول إن أريد التغاير الحقيقي ولو باعتبار المفهوم فهو ثابت في الملك القدوس وإن أريد باعتبار الذات فهو منفي في الأول والآخر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لغة ) منصوب على الحال أي حال كونه مندرجا في الألفاظ العربية أو على التمييز أو على نزع الخافض وهذا الأخير أولى من جهة المعنى وهو وإن كان سماعيا ملحق بالقياسي لكثرته في كلامهم بجيرمي ، وقوله أو على التمييز فيه نظر راجع علم النحو ( قوله بالجميل ) إن كانت الباء للتعدية كان بيانا للمحمود به ولا يشترط كونه اختياريا ، وإن كانت للسببية أو بمعنى على كان بيانا للمحمود عليه ، ويشترط كونه اختياريا ولو حكما أي بأن لا يكون بطريق القهر فيشمل ذاته تعالى وصفاته ، أو بأن كان منشأ لأفعال اختيارية كذاته تعالى وصفات التأثير كالقدرة أو ملازما للمنشأ كبقية الصفات ولا فرق بين أن يكون ذلك الجميل المحمود عليه من الفضائل وهي المزايا القاصرة التي لا يتوقف الاتصاف بها على تعدي أثرها للغير كالعلم والقدرة أو من الفواضل وهي المزايا التي يتوقف الاتصاف بها على تعدي أثرها للغير كالإنعام والشجاعة ، ثم المراد الجميل عند الحامد أو المحمود وإن لم يكن جميلا في الشرع فيشمل الثناء على القتل ، ويشترط كون ذلك الوصف على جهة التعظيم ولو ظاهرا بأن لا يصدر عن الحامد ما يخالفه كما نبه عليه الحلبي ووافقه البجيرمي وشيخنا واشترط المغني [ ص: 12 ] موافقة الباطن للظاهر وهو ظاهر كلام النهاية ( قوله وعرفا فعل إلخ ) أي سواء كان ذكرا باللسان أو اعتقادا ومحبة بالجنان أو عملا وخدمة بالأركان فمورد اللغوي هو اللسان وحده ومتعلقه يعم النعمة وغيرها ومورد العرفي يعم اللسان وغيره ومتعلقه النعمة وحدها فاللغوي أعم باعتبار المتعلق وأخص باعتبار المورد والعرفي بالعكس نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله لإنعامه ) أي على الحامد أو غيره مغني سواء كان للغير خصوصية بالحامد كولده وصديقه أو لا ولو كافرا ع ش ( قوله وهذا هو الشكر لغة ) وفاقا للمغني ، وقال النهاية والشكر لغة فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما على الشاكر ا هـ ويأتي عن النتائج وتحفة الرشيدي مثله بل هو ما جرى عليه الأكثر ( قوله صرف العبد إلخ ) أي أن يستعمل العبد أعضاءه ومعانيه فيما طلب الشارع استعمالها فيه من صلاة وصوم وسماع نحو علم وهكذا سواء كان ذلك في وقت واحد أو في أوقات متفرقة قليوبي قال سم إذا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه في آن واحد سمي شكورا قال الله تعالى { وقليل من عبادي الشكور } وإذا صرفها في أوقات مختلفة سمي شاكرا قال شيخنا ع ش ويمكن تصوير صرفها كلها في آن واحد بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعاته عز وجل ناظرا بين يديه لئلا يزل بالميت ماشيا برجله إلى القبر شاغلا لسانه بالذكر وأذنه باستماع ما فيه ثواب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إطفيحي ا هـ .

                                                                                                                              بجيرمي ( قوله فهو أخص إلخ ) يعني أن الشكر العرفي أخص مطلقا من الحمدين والشكر اللغوي أي وبين الشكر اللغوي والحمد العرفي ترادف وبين الحمد والشكر اللغويين العموم والخصوص الوجهي يجتمعان في ثناء بلسان في مقابلة إحسان ، وينفرد الحمد اللغوي في ثناء بلسان لا في مقابلة إحسان ، وينفرد الشكر اللغوي في ثناء بغير لسان في مقابلة إحسان بجيرمي عبارة تحفة الرشيدي والنتائج الحمد له معنى لغوي وهو الوصف بالجميل تعظيما على الجميل الاختياري مطلقا وعرفي وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم قصدا لإنعامه مطلقا ، وللشكر أيضا معنى لغوي وهو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم قصدا لإنعامه على الشاكر وعرفي وهو صرف العبد إلخ والمدح هو الوصف بالجميل تعظيما على الجميل مطلقا أي اختياريا أو لا ، والثناء فعل يشعر بالتعظيم فهو أعم مطلقا من الكل ؛ لأنه يكون باللسان وغيره وبمقابلة الإنعام وغيره اختياريا وغيره والحمد اللغوي أخص مطلقا من المدح ومن وجه من الحمد العرفي والشكر اللغوي ومباين للشكر العرفي بحسب الحمل إذ الوصف المذكور جزء من الصرف المذكور والجزء مباين للكل وأعم مطلقا منه بحسب الوجود ، والحمد العرفي أعم مطلقا من الشكر اللغوي والعرفي ومن وجه من المدح والشكر العرفي مباين للمدح بحسب الحمل على ما مر وجهه في الحمد اللغوي ، وأخص منه مطلقا بحسب الوجود ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي ماهيته ) راجع للمتن سم ( قوله وهو الأصل ) فإن حرف التعريف موضوع للإشارة إلى معهود أو إلى نفس الحقيقة فهو مشترك لفظي بينهما ، وأما الاستغراق والعهد الذهني فمن متفرعات الثاني فالمعرف فاللام الجنس لا يطلق على الفرد الذهني أو جميع الأفراد إلا بقرينة ، وهذا ما ذهب إليه السكاكي ومن تبعه أو موضوع للإشارة إلى نفس الحقيقة فقط ، وأما الاستغراق والعهدان فمن متفرعاتها فإطلاقه على كل من هذه الثلاثة إنما هو بالقرينة فهو مشترك معنوي على هذا وهو مختار المحققين وهنا قولان آخران :

                                                                                                                              أحدهما : أنه يشترك لفظا بين الجنس والعهد الخارجي والاستغراق والعهد الذهني متفرع على الجنس ، والثاني : أنه يشترك لفظا بين الأربعة ( قوله وهو أبلغ ) اختاره العلامة البركوي أيضا فقال لظهوره في أداء المرام ، ولأن معنى الاستغراق يدل على وجود المحامد وحصولها له تعالى بخلاف معنى [ ص: 13 ] الجنس إذ لا وجود له في الخارج فيكون في الإفادة أوفى وبمقام الثناء أحرى ا هـ ورجح المغني والنهاية معنى الجنس عبارتهما ، والحمد مختص بالله تعالى كما أفادته الجملة سواء أجعلت فيه أل للاستغراق كما عليه الجمهور وهو ظاهر أم للجنس كما عليه الزمخشري ؛ لأن لام لله للاختصاص فلا فرد منه لغيره تعالى وإلا فلا اختصاص لتحقق الجنس في الفرد الثابت لغيره أم للعهد كالتي في قوله تعالى { إذ هما في الغار } كما نقله ابن عبد السلام وأجازه الواحدي على معنى أن الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به أنبياؤه وأولياؤه مختص به تعالى والعبرة بحمد من ذكر فلا مرد منه لغيره وأولى الثلاثة الجنس ا هـ .

                                                                                                                              زاد الثاني والحمد لله ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية فمن قالها عن صفاء قلبه استحق ثمانية أبواب الجنة ا هـ أي استحق أن يدخل من أيها شاء ، فيخير إكراما وإنما يختار ما سبق في علم الله أنه يدخل منه ع ش وقولهما للاختصاص أي لتوكيده ، وإلا فالاختصاص مستفاد من الجملة بواسطة تعريف المبتدأ فيها كما في التوكل على الله والكرم في العرب ع ش وبجيرمي وقولهما والعبرة بحمد من ذكر أما حمد غيرهم فكالعدم فإذا صدر منهم حمد لغيره تعالى لا يفوت اختصاص الحمد به تعالى ع ش وقولهما وأولى الثلاثة الجنس أي ؛ لأنه يدل بالالتزام على ثبوت جميع المحامد له تعالى فهو استدلال برهاني فإنه في قوة أن يدعي أن الأفراد مختصة بالله تعالى بدليل اختصاص الجنس به سم و ع ش وشيخنا ( قوله مملوك أو مستحق ) أشار به إلى أن اللام للملك أو للاستحقاق أي للاختصاص عند من يفرق بينهما بأن الاستحقاق يعتبر بين الذات والصفة نحو العزة لله والاختصاص بالذاتين نحو الجنة للمؤمنين أو وللاختصاص عند من لم يفرق بينهما ، وعمم الثاني للأول وهو اختيار ابن هشام لما فيه من تقليل الاشتراك ، واختاره العلامة البركوي في الإمعان نتائج ( قوله أي لذاته ) ولما كان استحقاقه لجميع المحامد لذاته لم يقل الحمد للخالق أو للرازق أو نحوه لئلا يوهم أن استحقاقه للحمد لذلك الوصف نهاية أي لم يقل نحو للخالق ابتداء فلا ينافيه أنه قال بعد ذلك البر الجواد إلخ .

                                                                                                                              وأشار المصنف بهذا الصنيع إلى استحقاقه تعالى للحمد لذاته أولا وبالذات ولصفاته ثانيا وبالعرض رشيدي ( قوله فلا مرد منه إلخ ) مفرع على كل من احتمالي الجنس والاستغراق كما مر التصريح بذلك عن النهاية والمغني وكذا صرح به النتائج ، ثم قال فإن قلت في أي معنى الحمد اعتبر الجنس أو الاستغراق يكون بعض أفراد الآخر خارجا عن التخصيص الذي يفيده تعريف المسند إليه باللام فلا يكون حمد المخصص على وجه أكمل ؟ قلت : فإن أردت الإكمال فعليك بعموم المجاز ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لغيره تعالى إلخ ) أي وما وقع لغير الله تعالى في الظاهر فراجع إلى الله تعالى في الحقيقة نتائج وأيضا الوقوع للغير من غير استحقاق لا ينافي استحقاق الكل لله إذ الاستحقاق لا يستلزم الوقوع كما نبه عليه عبد الحكيم ( قوله خبرية لفظا إنشائية معنى ) ويجوز أن تكون موضوعة شرعا للإنشاء نهاية ومغني وهذا قول آخر ع ش وقال شيخنا ، ويصح أن تكون خبرية لفظا ومعنى لأن الإخبار بالحمد حمد فيحصل الحمد بها وإن قصد بها الإخبار ا هـ ( قوله من اتصافه إلخ ) بيان للمضمون ( قوله بصفات ذاته إلخ ) وجه إدخال هذا في مضمون الجملة أن مضمونها يستلزمه إذ ثبات الثناء بالجميل له يستلزم إثبات الجميل له فليتأمل سم ( قوله وملكه إلخ ) عطف على اتصافه إلخ أو صفات ذاته سم ( قوله واستحقاقه إلخ ) الواو بمعنى أو أخذا من أول كلامه إلا أن يشير به هنا إلى جواز إراداتهما معا بعموم المشترك كما جوزه الشافعي ، واختاره المحققون أو بعموم المجاز على ما جرى عليه الجمهور من منع ذلك ( قوله قيل ويرادفه المدح ) وهو رأي الزمخشري حيث لم يشترط كون المحمود عليه اختياريا شيخنا ( قوله وقيل بينهما فرق ) وهو رأي الجمهور فيشترطون كون المحمود عليه اختياريا دون الممدوح عليه كمدحت اللؤلؤ لصفاته ( قوله وفي تحقيقه أقوال ) ، والراجح منها ما قدمناه عن النتائج وتحفة الرشيدي ( قوله الحسي ) كذا في أصله رحمه الله تعالى وفي بعض النسخ الحقيقي سيدي عمر والابتداء الحقيقي جعل الشيء أولا غير مسبوق بشيء آخر أصلا ، والابتداء الإضافي ويسمى العرفي أيضا جعل الشيء أولا بالإضافة [ ص: 14 ] إلى المقصود بالذات سواء سبقه شيء أم لا فهو أعم مطلقا من الحقيقي صبان و ع ش ( قوله اقتداء بالكتاب العزيز ) أي بأسلوبه وهذا علة للجمع بين البسملة والحمدلة ولتقديم الأولى على الثانية ( قوله وعملا بالخبر إلخ ) أي وإشارة إلى أنه لا تنافي بين الحديثين بحمل حديث البسملة على البدء الحقيقي وحديث الحمدلة على البدء الإضافي هذا هو المشهور في دفع التنافي بينهما وهناك أوجه أخر لدفع التنافي بينهما مذكور في المطولات شيخنا وعبر في جانب الكتاب بالاقتداء وفي جانب الحديث بالعمل إذ ليس في القرآن أمر بذلك لا تصريحا ولا ضمنا ، وإنما نزل بذلك الأسلوب فاقتدى به ، والحديث متضمن للأمر كأنه يقول ابدءوا بالبسملة في كل أمر ذي بال .

                                                                                                                              ( قوله وليس بمحرم ) أي لذاته ولا مكروه أي كذلك ولا من سفاسف الأمور أي محقراتها فتحرم على المحرم لذاته كالزنا وتكره على المكروه لذاته كالنظر للفرج بلا حاجة بخلاف المكروه لعارض كأكل البصل ولا تطلب على محقرات الأمور ككنس زبل صونا لاسمه تعالى عن اقترانه بالمحقرات وتخفيفا على العباد شيخنا ، وكذا في البجيرمي إلا أنه جعل أكل البصل من المكروه لذاته فتكره عليه ومثل للمكروه لعارض بالوضوء بالماء المشمس ، وزاد وبخلاف المحرم لا لذاته كالوضوء بماء مغصوب فتسن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقد يخرجان ) أي المحرم والمكروه ( قوله أن المراد ذووه ) فيه إضافة ذو إلى المضمر ، وأكثر النحاة على منعها عبارة الكافية وذو لا يضاف إلى مضمر وقال شراحه وقد أضيف إليه على سبيل الشذوذ كقول الشاعر

                                                                                                                              إنما يعرف ذا الفضل ذووه

                                                                                                                              ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولا ذكر محض ) أشار بالتضبيب إلى أنه معطوف على محرم سم أي بأن لم يكن ذكر أصلا أو كان ذكرا غير محض كالقرآن فتسن التسمية فيه بخلاف الذكر المحض كلا إله إلا الله شيخنا زاد البجيرمي فإن قلت ومن الأمور ذي البال البسملة فتحتاج في تحصيل البركة فيها إلى سبق مثلها ، ويتسلسل قلت هي محصلة للبركة فيها وفي غيرها كالشاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها فهي مستثناة من عموم الأمر ذي البال في الحديث ا هـ .

                                                                                                                              عبد الحق وأجاب المدابغي بتقييد الأمر ذي البال أيضا بأن لا يكون وسيلة إلى المقصود فلا يرد أن البسملة أمر ذو بال فتحتاج إلى سبق مثلها ويتسلسل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بالحمد لله ) أي بالرفع فإن التعارض بين الحديثين لا يحصل إلا بشروط خمسة رفع الحمد وتساوي الروايتين وكون رواية البسملة بباءين ، وأن يراد بالابتداء فيهما الابتداء الحقيقي وكون الباء صلة يبدأ فإن جعلت للاستعانة فلا تعارض ؛ لأن الاستعانة بشيء لا تنافي الاستعانة بآخر ، وكذا إن جعلت للملابسة بجيرمي ( قوله كالصلاة إلخ ) أي كابتدائها ( قوله وفي رواية بحمد الله ) النكتة في ذكرها إفادة عدم اشتراط لفظ الحمد لله الذي أفادت اشتراطه الرواية الأولى رشيدي ( قوله فهو أجذم إلخ ) الأجذم المقطوع إليه أو الذاهب الأنامل قاموس وهذا التركيب ونحوه يجوز أن يكون من التشبيه البليغ بحذف الأداة ووجه الشبه والأصل فهو كالأجذم في عدم حصول المقصود منه وأن يكون من الاستعارة ولا يضر الجمع بين المشبه والمشبه به لأن ذلك إنما يمتنع إذا كان على وجه ينبئ عن التشبيه لا مطلقا لتصريحهم بكون نحو قد زر أزراره على القمر استعارة على أن المشبه في هذا التركيب محذوف أي هو ناقص كالأجذم فحذف المشبه وهو الناقص وعبر عنه باسم المشبه به فصار المراد من الأجذم الناقص فليس هنا جمع بين طرفي التشبيه ، وإنما المذكور اسم المشبه به فقط ع ش .

                                                                                                                              ( قوله مبينة للمراد ) يعني أن هذه الرواية تبين أن المراد بالحمد والتسمية في روايتيهما مجرد الذكر لا واحد منهما بعينه ، وإلا يلزم التعارض بين الحديثين ؛ لأن الابتداء بأحدهما يمنع الابتداء بالآخر ، وذلك إن أريد بالابتداء فيهما الابتداء الحقيقي ، وأما إن أريد به الأعم منه ومن الإضافي فلا تعارض كما أشار إليه أولا كردي ( قوله وعدم التعارض ) عطف على المراد ( قوله بفرض إرادة الابتداء الحقيقي إلخ ) أي مع فرض وجود بقية الشروط الخمسة المتقدمة عن البجيرمي ( قوله رونقا ) أي جنسا ( قوله وطلاوة ) عطف تفسير ( قوله لا سيما الابتداء ) أي المبتدأ به ( قوله ثنى بما فيه براعة الاستهلال ) هي أن يورد مصنف أو شاعر أو خطيب في [ ص: 15 ] أول كلامه عبارة تدل على المقصود منه والمراد هنا حصول براعة الاستهلال للخطبة ؛ لأن المقصود الذي ذكره الشارح مقصود الخطبة ، وأما براعة الاستهلال للكتاب ففي قوله الآتي الموفق للتفقه في الدين لأن الكتاب في علم الفقه قال الكردي وفيه نظر ظاهر فإن ما في قول الشارح بما فيه إلخ واقعة على قول المصنف البر إلى قوله أحمده إلخ فيشمل قوله الموفق للتفقه في الدين ، وأن قول الشارح إشارة إلخ حال من فاعل ثنى بمعنى مشيرا ، وليس بيانا للمقصود بما فيه البراعة ( قوله إشارة إلخ ) أشار بالتضبيب إلى رجوعه لقوله ثنى إلخ على كونه مفعولا لأجله له مثلا سم والأولى جعله حالا من فاعل ثنى لا مفعولا لأجله له لئلا تتوارد علتان على معلول واحد فتأمل قول المتن ( البر ) بفتح الباء الموحدة معنى ( قوله أي المحسن ) أي بكثرة أخذا مما يأتي في شرح الذي جلت ( قوله كما يدل عليه ) أي على أن البر بمعنى المحسن اشتقاقه من البر أي اشتقاق البر بفتح الباء من البر بكسرها بمعنى الإحسان ( قوله بسائر مواده ) متعلق بالاشتقاق والضمير للبر بفتح الباء ( قوله : لأنها ) أي مواده الباقية يعني تفاسيرها ( قوله ترجع إلى الإحسان ) فيه بحث ؛ لأن رجوعها إليه لا يقتضي أنه المدلول لجواز أنها المدلول من حيث خصوصها بل ظاهر الكلام ذلك فتأمله سم وقد يدعي الاقتضاء بوسط أن الأصل عدم الاشتراك ( قوله : لأنه ) أي العلو على الأصحاب ( قوله فتفسيره ) أي البر بفتح الباء ( قوله أو خالق البر ) بكسر الباء الذي هو اسم جامع للخير نهاية ومغني ولذا حكي في النهاية والمغني هذه التفاسير بقيل ( قوله إلا أن يراد ) أي بالتفسير بما ذكر ولا يخفى أن هذا الاستثناء لا يظهر بالنسبة إلى العالي في صفاته ( قوله أو غايات إلخ ) عطف على ماصدقات ( قوله ذلك البر ) أي المحسن ، ويظهر أن التفسير بالعالي في صفاته من التفسير بالملزوم أو السبب ، والتفسير بغيره من التفسير بالماصدق ( قوله أي كثير الجود ) تقدم عن سم أن الجواد مما يفيد المبالغة بالمادة لا الهيئة ( قوله أي العطاء ) فسره ع ش شيخنا بالإعطاء أي ؛ لأن العطاء الشيء المعطى والقصد وصف الله تعالى بكثرة الإسداء والإعطاء فالله سبحانه وتعالى كثير البذل والإعطاء لا ينقطع إعطاؤه في وقت ويعطي القليل والكثير ، وليس القصد أنه إذا أعطى لا يعطي إلا كثير الصادق بالإعطاء مرة واحدة ؛ لأنه خلاف الواقع على أنه في نسخ أي للنهاية أي الإعطاء ، ثم لا بد من تقييد الجود بأنه إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي كما فسروه به رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله بأنه ليس فيه توقيف ) أي لم يرد إذن الشارع بإطلاق الجواد عليه تعالى ( قوله توقيفية ) أي موقوفة على إذن الشارع بإطلاقها ( قوله فلا يجوز اختراع اسم أو وصف له تعالى ) ومثله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لنا أن نسميه باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه كذا نقل عن سيرة الشامي ومراده بأبيه جده عبد المطلب لموت أبيه قبل ولادته ع ش ( قوله أو خبر صحيح ) أي أو حسن كما قاله الشهاب ابن حجر في شرح الأربعين ع ش ورشيدي ( قوله كما صححه المصنف في الجميل ) يعني صحح المصنف التوقيف في لفظ الجميل بالحديث الصحيح الغير المتواتر أي الذي يأتي قريبا ( قوله : لأن هذا إلخ ) علة لقوله وإن لم يتواتر يعني أن هذا الاختراع والإطلاق من الأحكام الفقهية العملية فيكفي في ثبوته الحديث الصحيح المفيد للظن كردي ( قوله مصرح ) نعت قرآن أو خبر سم أي وإنما أفرده لأن العطف بأو ( قوله لا بأصله ) أشار في باب الردة إلى خلاف في الاكتفاء بالأصل سم ( قوله وبشرط إلخ ) عطف على مصرح به بالنظر للمعنى إذ معناه بشرط أن يكون مصرحا به ( قوله ذكره ) أي ذكر الاسم أو الوصف ( قوله نحو أم نحن الزارعون إلخ ) من أمثلة الذكر للمقابلة ( قوله على المرجوح إلخ ) عبارة شيخنا في حاشية الجوهرة واختار جمهور أهل السنة أن أسماءه تعالى توفيقية وكذا صفاته فلا نثبت لله اسما ولا صفة إلا إذا ورد بذلك توقيف من الشارع ، وذهبت المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متصفا بمعناه ولم يوهم نقصا وإن لم يرد به توقيف من الشارع ، ومال إليه القاضي أبو بكر الباقلاني وتوقف فيه إمام الحرمين ، وفصل الغزالي فجوز إطلاق الصفة وهي ما دل [ ص: 16 ] على معنى زائد على الذات ومنع إطلاق الاسم وهو ما دل على نفس الذات ا هـ .

                                                                                                                              ومال الجلال الدواني في شرح العقائد العضدية إلى ما قاله الإمام الغزالي ( قوله أيضا ) أي كالزارع والماكر ( قوله فجعل المصنف له ) أي للجميل مبتدأ خبره قوله يلغي اعتبار إلخ ( قوله قيد المقابلة ) أي عدما ( قوله قلت المقابلة إلخ ) قد يمنع وجود المقابلة هنا ويدعي أنها إنما تكون عند نسبة ذلك المعنى للغير سم ( قوله إنما يصار إليها عند استحالة المعنى إلخ ) حاصله أنه حيث ورد إطلاق اسم عليه تعالى ولم يستحل معناه الحقيقي في حقه تعالى وجب حمله عليه وصح استعماله فيه وإن اتفق أنه حين أطلق عليه كان معه ما يقابله .

                                                                                                                              وأما إذا استحال معناه عليه توقف صحة الإطلاق عليه على مسوغ فإذا اتفق وقوع ما يقابله معه كان ذلك مسوغا لإطلاقه عليه ع ش ( قوله على آنق وجه ) بفتح الهمزة والنون بعدها قاف ( قوله وأحسنه ) عطف تفسير ( قوله وأجيب عنه ) أشار بالتضبيب إلى أن الضمير في عنه راجع لقوله واعترض إلخ أي للاعتراض المفهوم منه سم ( قوله وحديثا طويلا إلخ ) عبارة المغني حديثا مرفوعا ذكر فيه عن الرب سبحانه وتعالى أنه قال { إني جواد ماجد } ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ذلك ) يحتمل أنه فاعل قوله فيه فالإشارة إلى لفظ الجواد وقوله بأني جواد ماجد بدل منه ، ويحتمل أن المجموع هو الفاعل ولفظ ذلك من الحديث وهو الأقرب فليراجع ( قوله ولا فرق إلخ ) جواب سؤال غني عن البيان ( قوله وبالإجماع ) عطف على قوله بمسند ( قوله المستلزم إلخ ) فيه نظر سم أي لجواز أن يكون للإجماع مستند آخر ( قوله ولإشعار العاطف إلخ ) متعلق بقوله الآتي حذف منها قال سم ويوجه ترك العاطف أيضا بأن في تركه يكون كل وصف منسوبا استقلالا لا على وجه التبعية ، وذلك أبلغ فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بالتغاير الحقيقي ) لقائل أن يقول إن أريد التغاير الحقيقي ولو باعتبار المفهوم فهو ثابت في الملك القدوس وإن أريد باعتبار الذات فهو منفي في هو الأول والآخر سم وقد يجاب باختيار الأول وحمل التغاير على التنافي في التحقق في ذات واحدة في زمن واحد ووجوده في نحو هو الأول والآخر دون الملك القدوس ظاهر ( قوله وأتى به ) أي بالعاطف معطوف على قوله حذف يعني حذف في الأوصاف المتحدة في التحقق في زمن لئلا يوهم الاختلاف فيه ، وأتي به في المختلفة فيه لئلا يوهم الاتحاد فيه




                                                                                                                              الخدمات العلمية