الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وتكفي نية الموكل عند الصرف إلى الوكيل ) عن نية الوكيل عند الصرف إلى المستحقين ( في الأصح ) لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله إذ المال له وبه فارق نية الحج من النائب ؛ لأنه المباشر للعبادة ولذلك لو نوى الموكل عند تفرقة الوكيل جاز قطعا وتجوز نيته أيضا عند عزل قدر الزكاة وبعده إلى التفرقة منه أو من غيره ومن ثم لو قال لغيره تصدق بهذا ثم نوى الزكاة قبل تصدقه أجزأ عنها وأفتى بعضهم بأن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها وفيه نظر [ ص: 349 ] بل الذي يتجه أنه لا بد من نية المالك أو تفويضها للوكيل وبعضهم بأن المستحق لو قال للمؤدي أعطه فلانا لي جاز وكان فلان وكيلا عنه وفيه كلام مبسوط يأتي في الوكالة .

                                                                                                                              ويجوز تفويض النية للوكيل الأهل لا كافر وصبي غير مميز وقن ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك سواء زكاة المال والبدن وإنما تعينت الشاة المعينة للتضحية ؛ لأنه لا حق للفقراء ثم في غيرها وهنا حق المستحقين شائع في المال ؛ لأنهم شركاء بقدرها فلم ينقطع حقهم إلا بقبض معتبر وبه يرد جزم بعضهم بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها [ ص: 350 ] من غير أن يدفعها إليه المالك .

                                                                                                                              ومما يرده أيضا قولهم لو قال لآخر اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة لم يكف حتى ينوي هو بعد قبضه ثم يأذن له في أخذها فقولهم ثم إلى آخره صريح في أنه لا يكفي استبداده بقبضها ويوجه بأن للمالك بعد النية والعزل أن يعطي من شاء ويحرم من شاء وتجويز استبداد المستحق يقطع هذه الولاية فامتنع ومن ثم لو انحصر المستحقون انحصارا يقتضي ملكهم لها قبل القبض كما يأتي في قسم الصدقات احتمل أن يقال إن ملكهم تعلق بهذا المعين لها وحينئذ ينقطع حق المالك منه ويجوز لهم الاستبداد بقبضه واحتمل أن يقال هم كغيرهم في أن حقهم إنما هو متعلق بعين المال مشاعا فيه على ما يأتي وذلك لا ينقطع إلا بقبض صحيح فإن قلت لم لم تنقطع ولاية المالك بملكهم قلت ؛ لأن ملكهم إنما هو في عموم المال مشاعا كما تقرر لا في خصوص هذا المعين فجاز للمالك التصرف فيه والإخراج من غيره كما هو مقتضى القياس في أن أحد الشريكين لو عين لشريكه قدر حقه من المشترك أو غيره لم يتعين بمجرد الإفراز والتعيين فتأمله ويأتي أول الدعاوى أنه لا ظفر في الزكاة ولو وكل في إخراج فطرته أو التضحية عنه انعزل بخروج وقتهما على ما بحثه الأزرق وقال إنه مقتضى القواعد الأصولية ( والأفضل أن ينوي الوكيل عند التفريق أيضا ) خروجا من مقابل الأصح المذكور

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله مقارنة لفعله ) أي ؛ لأن الصرف إلى الوكيل من جملة فعل العبادة ( قوله وأفتى بعضهم بأن التوكيل إلخ ) في الناشري نقلا عن غيره ما يوافق هذا الإفتاء حيث قال إذا وكله أي شخصا في تفرقة الزكاة أو في إهداء الهدي فقال زك أو اهدني هذا الهدي فهل يحتاج إلى توكيله في النية قال الحرادي لا يحتاج إلى ذلك [ ص: 349 ] بل يزكي ويهدي الوكيل وينوي ؛ لأن قوله زك اهد يقتضي التوكيل في النية وهذا الذي قاله مقتضى ما في العزيز والروضة من أنه لو قال رجل لغيره أد عني فطرتي ففعل أجزأ كما لو قال اقض ديني ا هـ وأقول كلام الشيخين هنا يقتضي خلاف ذلك وعبارة الروض ولو دفع إلى الإمام بلا نية لم تجز نية الإمام كالوكيل أي ؛ لأنه لا تجزئ نيته عن الموكل حيث دفعها إليه بلا نية وله تفويض النية إلى وكيله ا هـ وهو ظاهر في أن التوكيل في أداء الزكاة لا يتضمن التوكيل في النية وإلا لم يتأت أنه لا يجزئ نية التوكيل ولم يحتج لقوله وله تفويض النية إلى وكيله فليتأمل .

                                                                                                                              قال في شرحه قال المتولي وغيره وتتعين نية الوكيل إذا وقع الفرض بماله بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك لينصرف فعله عنه كما في الحج نيابة فلا يكفي نية الموكل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا كافر وصبي غير مميز ) عبارة شرح الروض بخلاف من ليس بأهل لها ومنه الكافر والصبي مع أنه يصح توكيلهما في أدائها لكن يشترط فيه تعيين المدفوع إليه ا هـ وقوله والصبي أي المميز بدليل قوله مع أنه يصح إلخ لظهور أن غير المميز لا يصح توكيله فهذا تصريح بعدم أهلية المميز أيضا خلاف مفهوم كلام الشارح ثم رأيت في العباب وشرحه للشارح التصريح بعدم أهلية الصبي المميز والعبد للنية فراجعه .

                                                                                                                              ( قوله وبه يرد جزم بعضهم إلخ ) قد يجاب بأن أخذ المستحق الأهل قبض معتبر ( قوله بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها إلخ ) عبارة م ر في شرحه ولو نوى الزكاة مع الإفراز فأخذها صبي أو كافر ودفعها لمستحقيها أو أخذها المستحق لنفسه ثم علم المالك بذلك أجزأه وبرئت ذمته منها لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله ويملكها المستحق لكن إذا لم يعلم المالك بذلك وجب عليه إخراجها أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي [ ص: 350 ] انتهت ( قوله صريح في أنه إلخ ) قد تمنع الصراحة وعلى التسليم فالفرق ظاهر ( قوله ومن ثم لو انحصر المستحقون ) وملكهم فليراجع



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وتكفي نية الموكل إلخ ) أي ولا يكفي نية الوكيل بإذن من الموكل عند صرف الموكل ؛ لأنه إنما اغتفرت من الوكيل إذا أذن له في تفرقة الزكاة ؛ لأنها وقعت تبعا كما صرح به ابن حج في شرح الأربعين لكنه صرح في باب الوكالة بخلافه ع ش وفي سم عن شرح الروض ما نصه قال المتولي وغيره وتتعين نية الوكيل إذا وقع الفرض بماله بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك لينصرف فعله عنه كما في الحج نيابة فلا يكفي نية الموكل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مقارنة لفعله ) أي لأن الصرف إلى الوكيل من جملة فعل العبادة سم ( قوله وبه فارق ) أي بقوله مقارنة لفعله إلخ عبارة النهاية والمغني والثاني لا يكفي نية الموكل وحده بل لا بد من نية الوكيل المذكورة كما لا يكفي نية المستنيب في الحج وفرق الأول بأن العبادة في الحج فعل النائب فوجبت النية منه وهي هنا بمال الموكل فكفت نيته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولذلك ) أي أن المال للموكل ( قوله عند عزل قدر الزكاة ) أي ولا يضر تقديمها على التفرقة كالصوم لعسر الاقتران بإعطاء كل مستحق و ( قوله وبعده إلى التفرقة ) أي وإن لم تقارن النية أخذها كما في المجموع نهاية ومغني ( قوله منه إلخ ) متعلق بالتفرقة ( قوله ومن ثم ) أي من أجل جواز النية بعد العزل وقبل التفرقة ( قوله تصدق بهذا ) أي تطوعا نهاية ومغني ( قوله أجزأ عنها ) أي إن كان القابض مستحقا أما تقديمها على العزل أو إعطاء الوكيل فلا يجزئ كأداء الزكاة بعد الحول من غير نية ولو نوى الزكاة مع الإفراز فأخذها صبي أو كافر ودفعها لمستحقها أو أخذها المستحق بنفسه ثم علم المالك بذلك أي بإعطاء الصبي إلخ أجزأه وبرئت ذمته منها لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله ويملكها المستحق لكن إذا لم يعلم المالك بذلك وجب عليه إخراجها أفتى بجميع ذلك الوالد رحمه الله تعالى نهاية .

                                                                                                                              ( قوله وأفتى بعضهم إلخ ) نقل الناشري عن غيره ما يوافق هذا الإفتاء ثم قال [ ص: 349 ] وهذا مقتضى ما في العزيز والروضة من أنه لو قال رجل لغيره أد عني فطرتي ففعل أجزأ كما لو قال اقض ديني انتهى وأقول : كلام الشيخين والروض هنا يقتضي خلاف ذلك ا هـ سم باختصار عبارة البصري وفي أصل الروضة ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه جاز كذا ذكره في النهاية والوسيط انتهى وفيه تأييد لما استوجهه الشارح إذ لو كان التفويض المطلق في الأداء تفويضا في النية لم يكن للتنصيص على ذلك وجعله فرعا مستقلا محل فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بل الذي يتجه إلخ ) وفاقا للنهاية والمغني ( قوله ويجوز ) إلى قوله غير مميز في المغني وإلى قوله وبه يرد في النهاية إلا قوله غير مميز وقن بإذن المالك ( قوله وصبي غير مميز ) مفهومه الجواز في المميز لكن كلام شرح الروض وشرح البهجة صريح بعدم أهلية المميز أيضا ثم رأيت في العباب وشرحه للشارح التصريح بعدم أهلية الصبي المميز والعبد للنية أيضا فراجعه سم على حج والأقرب ما أفهمه كلام ابن حج من الجواز ؛ لأن المميز من أهل النية فحيث اعتد بدفعه فينبغي الاعتداد بنيته لكن عبارة الزيادي قيده الأذرعي بمن هو أهل لها بأن يكون مسلما بالغا عاقلا لا صبيا ولو مميزا أو كافرا كما اعتمده شيخنا الرملي ولا رقيقا انتهى أقول يتأمل هذا مع قوله م ر السابق فلا فرق في الوكيل بين كونه من أهل الزكاة أو لا .

                                                                                                                              وقد يجاب بأن ما سبق في صحة التوكيل في الدفع ولا يلزم منه التفويض وعليه فينوي المالك الزكاة عند الدفع للصبي أو الكافر ع ش أقوله ويصرح بهذا الجواب قول شرح الروض بخلاف من ليس بأهل لها ومنه الكافر والصبي مع أنه يصح توكيلهما في أدائها لكن يشترط فيه تعيين المدفوع إليه ا هـ وقوله والصبي أي المميز بدليل قوله مع أنه يصح إلخ لظهور أن غير المميز لا يصح توكيله فهذا تصريح بعدم أهلية المميز أيضا خلاف مفهوم كلام الشارح كما نبه عليه سم ثم رأيت في بعض الهوامش المعتبرة ما نصه قوله وصبي غير مميز هكذا في بعض النسخ وكتب عليه سم واعترض عليه بمخالفته بما في شرح العباب وغيره والذي في النسخ المعتمدة وصبي مميز أي ؛ لأن الصبي غير أهل للتفويض ولو مميزا كما صرح به غيره انتهى شيخنا أحمد ثم رأيت في نسخة الشارح رحمه الله تعالى وصبي مميز وضرب على قوله غير انتهى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لم يتعين لها ) أي فله أن يرجع فيه ويدفع بدله رشيدي ( قوله بإذن المالك ) تقدم عن النهاية ما يصرح بعدم اشتراطه ( قوله وبه يرد إلخ ) قد يجاب بأن أخذ المستحق الأهل قبض معتبر سم ( قوله جزم بعضهم إلخ ) وهو الشهاب الرملي واعتمده ولده في النهاية كما مر ( قوله [ ص: 350 ] من غير أن يدفعها إليه إلخ ) أي وبلا إذنه في الأخذ رشيدي ( قوله حتى ينوي هو ) أي المالك ( بعد قبضه ) أي الآخر ( قوله ثم يأذن له في أخذها ) قد يقال وجه قولهم ثم يأذن إلخ إن قبضه عن دينه صارف للاعتداد به عن الزكاة فاحتيج إلى قبض تقديري بعد ذلك كما أن أخذ الإمام عن المكس صارف عن الزكاة بخلاف المستبد بالقبض عن الزكاة لا صارف لقبضه عنها فيجوز أن يكون قولهم ثم يأذن إلخ لما ذكر لا لما أفاده رحمه الله تعالى فليتأمل ثم رأيت الفاضل المحشي سم قال قوله صريح في أنه إلخ قد تمنع الصراحة وعلى التسليم فالفرق ظاهر انتهى ولعله إشارة إلى ما ذكر بصري .

                                                                                                                              ( قوله لا يكفي استبداده ) أي استقلال المستحق كردي ( قوله فامتنع ) أي الاستبداد ( قوله ومن ثم إلخ ) أي من أجل أن للمالك تلك الولاية ( قوله ومن ثم لو انحصر المستحقون إلخ ) ظاهر العبارة اعتبار النية مع انحصار المستحقين وملكهم فليراجع سم ويدفع التوقف قول الشارح الآتي قلت ؛ لأن ملكهم .

                                                                                                                              ( قوله احتمل أن يقال إن ملكهم إلخ ) وهو الأقرب كما أشار إليه بتقديمه ( قوله بهذا المعين لها ) أي بالقدر الذي أفرزه المالك للزكاة بنيتها ( قوله فإن قلت إلخ ) متفرع على الاحتمال الثاني ( قوله بملكهم ) أي المحصورين ( قوله خروجا ) إلى التنبيه في المغني إلا قوله والأفضل إلى المتن وقوله لكن ألحق إلى المتن وكذا في النهاية إلا قوله والمقابل




                                                                                                                              الخدمات العلمية