الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن باع جارية فإذا هو غلام ) فلا بيع بينهما ، بخلاف ما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير . [ ص: 431 ] والفرق ينبني على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد رحمه الله ، وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى ويبطل لانعدامه ، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه وينعقد لوجوده ويتخير لفوات الوصف كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب ، وفي مسألتنا الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض ، وفي الحيوانات جنس واحد للتقارب فيها وهو المعتبر في هذا دون الأصل كالخل والدبس جنسان .

[ ص: 432 ] والوذاري والزندنيجي على ما قالوا جنسان مع اتحاد أصلهما . .

التالي السابق


( قوله ومن اشترى إلى آخره ) إذا اشترى هذه الجارية [ ص: 431 ] فظهرت غلاما فالبيع باطل لعدم المبيع . وهذه وأمثالها تبتني على الأصل الذي تقدم في المهر أنه إذا اجتمع تسمية وإشارة إلى شيء كما ذكرنا من هذه الجارية حيث أشار إلى ذات وسماها جارية فإن المسمى مع المشار إليه جنسان مختلفان كانت العبرة للتسمية ; لأن التسمية أبلغ في التعريف من الإشارة ; لأن الإشارة تعرف الذات الحاضرة والتسمية تعرف الحقيقة المندرجة فيها تلك الذات وغيرها من ذوات لا تحصى معروفة عند العقل بأشباهها لتلك الذات وغيرها ونحن في مقام التعريف فيتعلق بما تعريفه أبلغ ، وحينئذ يبطل العقد لعدم المبيع الذي هو المسمى ، ذكره المصنف وهو الظاهر من قول محمد ، فإنه عبر هنا بقوله فلا بيع بينهما ، وقيل بل هو فاسد وإن كانا من جنس واحد إلا أن اختلافهما بالصفة فاحش كان أيضا كاختلاف الجنس فيكون البيع باطلا .

وإن كان قليلا اعتبرت الإشارة فينعقد البيع لوروده على مبيع قائم إلا أنه ذكر فيه وصفا مرغوبا فيه فلم يجده المشتري فيثبت له الخيار .

وقول المصنف ( والفرق يبتني على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد ) لا يريد أن الأصل مختلف فيه بل هو متفق عليه ، وإنما ذكره محمد في خلافيته في المهر مستدلا به على قوله فيما إذا تزوج على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر في الجنسين كل ذكر مع أنثى من بني آدم وإن كانا متحدي الجنس المنطقي وهو الذاتي المقول على كثيرين مختلفين بمميز داخل فقد ألحقا بمختلفيهما ، بخلاف الذكر والأنثى من سائر البهائم غير الآدمي فإن البيع ينعقد ويثبت الخيار . ونقل القدوري عن زفر أنه جعل الذكر والأنثى من بني آدم كالذكر والأنثى من غيرهما ، فحكم بجواز البيع .

وأجيب بالفرق بفحش اختلاف الأغراض منهما ، فألحقا بالجنسين ، فالغلام يراد لخدمة الخارج كالزراعة والتجارة والحراثة ، والأنثى لخدمة الداخل كالعجن والطبخ والاستفراش ، بخلاف الغلام فكان اختلافهما كاختلاف الجنس بل ليس الجنس في الفقه إلا المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا ، فالجنسان ما يتفاوت منهما فاحشا بلا نظر إلى الذاتي ، وهذا قول المصنف ( وهو المعتبر في هذا دون الأصل ) يعني المعتبر في أنهما جنسان أو جنس واحد تفاوت الأغراض تفاوتا بعيدا فيكون من اختلاف الجنس ، أو قريبا فيكون من الجنس الواحد دون اختلاف الأصل : يعني الذاتي ، لذا قالوا ( الخل مع الدبس جنسان ) مع اتحاد أصلهما [ ص: 432 ] بفحش تفاوت الغرض منهما ( والوذاري والزندنيجي ) كذلك ، والوذاري بفتح الواو وكسرها وإعجام الذال ثم راء مهملة نسبة إلى وذار قرية من قرى سمرقند ، والزندنيجي بزاي ثم نون ثم دال مهملة ثم نون أخرى ثم ياء ثم جيم نسبة إلى زندنة بفتح الزاي والنون الأخيرة والجيم زيدت على خلاف القياس ( مع اتحاد أصلهما ) هكذا ذكره المصنف عن المشايخ .

وما ذكر لأبي حنيفة في باب المهر يقتضي أنه اعتبر الخل مع الخمر جنسا واحدا ، ومقتضاه أن يعتبر الخل مع الدبس كذلك .

ومن المختلفين جنسا ما إذا باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل ، ولو باعه ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر صح ويخير . كما إذا باع عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب ، كذا ذكره المصنف ، وإن كانت صناعة الكتابة أشرف عند الناس من الخبز كان المصنف ممن لا يفرق من المشايخ بين كون الصفة ظهرت خيرا من الصفة التي عينت أو لا في ثبوت الخيار ، كما أطلق في المحيط ثبوت الخيار ، وذهب آخرون منهم صدر الإسلام وظهير الدين إلى أنه إنما يثبت إذا كان الموجود أنقص وصحح الأول لفوات غرض المشتري ، فإن الظاهر أن غرضه من يقوم بحاجته التي عينها لا بما ليس غرضا له الآن ، وكان مستند المفصلين ما تقدم فيمن اشترى عبدا على أنه كافر فإذا هو مسلم لا خيار له ; لأنه خير مما عين .

وقد يفرق بأن الغرض وهو استخدام العبد بما يليق به لا يتفاوت بين مسلم وكافر من الزراعة وأمورها أو التجارة وأمورها ، بخلاف تعيين الخبز أو الكتابة ونحوه فإنه يفيد أن حاجته التي لأجلها اشترى هي هذا الوصف




الخدمات العلمية