الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يضر ) في الحكم بطهر المحل حقيقة ( بقاء لون أو ريح ) يدرك بشم المحل أو بالهواء وظاهر أنه بعد ظن الطهر لا يجب شم ولا نظر نعم ينبغي سنه هنا فعلم أنه لو زال شمه أو بصره خلقة أو لعارض لم يلزمه سؤال غيره أن يشم أو ينظر له ( عسر زواله ) [ ص: 319 ] ولو من مغلظ بأن لم تتوقف إزالته على شيء أو توقفت على نحو صابون ولم يجده فيما يظهر للمشقة فإن وجده أي بثمن مثله فاضلا عما يعتبر في التيمم فيما يظهر أيضا بجامع أن كلا فيه تحصيل واجب خوطب به ومن ثم اتجه أيضا أن يأتي هنا التفصيل الآتي فيما إذا وجده بحد الغوث أو القرب نعم لا يجب قبول هبة هذا ؛ لأن فيها منة بخلاف الماء أو توقفت على نحو حت وقرص لزمه وتوقفت الطهارة عليه ويظهر أن المدار في التوقف على ظن المطهر .

                                                                                                                              وعليه يظهر أيضا أن محله إن كان له خبرة وحينئذ لا يلزمه الرجوع لقول غيره وإلا سأل خبيرا ويظهر أيضا أنه لو عرف من مغير شيئا لم يطرده فيه لاختلاف اللصوق بالمحل بالإعراض من نحو هواء ومزاج كما هو مشاهد وأفهم المتن أن المصبوغ بالنجس متى تيقنت فهي عين النجاسة بأن ثقل [ ص: 320 ] أو كانت تنفصل مع الماء اشترط زوالها أو لونها أو ريحها فقط وعسر عفي عنه ومر أوائل الطهارة ما لو زال الريح ثم عاد وفي الاستنجاء جواز الاستعانة بنحو العسل والملح ( وفي الريح ) العسر الزوال ( قول ) إنه يضر وفي اللون وجه أيضا ( قلت فإن بقيا معا ) بمحل واحد ( ضر على الصحيح والله أعلم ) لقوة دلالتهما على بقاء العين وندرة العجز عنهما بخلاف ما لو بقيا بمحلين أو محال من نحو ثوب واحد ولا يتأتى فيه الخلاف فيما لو تفرقت دماء في ثوب كل منها قليل ولو اجتمعت لكثرت لأن ما هنا طاهر محله حقيقة وتلك نجسة معفو عنها بشرط القلة فإذا كثرت ولو بالنظر لمجموعها ضر عند المتولي ولم يضر عند الإمام واستفيد من المتن أن الأرض إذا لم تتشرب ما تنجست به لا بد من إزالة عينه قبل صب الماء القليل عليها كما لو كان في إناء وهو المعتمد ، ومر في شرح قوله فإن كوثر بإيراد طهور إلى آخره ما يؤيده وإفتاء بعضهم بخلاف ذلك توهما من بعض العبارات غير صحيح وبعضهم بأن صب الماء على عين بول يطهره إذا لم يزد بها وزن الغسالة يحمل كما أشار إليه التقييد على آثار العين دون جرمها .

                                                                                                                              وقول الماوردي إذا صب عليها ماء فغمرها أي بحيث استهلكت فيه طهر المحل والماء لا يختلف فيه أصحابنا طريقة ضعيفة ؛ لأن مراده العراقيون وهم قائلون بالضعف المار في قول المتن فلو كوثر بإيراد طهور إلى آخره ولو كانت النجاسة جامدة فتفتت واختلطت بالتراب لم يطهر كالمختلط بنحو صديد بإفاضة الماء عليه مطلقا بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ) فرع

                                                                                                                              قال شيخنا ناصر الدين الطبلاوي رحمه الله تعالى إذا أريد تطهير شيء عليه عجين أو سدر فتغير الماء المصبوب عليه بذلك فلا يضر ، وقد ذكرت ذلك للرملي فلم يوافقه عليه وقال يضر التغير هنا أيضا ( قوله لو زال شمه إلخ ) قد يقال لا حاجة لهذا مع ما قبله ( قوله [ ص: 319 ] ولم يجده فيما يظهر ) ويحتمل وهو القياس وظاهر كلامهم أنه لا يطهر ؛ لأن الاستعانة بنحو الصابون من شروط الطهارة فلا توجد بدونها وعلى هذا فهل يلزمه طلبه ولو من حد البعد مطلقا ويفرق بينه وبين الماء بأن له بدلا وهو التراب ولا كذلك ما هنا أو إن كان المتنجس بدنه بخلاف ما إذا كان ثوبه لا يلزمه من حد البعد ؛ لأن من صلى عاريا لا قضاء عليه بخلاف من صلى بالنجاسة فيه نظر والثاني غير بعيد ثم رأيت قوله [ ص: 320 ] الآتي ومن ثم اتجه أيضا أن يأتي هنا التفصيل الآتي إلخ .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              أفتى شيخنا الشهاب الرملي في ماء نقل من البحر فوضع في زير فوجد فيه طعم زبل أو ريحه أو لونه بنجاسته فقد قال الأصحاب شرع تقدم المضمضة والاستنشاق ليعرف طعم الماء ورائحته ا هـ وقضيته أنه لو وجد في ماء طعما مثلا لا يكون إلا للنجاسة حكم بنجاسته وبه صرح البغوي ولا يشكل بأنه لا يحد بريح الخمر لوضوح الفرق وصورة المسألة أنه لا يكون بقربه جيفة يحتمل أن يكون ذلك منها ونظيره وجوب الغسل إذا رأى في فراشه أو ثوبه منيا لا يحتمل أنه من غيره هذا والأوجه خلاف ما قاله البغوي لأصل الطهارة وعدم وقوع النجاسة وعدم التنجيس بالشك ويفرق بينه وبين ما ذكر من نظائره ولا يرد ما تقدم من فتوى شيخنا ؛ لأنه عد بول الحيوانات في الماء المنقول منه في الجملة فأشبه السبب الظاهر بخلاف مسألتنا ليس فيها ما يمكن الإحالة عليه ولا ما تقدم عن الأصحاب إذ ليس فيه تصريح بأن الطعم مقتض للنجاسة لإمكان حمله على البحث عن حاله إذا وجد طعمه أو ريحه متغيرا نعم يمكن حمل كلام البغوي على ما إذا علم سبق ما يحال عليه شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله بمحلين أو محال ) أقول هو كما لو بقي [ ص: 321 ] أحدهما بذينك المحلين أو تلك المحال .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله في الحكم بطهر المحل حقيقة ) أي لا أنه نجس معفو عنه حتى لو أصابه بلل لم يتنجس إذ لا معنى للغسل إلا الطهارة والأثر الباقي شبيه بما يشق الاحتراز عنه نهاية أي وهو لا ينجس ع ش عبارة شيخنا والقليوبي وضابط التعسر أن لا يزول بالحت بالماء ثلاث مرات فمتى حته أي اللون أو الريح ثلاثا ولم يزل طهر المحل فإذا قدر على زواله بعد ذلك لم يجب ؛ لأن المحل طاهر نعم إن بقيا معا في محل واحد من نجاسة واحدة فيجب زوالهما إلا إن تعذر كما مر في بقاء الطعم لقوة دلالتهما على بقاء النجاسة فإن بقيا متفرقين أو من نجاستين وعسر زوالهما لم يضر ا هـ وقوله فمتى حته إلى نعم يأتي عن النهاية ما قد يخالفه ( قوله وظاهر أنه ) إلى المتن اعتمده ع ش ( قوله لا يجب شم إلخ ) تنبغي زيادة ولا ذوق قول المتن ( عسر زواله ) أي بحيث لا يزول بالمبالغة بنحو الحت والقرص سواء في ذلك الأرض والثوب والإناء وسواء أطال بقاء الرائحة أم لا نهاية .

                                                                                                                              قال البجيرمي وسئل م ر عن صباغ يصبغ الغزل بماء الفوه ودم المعز ثم بعد ذلك يغسله غسلا جيدا حتى يصفو ماؤه وتبقى الحمرة في الغزل فهل والحالة هذه يعفى عن لون عسر زواله أو لا فأجاب نعم يعفى عن لون عسر زواله [ ص: 319 ] ا هـ ويظهر أخذا من مسألة التمويه أن الفعل حرام مطلقا فليراجع ويأتي ما يتعلق بالصبغ بالنجس في بحث الغسالة ( قوله ولو من مغلظ ) فلو عسرت إزالة لون نحو دم مغلظ أو ريحه طهر خلافا للزركشي في خادمه نهاية ( قوله بأن لم يتوقف إلخ ) أي بأن لا تزول إلا بالقطع أخذا مما مر في الطعم ( قوله أو توقفت على نحو صابون إلخ ) عبارة النهاية ولو توقف زوال ذلك ونحوه على أشنان أو صابون أو حت أو قرص وجب وإلا استحب وبه يجمع بين قول الوجوب والاستحباب والأوجه أنه يعتبر لوجوب نحو الصابون أن يفضل ثمنه عما يفضل عنه ثمن الماء في التيمم وإن لم يقدر على الحت ونحوه لزمه أن يستأجر عليه بأجرة مثله إذا وجدها فاضلة عن ذلك أيضا وأنه لو تعذر ذلك أي نحو الصابون حسا أو شرعا احتمل أن لا يلزمه استعماله بعد ذلك لطهارة المحل حقيقة ويحتمل اللزوم وإن كلا من الطهر والعفو إنما كان للتعذر .

                                                                                                                              وقد زال وهذا هو الموافق للقواعد بل قياس فقد الماء عند حاجته عدم الطهر مطلقا وهو الأوجه ا هـ وأقرها سم وع ش قال الرشيدي قوله ولو توقف زوال ذلك أي لون النجاسة أو ريحها وليس هذا خاصا بقول المصنف قلت فإن بقيا إلخ وإن أوهمه سياقه ا هـ وقول النهاية وهو الأوجه تقدم عنه وعن شيخنا وفي الشارح ما يخالفه فيما إذا بقي اللون أو الريح وحده وكذا يخالفه قول البجيرمي ما نصه فإن قلت حيث أوجبتم الاستعانة في زوال الأثر من الطعم أو اللون أو الريح أو هما بنحو صابون إذا توقفت الإزالة عليه فما محل قولهم يعفى عن اللون والريح دون الطعم مع استواء الكل في وجوب إزالة الأثر وإن توقف على غير الماء فالجواب أنه تجب الاستعانة بما ذكر في الجميع ثم إن لم يزل بذلك وبقي اللون أو الريح حكمنا بالطهارة وإن بقيا معا أو بقي الطعم وحده عفي عنه فقط إن تعذر لا أنه يصير طاهرا ويترتب على ذلك أنا إذا قلنا بالطهارة وقدر بعد ذلك على إزالته لم تجب وإن قلنا بالعفو وجبت مدابغي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله خوطب إلخ ) جواب قوله فإن وجده وقوله به أي بنحو الصابون ( قوله ومن ثم ) أي لأجل ذلك الجامع ( قوله فيما إذا وجده ) أي الماء ( قوله قبول هبة هذا ) أي نحو الصابون ( قوله أو توقفت إلخ ) عطف على قوله وجده ( قوله على نحو حت ) والحت بالمثناة الحك بنحو عود والقرص بالمهملة تقطيعه بنحو الظفر أي حكه بهكردي وقال ع ش والقرص وبالصاد المهملة الغسل بأطراف الأصابع وقيل هو القلع ونحوه ا هـ وقال البجيرمي والقرض بالضاد المعجمة أو الصاد المهملة الحت بأطراف الأصابع ا هـ . ( قوله أن محله ) أي محل اعتبار ظن المطهر ( قوله شيئا ) أي من عسر الزوال أو سهولته في محل وتوقف زواله فيه على نحو الصابون وعدمه ( لم يطرده فيه ) أي في ذلك المغير أي في غير ذلك المحل ( قوله كما هو مشاهد ) ( فرع )

                                                                                                                              ماء نقل من البحر ووضع في زير فوجد فيه طعم زبل أو ريحه أو لونه حكم بنجاسته كما قاله البغوي وإن احتمل أن يكون ذلك من جائفة بقربه لم يحكم بنجاسته خطيب وفي النهاية وسم عن إفتاء الشهاب الرملي مثله قال ع ش قول م ر حكم بنجاسته ضعيف ، وقد نقل بالدرس عن فتاوى والده القول بعدم النجاسة ا هـ ويوجه بأن هذا مما عمت به البلوى وما كان كذلك لا ينجس ا هـ .

                                                                                                                              وفي البجيرمي عن الحلبي والحفني ما نصه وحاصل المعتمد كما يؤخذ من حاشية الأجهوري أن الماء الذي في الزير إذا وجد فيه طعم أو ريح بول مثلا يحكم بالطهارة إلا إن وجد سبب يحال عليه النجاسة وفي القليوبي على الجلال لا يحكم بالنجاسة بغير تحقق سببها فالماء المنقول من البحر للأزيار في البيوت مثلا إذا وجد فيه وصف النجاسة محكوم بطهارته للشك قاله شيخنا م ر وأجاب عما نقل عن والده من الحكم بالنجاسة تبعا للبغوي بأنه محمول على ما إذا وجد سببها ا هـ أي في البحر المنقول منه بأن أخبر به عدل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أن المصبوغ ) إلى قوله ومر في النهاية والمغني كما يأتي قال البجيرمي والحاصل أن المصبوغ بعين النجاسة كالدم أو بمتنجس تفتت النجاسة فيه أو لم تتفتت وكان المصبوغ رطبا يطهر إذا صفت الغسالة مع الصبغ بعد زوال [ ص: 320 ] عينه ، وأما إذا صبغ بمتنجس ولم تتفتت فيه النجاسة وكان المصبوغ جافا فإنه يطهر مع صبغه وقولهم لا بد في طهر المصبوغ بنجس من أن تصفو الغسالة محمول على صبغ نجس أو مختلط بأجزاء نجسة العين وفاقا في ذلك لشيخنا الطبلاوي سم ملخصا ا هـ ويأتي عن ع ش مثله ( قوله أو كانت ) أي عين النجاسة ( قوله أو لونها إلخ ) عطف على قوله عين النجاسة ( قوله ومر أوائل إلخ ) الذي يتلخص من كلامه ثم إن العود لا يضر وقوله وفي الاستنجاء إلخ الذي استوجهه ثم جواز الاستعانة بنحو الملح مما اعتيد امتحانه وكون الغسل كذلك محل تأمل بصري ( قوله بمحل واحد ) إلى قوله ولا يتأتى في النهاية والخطيب .

                                                                                                                              ( قوله بمحل واحد ) أي من نجاسة واحدة بابلي قول المتن ( ضر ) قضيته أنه لا فرق في الضرر إذا بقيا معا بين كونهما من نجاسة واحدة أو نجاستين لكن نقل عن بعضهم تقييد الضرر فيما إذا كانا في محل بكونهما من نجاسة واحدة ويوجه بأن بقاءهما من نجاستين لا تقوى دلالته على بقاء العين فإن كل واحدة منهما مستقلة لا ارتباط لها بالأخرى وكل واحدة بانفرادها ضعيفة ا هـ وتقدم عن شيخنا اعتماده ( قوله لقوة دلالتهما إلخ ) لكن إذا تعذر عفي عنهما ما دام التعذر وتجب إزالتهما عند القدرة ولا تجب إعادة ما صلاه معهما ، وكذا يقال في الطعم قليوبي ا هـ بجيرمي وتقدم عن شيخنا والمدابغي اعتماده ( قوله بخلاف لو بقليا بمحلين إلخ ) أي فلا يضر لانتفاء العلة التي هي قوة دلالتهما على بقائها نهاية ( قوله بعضهم بأن صب إلخ ) أي وإفتاء بعضهم بأن إلخ ( قوله يحمل إلخ ) في النهاية والمغني ما يوافقه ( قوله التقييد ) أي بقوله إذا لم يزد بها ( قوله على آثار العين ) أي الضعيفة ( قوله ولو كانت النجاسة جامدة ) تقدم عن المغني والنهاية ما يوافقه ( قوله مطلقا ) أي لا ظاهره ولا باطنه وسواء وصل الماء إلى جميع أجزائه أم لا .




                                                                                                                              الخدمات العلمية