الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) إلا ( جلد نجس بالموت ) خرج به جلد المغلظ ( فيطهر بدبغه ) واندباغه وآثر الأول لأنه الغالب ( ظاهره ) وهو ما لاقاه الدباغ ( وكذا باطنه ) وهو ما لم يلاقه [ ص: 308 ] من أحد الوجهين أو ما بينهما ( على المشهور ) للأخبار الصحيحة فيه كخبر { إذا دبغ الإهاب فقد طهر } ودعوى أن الدباغ لا يصل لباطنه ممنوعة بل يصلحه بواسطة الرطوبة فيجوز بيعه والصلاة فيه واستعماله في الرطب نعم يحرم أكله من مأكول لانتقاله لطبع الثياب ولا يطهر شعره إذ لا يتأثر بالدباغ لكن يعفى عن قليله عرفا فيطهر حقيقة تبعا كدن الخمر واختار كثيرون طهارة جميعه ؛ لأن الصحابة قسموا الفراء وهي من دباغ المجوس وذبحهم ولم ينكره أحد بل نقل جمع أن الشافعي رجع عن تنجس شعر الميتة وصوفها ويجاب بأن الرجوع لم يصح والاختيار لم يتضح ؛ لأنها واقعة حال فعلية محتملة ذبح المجوس من حيث الجنس وهو لا يؤثر إلا إن شوهد في شيء بعينه فعلى مدعي ذلك إثباته ومن ثم علم ضعف ما مال إليه غير واحد وإن ألف فيه بعضهم من منع الصلاة في فراء السنجاب لأنه لا يذبح ذبحا صحيحا بل الصواب حلها ؛ لأن ذلك لم يعلم في شيء بعينه مطلقا فهو من باب ما غلب تنجسه يرجع لأصله وكذا يقال في نظائر ذلك كالجبن الشامي المشتهر عمله بإنفحة الخنزير ، وقد { جاءه صلى الله عليه وسلم جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك } ( والدبغ نزع فضوله ) أي هو حقيقته أو المقصود منه والاندباغ انتزاعها وهو ما يعفنه من نحو لحم ودم ( بحريف ) وهو ما يلذع اللسان بحرافته [ ص: 309 ] كقرظ وشب بالموحدة وشث بالمثلثة وذرق طير للخبر الحسن يطهرها أي الميتة الماء والقرظ وضابط نزعها منه أن يكون بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه النتن وهو مراد من عبر بالفساد أو هو أعم ليشمل نحو شدة تصلبه وسرعة بلائه لكن في إطلاق ذلك نظر .

                                                                                                                              والذي يتجه أن ما عدا النتن إن قال خبيران إنه لفساد الدبغ ضر وإلا فلا ؛ لأنا نجد ما اتفق على إتقان دبغه يتأثر بالماء فلا ينبغي النظر لمطلق التأثر به بل لتأثر يدل على فساد الدبغ ( لا شمس وتراب ) وملح وإن جف وطاب ريحه لأنها لم تزل لعود عفونته بنقعه في الماء ( ولا يجب الماء ) وفي نسخة ماء ( في أثنائه ) أي الدبغ ( في الأصح ) لأنه إحالة لا إزالة والمقصود يحصل برطب غيره ، وذكر الماء في الخبر السابق شرط لحصول الطهارة الكاملة لا لأصلها بدليل حذفه من الحديث الأول ( والمدبوغ كثوب نجس ) أي متنجس لملاقاته للدباغ النجس أو الذي تنجس به قبل طهر عينه فيجب غسله بماء طهور مع التتريب والتسبيع إن أصابه مغلظ وإن سبع وترب قبل الدبغ ؛ لأنه حينئذ لا يقبل الطهارة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله من أحد الوجهين ) الوجه أن يقال من أحد الوجهين وما بينهما أو مما بينهما فليتأمل ( قوله وقد جاءه صلى الله عليه وسلم جبنة إلخ ) في الاستدلال بهذا شيء لاحتمال أن أكله [ ص: 309 ] منها لطهارة الخنزير إذ ليس لنا دليل واضح على نجاسته كما قاله النووي ( قوله ولا يجب الماء ) وظاهر أنه لو كان كل من الجلد والدابغ جافا فلا بد من مائع ليتأثر الجلد بواسطته بالدابغ ( قوله بدليل حذفه إلخ ) فيه نظر ( قوله لملاقاته للدباغ النجس إلخ ) قد يؤخذ منه أنه إنما يجب غسل ما لاقى الدباغ فلا يجب غسل الوجه الذي لم يلاقه الدباغ لانتفاء سبب الغسل وهو ملاقاة ما ذكر وسريان النجاسة لا نقول به على الصحيح وعلى هذا فلو كان في الوجه الآخر الذي لم يلاق شعر وحكمنا بنجاسته ثم نتفه لم يجب غسل ما ظهر من موضع نباته كما لو شق الجلد بحيث ظهر ما بين الوجهين فإنه لا يجب غسله كما هو ظاهر نعم إن حصل في منابت الشعر رطوبة اتصلت بمنابته وما اتصل بها من النابت فيها من الشعر اتجه وجوب غسل ما ظهر من موضع نباته بل نتفه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله فيجب غسله ) أي ما لاقاه الدباغ منه دون ما لم يلاقه فيما يظهر ؛ لأن سبب وجوب الغسل ملاقاته للدباغ النجس أو الذي تنجس به كما ذكره وهذا منتف فيما لم يلاقه الدباغ من الوجه الآخر وسريان النجاسة لا نقول به على الصحيح فليحرر فإن عم الدباغ الوجهين وجب غسلهما وهو ظاهر ( قوله وإن سبع وترب إلخ ) يؤخذ من ذلك ما وقع السؤال عنه وهو ما لو بال كلب على عظم ميتة غير المغلظ فغسل سبعا إحداها بتراب فهل يطهر من حيث النجاسة المغلظة حتى لو أصاب ثوبا رطبا مثلا بعد ذلك لم يحتج لتسبيع والجواب لا يطهر أخذا مما ذكر ، بل لا بد من تسبيع ذلك الثوب .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وجلد إلخ ) أي ولو من غير مأكول مغني ونهاية قول المتن ( نجس ) بتثليث الجيم لكن الضم قليلبجيرمي قول المتن ( بالموت ) أي حقيقة أو حكما فيشمل ما لو سلخ جلد حيوان وهو حي ع ش وحفني ( قوله خرج به جلد المغلظ ) أي فإنه لا يطهر بالدباغ ؛ لأن الحياة في إفادة الطهارة أبلغ من الدبغ والحياة لا تفيد طهارته مغني ونهاية ( قوله واندباغه ) أي ولو بوقوعه بنفسه أو بإلقاء ريح أو نحو ذلك أو بإلقاء الدابغ عليه ولو بنحو ريح نهاية ومغني ( قوله لأنه الغالب ) أو المراد بالدبغ الحاصل بالمصدر بصري .

                                                                                                                              ( قوله ما لاقاه الدباغ ) أي من الوجهين أو أحدهما قول المتن ( وكذا باطنه ) ويؤخذ من طهارة باطنه به أنه لو نتف الشعر بعد دبغه صار موضعه متنجسا يطهر بغسله وهو كذلك نهاية ومغني هذا ظاهر فيما إذا كثر الشعر ، وأما الشعر القليل فينبغي أن يجري في منبته بعد نتفه [ ص: 308 ] الخلاف الآتي في نفسه من الطهارة عند الشارح ومن وافقه والعفو عند النهاية والمغني والله أعلم ( قوله من أحد الوجهين إلخ ) الوجه أن يقال من أحد الوجهين وما بينهما أو مما بينهما فليتأمل سم ، وقد يجاب بأن أو لمنع الخلو فقط ( قوله للأخبار ) إلى قوله عرفا في النهاية والمغني إلا قوله لانتقاله لطبع الثياب ( قوله فقد طهر ) بفتح الهاء وضمها بجيرمي ( قوله بواسطة الرطوبة ) أي الموجودة في الجلد أصالة أو بواسطة الماء المصبوب عليه ( قوله لانتقاله لطبع الثياب ) هذا التعليل يقتضي حرمة أكل جلد المذكاة إذا دبغ بصري عبارة ع ش ويرد عليه أن تعليل حج أن جلد المذكاة إذا دبغ يحل أكله مع أنه انتقل إلى طبع الثياب ولا يرد مثله على قول الشارح م ر لخروج حيوانه بموته عن المأكول ا هـ .

                                                                                                                              وعبارة الرشيدي قوله م ر لخروج حيوانه إلخ خرج به جلد المذكى وإن كان مدبوغا فإنه يجوز أكله ا هـ . ( قوله فيطهر إلخ ) وفاقا لشيخ الإسلام ، وقال النهاية والمغني أنه نجس يعفى عنه ا هـ . ( قوله تبعا إلخ ) أي للمشقة زيادي ( قوله كدن الخمر ) كذا قال الشيخ وهو محل وقفة إذ يمكن الفرق بين الشعر والدن بأن الثاني محل ضرورة إذ لولا الحكم بطهارته لم يمكن طهارة خل أصلا بخلاف الشعر لا ضرورة إلى القول بطهارته لإمكان الانتفاع به لا من جهة الشعر نهاية .

                                                                                                                              قال ع ش قوله م ر محل ضرورة قد تمنع الضرورة بأن يقال يعفى عن ملاقاة الدن للخل مع نجاسة الدن للضرورة المذكورة ولا يلزم من النجاسة التنجيس فالفرق حينئذ فيه نظر سم على المنهج ا هـ . ( قوله طهارة جميعه ) أي شعر المدبوغ وإن كثر ( قوله وهي من دباغ المجوس ) كونها من دباغهم لا دخل له فالأولى إسقاطه لإيهام ذكره بصري وفيه نظر ( قوله لأنها إلخ ) أي قسمة الفراء المذكورة ( قوله فعلية محتملة ) صفة واقعة إلخ ( قوله وهو لا يؤثر ) أي ذبح المجوس إلخ ( قوله إلا إن شوهد إلخ ) يشكل عليه ما ذكروه في مسألة قطعة لحم وجدت مرمية في إناء أو خرقة في بلد لم يغلب فيه مسلموه على مجوسيه من نجاستها وفرق شيخ مشايخنا الخطيب بين هذه المسألة والشعر المشكوك في انتتافه من مأكول بأن الأصل في الشعر الطهارة وفي اللحم عدم التذكية ا هـ .

                                                                                                                              ومن المعلوم أن الجلد كاللحم ؛ لأن طهارة كل منهما وحل تناوله متوقف على التذكية فعند الشك فيها الأصل عدمه فتبين ما في كلام الشارح رحمه الله تعالى في رد هذا الاختيار وفي مسألة السنجاب الآتية بصري وتقدم عن ع ش اعتماد ما قاله الشارح في فراء السنجاب وعن سم وغيره اعتماد أن الجلد المشكوك فيه كالشعر المشكوك فيه في الطهارة لا كاللحم في تفصيله وأيضا أن الخلاف هنا في طهارة الفراء من حيث شعرها ، وأما جلدها فطاهر بالدباغ بلا خلاف ( قوله فعلى مدعي ذلك إلخ ) المتبادر أن الإشارة للمشاهدة فعليه كان ينبغي أن يقول العمل به بدل إثباته ويحتمل أنها للمختار المتقدم ( قوله ومن ثم ) أي لأجل عدم تأثير ذلك ( قوله لأنه لا يذبح إلخ ) علة للمنع ( قوله بل الصواب إلخ ) اعتمده ع ش وأقره البجيرمي ( قوله لأن ذلك ) أي عدم وجود ذبح صحيح ( قوله مطلقا ) أي أصلا ( قوله فهو ) أي جلد السنجاب المعمول فروة ( قوله من باب إلخ ) قد مر عن البصري منعه .

                                                                                                                              ( قوله كالجبن الشامي إلخ ) في جعل الجبن نظيرا تأمل ؛ لأن أصله وهو اللبن طاهر وشك في تنجسه والأصل عدمه وإن فرض غالبا قاله البصري ، وقد يجاب بأن بعض أصله الإنفحة النجسة كما أشار الشارح إليه بقوله المشتهر إلخ ( قوله كالجبن الشامي إلخ ) أي والسكر الإفرنجي المشتهر تصفيته بدم الخنزير والأدوية الإفرنجية المشتهر تربيتها بالعرقية ( قوله : وقد جاءه صلى الله عليه وسلم جبنة إلخ ) في الاستدلال بهذا شيء لاحتمال أن أكله منها لطهارة الخنزير إذ ليس لنا دليل واضح على نجاسته كما قاله النووي سم .

                                                                                                                              وفيه نظر إذ الكلام هنا في إنفحة الخنزير الثابت نجاسة لحمه بالنص لا في حيه الذي كلام النووي مفروض فيه ( قوله هو ) أي النزع ( حقيقته ) أي الدبغ ( قوله وهي ) إلى قول المتن ولا يجب في النهاية وكذا في المغني إلا قوله أو هو أعم إلى المتن قول المتن ( بحريف ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الراء نهاية ومغني [ ص: 309 ] قوله كقرظ إلخ ) أي وعفص وقشور الرمان مغني ( قوله وشب بالموحدة ) هو من جواهر الأرض معروف يشبه الزاج يدبغ به وقوله وشث إلخ هو شجر مر الطعم طيب الريح يدبغ به أيضا مغني ورشيدي ( قوله وذرق طير ) أي وزبل نهاية ( قوله وهو ) أي النتن ( قوله أو هو إلخ ) أي لفاسد رشيدي ( قوله وسرعة بلائه ) بكسر الباء مع القصر أو بفتحها مع المد ع ش ( قوله لكن إطلاق ذلك ) أي الفساد الأعم ( قوله أن ما عدا النتن إلخ ) أي أما النتن فيضر مطلقا ع ش ( قوله وإن جف وطاب إلخ ) فلو ملح ثم نقع في الماء فلم يعد إليه نتن ولا غيره مما مر ينبغي أن يطهر فيما يظهر لحصول المقصود بصري .

                                                                                                                              ( قوله لأنها إلخ ) أي الفضول مغني ( قوله أي الدبغ ) إلى قوله مع الترتيب في النهاية إلا قوله بدليل إلى المتن وكذا في المغني إلا قوله شرط إلى المتن قول المتن ( ولا يجب الماء إلخ ) وظاهر أنه لو كان كل من الجلد والدابغ جافا فلا بد من مائع ليتأثر الجلد بواسطته بالدابغ سم ونهاية ( قوله لا إزالة ) ولهذا جاز بالنجس المحصل لذلك نهاية ( قوله شرط إلخ ) أو محمول على الندب نهاية ومغني ( قوله بدليل حذفه إلخ ) فيه نظر سم أي لأن القاعدة حمل المطلق على المقيد لا العكس ( قوله أو الذي تنجس به ) أي الدابغ الذي تنجس بالجلد ( قوله فيجب غسله ) أي ما لاقاه الدباغ منه دون ما لم يلاقه فيما يظهر ؛ لأن سبب وجوب الغسل ملاقاة النجس أو الذي تنجس به كما ذكره وهذا منتف فيما لم يلاقه الدباغ من الوجه الآخر وسريان النجاسة لا نقول به على الصحيح فليحرر فإن عم الدباغ الوجهين وجب غسلهما وهو ظاهر سم وجزم الشوبري بما استظهره .

                                                                                                                              ( قوله وإن سبع وترب إلخ ) يؤخذ من ذلك ما وقع السؤال عنه وهو ما لو بال كلب على عظم ميتة غير المغلظ فغسل سبعا إحداها بتراب فهل يطهر من حيث النجاسة المغلظة حتى لو أصاب ثوبا رطبا مثلا بعد ذلك لم يحتج للتسبيع والجواب لا يطهر أخذا مما ذكر بل لا بد من تسبيع ذلك الثوب سم وفي ع ش بعد نقل كلام الشارح المذكور ما نصه وفيه ما مر عند قول المصنف وميتة غير الآدمي إلخ ا هـ أي من أن الأقرب ما أفتى به شيخ الإسلام من الطهارة من حيث النجاسة المغلظة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية