الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فإن لم يكن ثوبه سابغا تمم ) الواجب وجوبا وغيره ندبا هذا حكم شهيد الدنيا فقط - وهو من قاتل لنحو حمية - أو والآخرة - وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا - أما شهيد الآخرة فقط كغريق ومبطون وحريق وألحق به من مات بصاعقة وميت زمن طاعون وقد يؤخذ منه أن حرمة الفرار من بلد الطاعون والدخول إليه محله إن لم يعم ذلك الإقليم لكن الأوجه ما أطلقوه كما يشهد له تعليل الأول بعدم القيام بالباقين وتجهيزهم ، والثاني بأنه ربما أصابه فيسنده لدخوله فإن قلت غايته أنه نوع من العدوى وهي إنما تقتضي الكراهة فقط قلت ممنوع بل هذا يصدق عليه عرفا أنه من الإلقاء باليد إلى التهلكة ومقتول ظلما وميت عشقا لمن يحل نكاحها بشرط العفة والكتم كما في الخبر ولا يبعد في عاشق غيرها اضطرارا أنه شهيد أيضا بل واختيارا أيضا إذا عف وكتم كمن ركب بحر المعصية لأن الجهة منفكة [ ص: 167 ] وميتة طلقا فهو كغيره غسلا وصلاة وغيرهما

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ) بقي من قاتل لرجاء الشهادة أو مجرد الثواب



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( سابغا ) أي ساترا لجميع بدنه و ( قوله : تمم ) أي وجوبا نهاية ومغني ( قوله : الواجب إلخ ) أي فيجب ثلاثة أثواب إذا كفن من ماله ولا دين عليه زيادي ( قوله : هذا ) أي الفصل في المغني إلا قوله وألحق به إلى " ومقتول " وكذا في النهاية إلا قوله بل واختيارا ( قوله : هذا إلخ ) عبارة المغني والأسنى والنهاية : الشهداء - كما قاله في المجموع - ثلاثة الأول شهيد في حكم الدنيا بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه وفي حكم الآخرة بمعنى أن له ثوابا خاصا وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا والثاني شهيد في حكم الدنيا فقط وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد غل من الغنيمة أو قتل مدبرا أو قاتل رياء أو نحوه والثالث شهيد في حكم الآخرة فقط كالمقتول ظلما من غير قتال والمبطون إذا مات بالبطن والمطعون إذا مات بالطاعون والغريق إذا مات بالغرق والغريب إذا مات بالغربة وطالب علم إذا مات على طلبه ومن مات عشقا أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك .

                                                                                                                              واستثنى بعضهم من الغريب العاصي بغربته كالآبق والناشزة ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه عدم السلامة أو استواء الأمرين أو ركبه لشرب خمر ومن الميت بالطلق الحامل بزنا والظاهر أن ما ذكر لا يمنع الشهادة ا هـ ويأتي في الشرح ما يوافقه ( قوله : وهو من قاتل لتكون كلمة الله إلخ ) بقي من قاتل لرجاء الشهادة أو مجرد الثواب سم ويظهر أنه من القسم الأول وأن المراد من قولهم لتكون كلمة الله إلخ أن لا يكون قتاله لأمر دنيوي والله أعلم .

                                                                                                                              ( قوله : ومبطون ) أي كالمستسقي وغيره خلافا لمن قيده بالأول نهاية قال الرشيدي قوله : خلافا لمن قيده بالأول يعني قيد المبطون بمن مات بمرض البطن المتعارف أي الإسهال ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وحريق إلخ ) قال في شرح التحرير والمحدود وكتب عليه العلامة الشوبري قال شيخنا ابن عبد الحق في تنقيح اللباب أو حدا وحمله بعضهم على ما إذا قتل على غير الكيفية المأذون فيها والأوجه حمله على ما إذا سلم نفسه لاستيفاء الحد منه تائبا انتهى أقول : الأقرب أنه شهيد مطلقا سواء أزيد على الحد المشروع أم لا سلم نفسه أم لا بدليل ما لو شرق بالخمر ومات أو ماتت بسبب الولادة من حمل الزنا أو نحوهما ع ش ( قوله : وميت زمن طاعون ) أي وإن لم يطعن وظاهره وإن لم يكن من نوع المطعونين بأن كان الطعن في الأطفال أو الأرقاء وهو من غيرهم ع ش عبارة شيخنا أو في زمن الطاعون ولو بغيره لكن كان صابرا محتسبا أو به وبعده ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقد يؤخذ منه ) أي من إطلاق أن الميت في زمن الطاعون شهيد بدون تقييده بعدم الفرار وعدم الدخول لكن لم يظهر لي وجه الأخذ ( قوله : لكن الأوجه ما أطلقوه إلخ ) أي فيحرم كل من الفرار والدخول عم الطاعون ذلك الإقليم أو لا ( قوله تعليل الأول ) أي حرمة الفرار و ( قوله والثاني ) أي حرمة الدخول ( قوله أنه نوع إلخ ) أي الطاعون ( قوله : إنما تقتضي الكراهة ) أي كراهة الدخول ( قوله : ومقتول إلخ ) كقوله الآتي وميتة إلخ عطف على غريق ( قوله ظلما ) أي ولو هيئة كأن استحق شخص حز رقبته فقده نصفين شيخنا وتقدم استقراب ع ش أن المقتول حدا شهيد مطلقا ( قوله : بشرط العفة ) أي حتى عن النظر بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز الشرع و ( قوله : والكتم ) أي حتى عن معشوقه شيخنا ( قوله : ولا يبعد إلخ ) اعتمده المغني والنهاية وشيخنا ( قوله : في عاشق غيرها ) أي كأمرد نهاية ومغني ( قوله : بل واختيارا إلخ ) وفاقا للمغني وخلافا لظاهر النهاية قال ع ش قال سم على المنهج والمعتمد عند شيخنا الرملي وغيره عدم الفرق بين المرد وغيرهم حيث كان الفرض العفة والكتمان بل قال الطبلاوي و ر م وإن كان السبب المؤدي إلى عشق الأمرد اختياريا حيث صار اضطراريا وعف وكتم والله أعلم ا هـ ومعنى العفة أن لا يكون في نفسه إذا اختلى به حصل بينهما فاحشة بل عزم على أنه وإن خلى به لا يقع منه ذلك والكتمان أن لا يذكر ما به لأحد ولو محبوبه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لأن الجهة منفكة ) عبارة النهاية والأوجه في ذلك أن يقال إن كان الموت معصية كأن تسببت في إلقاء الحمل [ ص: 167 ] فماتت أو ركب البحر وسير السفينة في وقت لا تسير فيه السفن فغرق لم تحصل الشهادة للعصيان بالسبب المستلزم للعصيان بالمسبب وإن لم يكن السبب معصية حصلت الشهادة وإن قارنها معصية لأنه لا تلازم بينهما ا هـ قال ع ش ومنه ما لو صاد حية وهو ليس حاذقا في صيدها ونحو البهلوان إذا لم يكن حاذقا في صنعته بخلاف الحاذق فيهما فإنه شهيد لعدم تسببه في هلاك نفسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وميتة طلقا ) أي ولو كانت حاملا من زنا نهاية ومغني وشيخنا ( قوله : فهو كغيره ) جواب " أما شهيد الآخرة إلخ " .




                                                                                                                              الخدمات العلمية