الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وكنايته ) أي الطلاق ألفاظ كثيرة بل لا تنحصر ( كأنت خلية ) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة ( برية ) أي منه ( بتة ) أي مقطوعة الوصلة إذ البت القطع وتنكير هذا لغة والأشهر أنه لا يستعمل إلا معرفا بأل مع قطع الهمزة .

                                                                                                                              ( بتلة ) أي متروكة النكاح ومنه { نهى عن التبتل } ومثلها مثلة من مثل به جدعه ( بائن ) من البين ، وهو الفرقة ، وإن زاد بعده بينونة لا تحلين بعدها إلي أبدا كما مر ( اعتدي استبرئي رحمك ) ولو لغير موطوءة طلقت نفسي ( الحقي ) بكسر ثم فتح ، ويجوز عكسه ( بأهلك ) أي ؛ لأني طلقتك ( حبلك على غاربك ) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير بإلقاء زمامه في الصحراء على غاربه ، وهو ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق ( لا أنده ) أي أزجر ( سربك ) بفتح فسكون ، وهو الإبل وما يرعى من المال أي تركتك لا أهتم بشأنك أما بكسر فسكون فهو قطيع الظباء وتصح إرادته هنا أيضا ( اغربي ) بمهملة فمعجمة أي تباعدي عني ( اعزبي ) بمعجمة فراء أي صيري غريبة أجنبية مني ( دعيني ) أي اتركيني ( ودعيني ) بتشديد الدال من الوداع أي ؛ لأني طلقتك ( ونحوها ) من كل ما يشعر بالفرقة إشعارا قريبا كتجردي تزودي اخرجي سافري تقنعي تستري برئت منك الزمي أهلك لا حاجة لي فيك أنت وشأنك أنت ولية نفسك وسلام عليك قول المحشي أما ظاهرا إلخ هكذا في النسخ وهي غير ظاهرة فلتحرر ، [ ص: 14 ] وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما ، وأوقعت الطلاق في قميصك وبارك الله لك لا فيك وسيذكر أن أشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره ، وأنا منك طالق أو بائن ونوى طلاقها كناية وخرج بنحوها نحو قومي أغناك الله ، ويفرق بينه وبين لعل الله يسوق إليك الخير بأن هذا أقرب إلى إرادة الطلاق به ؛ لأن ترجي سوق الخير يستعمل في ترجي حصول زوج ولا كذلك الغنى ، أحسن الله جزاءك اغزلي أي بالغين المعجمة بخلاف اعزلي بالمهملة أي نفسك عني فإن الذي يظهر أنه كناية اقعدي ، وفي عنوان الشرف لابن المقري أن قتل نكاحك كناية ، ووافقه ابن عبد السلام الناشري وخالفه الوجيه الناشري وغيره قال أما قتل نكاحك فكناية بلا شك . انتهى .

                                                                                                                              وبه يعلم أن الأوجه الأول إذ لا فرق مع نية الإيقاع بذلك بين المبني للفاعل والمفعول ، ويجري ذلك في قطع نكاحك وقطعته ، ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة كان كناية في الطلاق والعدد على الأوجه فإن نوى الطلاق وحده وقع أو والعدد وقع ما نواه أخذا من قول الروضة وغيرها في أنت واحدة أو ثلاث أنه كناية ، ومثله ما لو قيل له هل هي طالق فقال ثلاثا كما يأتي قبيل آخر فصل في هذا الباب ، ويفرق بينه وبين قوله طالق حيث لا يقع به شيء ، وإن نوى أنت بأنه لا قرينة هنا لفظية على تقديرها والطلاق لا يكفي فيه محض النية بخلاف مسألتنا فإن وقوع كلامه جوابا يؤيد صحة نيته به ما ذكر فلم تتمحض النية للإيقاع وكطالق ما لو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فلا يقع به شيء ، وإن نوى على المعتمد لما قررته ، وقطع البغوي بوقوع الثلاث إن نواها ينبغي حمله بفرض اعتماده على ما إذا وصلها بلفظ الطلاق إذ لو قال أنت طالق ثم قال ثلاثا وقد فصل بينهما بأكثر من سكتة التنفس والعي لغا فهذا أولى وعلى الاتصال يحمل إفتاء ابن الصلاح بأنه إن قصد بكلامه ثانيا أنه من تتمة الأول وبيان له وقعن كما لو قال أنت ثلاث ونوى الطلاق الثلاث نعم أطلق شيخنا في فتاويه الوقوع فإنه سئل عمن حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا ثم بعد ذلك قال ثلاثا ثم فعل المحلوف عليه فأجاب بأنه إن نوى الثلاث في تعليقه أو أراد بقوله ثلاثا أنه تتمة للتعليق وتفسير له أو نوى به الطلاق الثلاث وقع الثلاث ، وإلا فواحدة . انتهى .

                                                                                                                              فلم يفصل بين طول الفاصل وقصره ، وفيه نظر كقوله أو نوى به إلى آخره إذ كيف تؤثر النية بلفظ مبتدأ ليس بصريح ولا كناية إذا لم يقترن به ما يدل عليه والحاصل أن الذي ينبغي اعتماده أنه متى لم يفصل في ثلاثا بأكثر مما مر أثر مطلقا ومتى فصل بذلك ، ولم تنقطع نسبته عنه عرفا كان كالكناية فإن نوى أنه من تتمة الأول وبيان له أثر ، وإلا فلا ، وإن انقطعت نسبته عنه عرفا لم يؤثر مطلقا كما لو قال لها ابتداء ثلاثا وفارق ما مر في جعلتها ثلاثا بأن هذا كلام مستأنف لا يصلح أن يكون من تتمة الأول فلم يؤثر [ ص: 15 ] مطلقا على ما مر قال بعضهم ولو قالت له بذلت صداقي على طلاقي فقال طالق ولم يدع إرادة غيرها طلقت كما أشار إليه الشيخان قبيل الطرف الثاني في الأفعال القائمة مقام اللفظ . انتهى .

                                                                                                                              وأراد قولهما لو قيل لمن أنكر شيئا امرأتك طالق إن كنت كاذبا فقال طالق وقال ما أردت طلاق امرأتي قبل ؛ لأنه لم يوجد منه إشارة إليها ولا تسمية ، وإن لم يدع إرادة غيرها طلقت . انتهى وبتأمله يعلم تنافي مفهومي ما أردت ، وإن لم يدع في حالة الإطلاق لكن وجه غيرهما ما قالاه آخرا بأن الظاهر ترتب كلامه على كلام القائل ، ويؤخذ منه الطلاق عند الإطلاق ، وهو متجه لما مر في شرح كطلقتك أن الظاهر المذكور يصير طالق ونحوه وحده صريحا لكن لضعفه قبل الصرف بالنية أخذا مما قالاه هنا وبه يلتئم أطراف كلامهما ، ويعلم أنه لا متمسك لذلك القائل فيما قالاه ؛ لأن فيه ما صيره صريحا بخلافه في بذلت إلى آخره فلا يقع به شيء كما أفهمه ما سبق من إلغاء طالق ما لم يسبقه ما يصح تنزيله عليه من نحو إن فعلت كذا فزوجتك طالق ، وأما بذلت إلخ فلا يتضح فيه ذلك فتأمله .

                                                                                                                              ولو قال متى طلقتها فطلاقي معلق على إعطائها لي كذا ثم طلقها وقع ؛ لأنه إذا وقع لا يعلق ، وإلا لزم صحة قصده أنه إذا وقع منه لفظ طلاق لا يقع مدلوله وليس كذلك نعم إن قصد في هذه الصورة ذلك التعليق عند الإيقاع قبل ظاهرا لاعتضاد ذلك القصد بالقرينة السابقة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي الطلاق ) على قوله كلي واشربي في المغني إلا قوله ومثلها إلى المتن وقوله : طلقت نفسي وقوله : تجردي الزمي أهلك أنت ولية نفسك ( قول المتن كأنت خلية إلخ ) لو قال لزوجته تكون طالقا هل تطلق أو لا لاحتمال هذا اللفظ الحال والاستقبال ، وهل هو صريح أو كناية والظاهر أنه كناية فإن أراد به وقوع الطلاق في الحال طلقت أو التعليق احتاج إلى ذكر المعلق عليه ، وإلا فهو وعد لا يقع به شيء سم ومحله إن لم يكن معلقا على شيء ، وإلا كقوله إن دخلت الدار تكون طالقا وقع عند وجود المعلق عليه ، وأما كوني طالقا فصريح يقع به الطلاق حالا ، وكذا تكوني على تقدير لام الأمر كما قاله ع ش . ا هـ . بجيرمي على المنهج ( قوله : من الزوج ) عبارة المغني مني وكذا يقدر الجار والمجرور فيما بعده . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : مع قطع الهمزة ) أي على خلاف القياس . ا هـ . ع ش ( قوله : عن التبتل ) أي التعزب بلا مقتض له . ا هـ . ع ش ( قوله : ومثلها ) أي بتلة في الكنائية وقوله : مثلة بضم فسكون وقوله : جدعه أي قطع أنفه ( قوله : بائن ) وحرام . ا هـ . روض ( قوله : كما مر ) أي في شرح وصريحه الطلاق إلخ ( قوله : ويجوز عكسه ) عبارة المغني وقيل عكسه وجعله المطرزي خطأ . ا هـ وعبارة الرشيدي قوله : ويجوز عكسه نقل الزيادي عن المطرزي أنه خطأ وظاهر أنه لا يكون خطأ إلا إن قصد به معنى الأول أما لو قدر له مفعول كلفظ نفسك فلا خفاء أن لا يكون خطأ فتأمل . ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن بأهلك ) سواء كان لها أهل أم لا . ا هـ . مغني ( قوله : أي ؛ لأني طلقتك ) راجع لقول المتن اعتدي إلخ ( قوله : كما يخلى البعير إلخ ) أي ليرعى كيف شاء . ا هـ . مغني ( قوله : وهو الإبل إلخ ) عبارة القاموس السرب الماشية كلها انتهت . ا هـ . سيد عمر ( قوله : أي صيري ) من صار ( قوله : أي ؛ لأني طلقتك ) راجع لقول المتن دعيني إلخ أو لقوله لا أنده سربك إلخ ( قول المتن ونحوها ) من النحو اذهبي يا مسخمة ، ويا ملطمة ومنه ما لو حلف شخص بالطلاق على شيء فقال شخص آخر ، وأنا من داخل يمينك فيكون كناية في حق الثاني . ا هـ . ع ش ( قوله : كتجردي وتجرعي ) أي كأس الفراق وذوقي أي مرارته ، ويا بنتي [ ص: 14 ] إن أمكن كونها بنته ، وإن كانت معلومة النسب من غيره وتزوجي وانكحي ، وأحللتك أي للأزواج وفتحت عليك الطلاق أي أوقعته ووهبتك ؛ لأهلك أو للناس أو للأزواج أو للأجانب مغني وروض مع شرحه ( قوله : وكلي ) أي زاد الفراق وقوله : واشربي أي زاده . ا هـ . شرح الروض ( قوله : فيهما ) أي كلي واشربي ( قوله : لا فيك ) فليس بكناية ؛ لأن معناه بارك الله لي فيك ، وهو يشعر برغبته فيها مغني وشرح الروض فلا يقع به طلاق ، وإن نواه ع ش ( قوله : ونوى طلاقها ) لا حاجة إليه ولذا حذفه في النهاية ( قوله : نحو قومي إلخ ) أي فليس كناية . ا هـ . ع ش ( قوله : بينه ) أي أغناك الله ( قوله : أحسن الله جزاءك اغزلي ) ونحوهما من الألفاظ التي لا تحتمل الطلاق إلا بتعسف كما أحسن وجهك وتعالي واقربي . ا هـ . شرح روض ( قوله : اقعدي ) فليس بكناية ( قوله : قال ) أي غير الوجيه الناشري ( قوله : وبه يعلم ) أي بقول الغير أما قتل إلخ ( قوله : الأول ) أي أن قتل نكاحك كناية ( قوله : بذلك ) أي بمادة قتل ( قوله : ذلك ) أي الخلاف ورجحان الكنائية ( قوله : ولو قالت له أنا ) إلى قوله قطع البغوي في النهاية ( قوله : ومثله ) أي في أنه كناية . ا هـ . ع ش وضمير مثله لقوله ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة ( قوله : في هذا الباب ) عبارة النهاية من هذا الباب . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بينه ) أي قوله : ثلاثا في جواب هل هي طالق وبين قوله طالق أي ابتداء ( قوله : لا يقع به شيء ) أي ، وإن كرره مرارا . ا هـ ع ش . ( قوله : وكطالق ) أي المبتدأ به ( قوله : فلا يقع به شيء ) والأقرب أنه لو قال لزوجته أنت طالق أولا وثانيا وثالثا أنه يقع به الثلاث ، وإن لم ينو ؛ لأن التقدير أنت طالق طلاقا أولا وطلاقا ثانيا وطلاقا ثالثا . ا هـ . ع ش ( قوله : وإن نوى ) أي الطلاق ثلاثا ( قوله : لما قررته ) أي في قوله بأنه لا قرينة هنا لفظية إلخ ( قوله : فهذا أولى ) أي قوله : جعلتها ثلاثا ( قوله : بكلامه ثانيا ) ، وهو جعلتها ثلاثا ( قوله : وقعن ) أي الثلاث ( قوله : في تعليقه ) أي يمينه ( قوله : وفيه نظر ) أي في قوله أو أراد بقوله ثلاثا إلخ ( قوله : أو نوى به ) أي بقوله ثلاثا ( قوله : مما مر ) أي من سكتة التنفس والعي ( قوله : مطلقا ) أي نوى أنه من تتمة الأول أو لا وكذا الإطلاقان الآتيان آنفا ( قوله : بذلك ) أي بأكثر من سكتة التنفس والعي ( قوله : ولم تنقطع نسبته إلخ ) من ذلك ما وقع السؤال عنه أن شخصا قال عن زوجته بحضور شاهد هي طالق فقال له الشاهد لا تكفي طلقة واحدة فقال ثلاثا ثم أخبر عن نفسه بأني أردت وقوع الثلاث فيقعن ؛ لأن قوله ثلاثا حيث كان على هذا الوجه لم تنقطع نسبته عرفا عن لفظ الطلاق . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : وإلا ) أي ، وإن لم ينو أنه من تتمة الأول ( قوله : وفارق ) أي ثلاثا حيث فصل فيه بأنه متى فصل بذلك ولم تنقطع نسبته عنه عرفا إلخ ما مر في جعلتها ثلاثا أي من [ ص: 15 ] أنه متى فصل عما قبله بذلك لغا سواء انقطع نسبته عنه عرفا أم لا ( قوله : على ما مر ) أي آنفا من اعتماد التفصيل بين الاتصال وعدمه ( قوله : غيرها ) أي غير الزوجة ( قوله : وأراد ) أي البعض بقوله كما أشار إليه الشيخان إلخ ( قوله : قيل ) أي ولا يحكم عليه بوقوع الطلاق ( قوله : وبتأمله ) أي قول الشيخين المذكور يعلم تنافي مفهومي إلخ أي ؛ لأن قبول قوله ما أردت طلاق امرأتي يفهم عدم وقوع الطلاق فيما إذا أراد غير الزوجة أو أطلق وقولهما ، وإن لم يدع إرادة غيرها إلخ يفهم وقوع الطلاق فيما إذا ادعى إرادتها أو أطلق ( قوله : ما أردت ) أي إلى آخره وقوله : وإن لم يدع أي إلى آخره وقوله : في حالة الإطلاق متعلق بقوله تنافي إلخ ( قوله : لكن وجه غيرهما إلخ ) حاصله أن مفهوم الثاني معتبر دون الأول . ا هـ . كردي ( قوله : ما قالاه آخرا ) فهو وإن لم يدع إلخ ( قوله : ويؤخذ منه ) أي من ذلك التوجيه قال الكردي أي من الترتب . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أن الظاهر المذكور ) أي بقوله بأن الظاهر ترتب كلامه إلخ ( قوله : يصير ) من التفصيل ( قوله : طالق ) بضم الحكاية ( قوله : لضعفه ) أي نحو طالق المذكور ( قوله : بالنية ) أي بنية الزوج غير الزوجة ( قوله : هنا ) أي قبيل الطرف الثاني في الأفعال القائمة مقام اللفظ ( قوله : وبه إلخ ) أي بقوله لكن وجه غيرهما إلى هنا قال الكردي أي بالتوجيه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأن فيه ) أي ما قالاه ما صيره أي طالق ( قوله : بخلافه ) أي طالق ( قوله : ما سبق ) أي في شرح كطلقتك ( قوله : ذلك ) أي التنزيل ( قوله : وإلا ) أي ، وإن وقع معلقا ( قوله صحة قصده ) أي تأثير هذا القصد ( قوله : في هذه الصورة ) أي فيما لو قال طلقتها بعد أن قال متى طلقتها ( قوله : بالقرينة إلخ ) ، وهو قوله : متى طلقتها إلخ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية