الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وذلك أول ما عرض له استأنف ) لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة } ( وإن كان يعرض له كثيرا بنى على أكبر رأيه ) لقوله [ ص: 519 ] عليه الصلاة والسلام { من شك في صلاته فليتحر الصواب } ( وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل } والاستقبال بالسلام أولى ، لأنه عرف محللا دون الكلام ، ومجرد النية يلغو ، وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كي لا يصير تاركا فرض القعدة .

التالي السابق


[ ص: 518 ] قوله ومن شك في صلاته ) قيد بالظرف لأنه لو شك بعد الفراغ منها أو بعدما قعد قدر التشهد لا يعتبر ، إلا إن وقع في التعيين ليس غير بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعيينه قالوا يسجد سجدة واحدة ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعة بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو لاحتمال أن المتروك الركوع فلا بد من الركعة وسجدتين لأن السجود الذي كان أوقعه دونه لا عبرة به وإن كان سجدة فقد سجد ، ولو تذكر في العصر أنه ترك سجدة وشك أنها منها أو من الظهر يتحرى ، فإن لم يقع تحريه على شيء يتم العصر ويسجد سجدة واحدة لاحتمال أنه تركها منها ثم يعيد الظهر ثم العصر احتياطا استحبابا ، ولو لم يعد العصر لا شيء عليه ، ولو علم أنه أدى ركنا وشك أنه كبر للافتتاح أو لا أو هل أحدث أو لا أو أصابه نجاسة أو هل مسح برأسه أو لا إن كان أول مرة استقبل وإلا مضى ولا يلزمه الوضوء ولا غسل ثوبه ، بخلاف ما لو شك أن هذه تكبيرة الافتتاح أو القنوت فإنه لا يصير شارعا لأنه لم يثبت له شروع بعد ليجعل للقنوت ولا يعلم أنه نوى ليكون للافتتاح .

وفي الفتاوى : لو شك في تكبيرة الافتتاح فأعاد التكبير والثناء ثم تذكر كان عليه السهو ولا تكون الثانية استقبالا وقطعا للأولى .

هذا في ترك الفعل فلو كان تذكر أنه ترك قراءة فسدت لاحتمال كونها قراءة ثلاث ركعات ، ولو كان صلى صلاة يوم وليلة ثم ذكر أنه ترك القراءة في ركعة واحدة ولا يدري من أي صلاة يعيد صلاة الفجر والوتر لأنهما يفسدان بترك القراءة في ركعة .

إلا إن كان متذكرا أنه ترك في ركعتين فحينئذ يعيد صلاة الفجر والمغرب والوتر ، ولو تذكر أنه تركها في أربع أعاد الرباعيات الثلاث فقط ، وعلى هذا ينبغي إذا تذكر تركها في ثلاث والمسألة بحالها أن يعيد ما سوى الفجر ، ولا إشكال أنه إذا شك في الوقت أنه صلى أو لا تجب عليه الصلاة .

وقد أسلفنا أنه إذا تيقن ترك صلاة من يوم وليلة وشك فيه تجب عليه صلاة يوم وليلة ;



( قوله وذلك أول ما عرض له ) قيل معناه أول ما عرض له في عمره من حين بلغ ، وقيل أول ما عرض في تلك الصلاة ، وقيل معناه أن السهو ليس بعادة له ( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم إذا شك إلخ ) الحاصل أنه قد ثبت عندهم أحاديث هي قوله صلى الله عليه وسلم { [ ص: 519 ] إذا شك أحدكم في صلاته فليستقبل } وهو غريب ، وإن كانوا هم يعرفونه ، ومعناه في مسند ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال في الذي لا يدري صلى ثلاثا أم أربعا : يعيد حتى يحفظ .

وأخرج نحوه عن سعيد بن جبير وابن الحنفية وشريح ، وما في الصحيح { إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه } وتقدم أول الباب ، ولفظ التحري وإن لم يروه مسعر والثوري وشعبة ووهيب بن خالد وغيرهم ، فقد رواه منصور بن المعتمر الحافظ واعتمد عليه أصحاب الصحيح .

وما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليبن على واحدة ، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على ثنتين ، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم } قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

فلما ثبت عندهم الكل سلكوا فيها طريق الجمع بحمل كل منهما على محمل يتجه حمله عليه ، فالأول على ما إذا كان أول شك عرض له إما مطلقا في عمره أو في تلك الصلاة إلى آخر ما تقدم من الخلاف ، واختير الحمل على ما إذا كان الشك ليس عادة له لأنه يجمع الأول بلا شك والثاني ظاهرا ، ويساعده المعنى وهو أنه قادر على إسقاط ما عليه دون حرج لأن الحرج بإلزام الاستقبال إنما يلزم عند كثرة عروض الشك له ، وصار كما إذا شك أنه صلى أو لا والوقت باق تلزمه الصلاة لقدرته على يقين الإسقاط دون حرج لأن عروضه قليل ، بخلافه بعد الوقت لا يلزم لأن الظاهر خلافه فلا يدفع الشك حكم الظاهر ، وحمل عدم الفساد الذي تظافر عليه الحديثان الآخران على ما إذا كان يكثر منه للزوم الحرج بتقدير الإلزام وهو منتف شرعا بالنافي فوجب أن حكمه العمل بما يقع عليه التحري ويجعل محمل الحديث الثاني ، فإذا لم يقع تحريه على شيء وجب البناء على المتيقن وهو محمل الثالث جمعا بين الأحاديث .

وأما ما يفيده بعض الأحاديث من إناطة سجود السهو بمجرد الشك وإن ذكر الصواب يقينا وبنى عليه فمحمله أن يشغله الشك قدر أداء ركن حتى لزمه تأخير ركن أو واجب .



( قوله وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كي لا يترك الفرض ) وهو القعدة مع تيسر طريق توصله إلى [ ص: 520 ] يقين عدم تركها ثم هذه الإفادة قصور لأن المسطور يفيد أنه عند البناء على اليقين يقعد في كل موضع يتوهمه محل قعود سواء كان آخر صلاته أو لا ، ولنسق ذلك قالوا : إذا شك في الفجر أن التي هو فيها أولى أو ثانية تحرى ، فإن وقع تحريه على شيء أتم الصلاة عليه وسجد للسهو .

وكذا في جميع صور الشك إذا عمل بالتحري أو بنى على الأقل يسجد ، ولم يكن مما ينبغي إغفال ذكر السجود في الهداية والنهاية فإن لم يقع تحريه على شيء يبني على الأقل فيتم تلك الركعة ثم يقعد لاحتمال أنها ثانية ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لأنها ثانيته بحكم وجوب الأخذ بالأقل ثم يقعد ويسجد لسهوه ، وإن شك أنها ثانية أو ثالثة تحرى .

فإن لم يقع تحريه على شيء وهو قائم قعد ولا يتم تلك الركعة لاحتمال كونها الثالثة فيكون تاركا لفرض القعدة ثم يقوم فيصلي أخرى لجواز كون القيام الذي رفضه بالقعود ثانيته وقد تركه فعليه أن يصلي أخرى ليتم صلاته وإن كان قاعدا .

والمسألة بحالها ولم يقع تحريه على شيء أو وقع على أنها ثالثة تحرى في القعدات فإن وقع تحريه أنه لم يقعد على ما قبلها أو لم يقع تحريه على شيء فسدت ، لأن صلاته في الوجهين دارت بين الصحة والفساد فتفسد احتياطا .

وإن شك أنها أولى أو ثالثة لا يتم ركعة بل يقعد قدر التشهد ويرفض القيام ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يتشهد ويسجد للسهو ، ولو كان شكه في أنها ثانية أو أولى وقع في سجوده يمضي فيها سواء كانت الأولى أو الثانية . لأنها إن كانت أولى لزمه المضي فيها وإن كانت الثانية يلزمه تكميلها . ثم إذا رفع من السجدة الثانية يقعد قدر التشهد ثم يقوم فيصلي ركعة .

ولو شك في سجوده أنها ثانية أو ثالثة إن كان في السجدة الأولى أمكنه إصلاح صلاته على قول محمد لأنه إن كانت ثانية كان عليه إتمام هذه الركعة ، وإن كانت ثالثة لا تفسد عند محمد لأنه لما تذكر في السجدة الأولى ارتفعت تلك السجدة وصار كأنها لم تكن كما لو سبقه الحدث فيها من الركعة الخامسة ، وهذا أيضا يدل على خلاف ما في الهداية بما قدمناه في تذكر صلبية من أن إعادة الركن الذي فيه التذكر مستحب .

ولو فرعناه عليه ينبغي أن تفسد هنا لعدم ارتفاض السجدة المذكورة وإن كان الشك في السجدة الثانية بطلت صلاته .

وقياس هذا أن تبطل إذا وقع الشك بعد رفعه من السجدة الأولى سجد الثانية أو لا ، وإن وقع الشك في الرباعية أنها الأولى أو الثانية عمل بالتحري على ما تقدم ، فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل فيجعلها أولى ثم يقعد لجواز أنها ثانية ، والقعدة فيها واجبة ثم يقوم ويصلي أخرى ويقعد لأنها ثانية في الحكم والقعدة فيها واجبة ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد لاحتمال أنها رابعة ، ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد لأنها الأخيرة حكما .

فقد علمت أن القعود منوط بتوهم كون المحل محل لزومه واجبا أو فرضا ، ولو شك في أنها الرابعة أو الخامسة أو أنها الثالثة أو الخامسة فهو على القياس الذي ذكرناه في الفجر فيعود إلى القعدة ثم يصلي ركعة ويتشهد ، ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد ويسجد للسهو ، ولو شك في الوتر وهو قائم أنها ثانية أو ثالثة يتم تلك الركعة ويقنت فيها ويقعد ثم يقوم فيصلي أخرى ويقنت فيها أيضا هو المختار ، بخلاف المسبوق في الوتر بركعتين في رمضان إذا قنت مع الإمام في الثالثة ثم قام إلى قضاء ما سبق به لا يقنت ثانيا في ثالثته .

وكذا لو أدرك الإمام في ركوع الثالثة جعل كإدراكه القنوت معه نظيره من سمع من إمام آية سجدة فلم يسجدها ثم دخل معه في تلك الركعة يسقط عنه السجود لأنه بإدراك تلك الركعة معه صار مدركا لكل ما فيها ، وهذا الفرق بالمسبوق في الوتر والساهي فيه في حق القنوت هو مختار الصدر الشهيد ، وهذا لأن المسبوق [ ص: 521 ] مأمور أن يقنت مع الإمام لأنه مدرك آخر صلاته فقد قنت في موضعه فلا يقنت ثانيا لأن تكراره غير مشروع ، والشاك لم يتيقن وقوع الأول في موضعه فيقنت مرة أخرى وتقدمت هذه في باب الوتر . .



[ تتمة :

في ترك السجدات والركوع والاختلاف بين الإمام والقوم في السهو ] أما ترك السجود فقد انتظم مما قدمناه وجوب قضائه ، وهل تجب النية إن علم أنها من غير الركعة الأخيرة أو تحرى فوقع تحريه على ذلك أو لم يقع على شيء وبقي شاكا في أنها من الركعة الأخيرة أو ما قبلها نوى القضاء ، وإن علم أنها من الأخيرة لا يحتاج إلى نية ، وعلى هذا ما ذكروا فيمن سلم في صلاة الفجر وعليه سجود السهو فسجد وقعد وسلم وتكلم ثم تذكر أن عليه صلبية من الأولى فسدت صلاته .

وإن تركها من الثانية لا تفسد ونابت إحدى سجدتي السهو عن الصلبية لأنها لم تصر دينا في ذمته ليحتاج في صرف السجدة إليها إلى النية ، بخلاف الفصل الأول ، إلا في رواية عن أبي يوسف أنها لا تفسد في الوجهين ، ولو تذكر التلاوة دون السهو فسجد لها ثم تذكر أنه عليه صلبية فصلاته فاسدة في الوجهين .

وفي المنتقى : لا تنوب التلاوة والسهو عن الصلبية إلا إذا ظهر أنه لم يكن عليه تلاوة أو سهو حينئذ كلاهما تنوبان ، ولو تذكر أنه ترك منها سجدتين ، إن علم أنه تركهما من الأولى والأخيرة فعليه أن يسجدهما ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو ، أو من الأولى فعليه أن يصلي ركعة .

ولو لم يعلم كيف تركها سجد سجدتين ينوي القضاء في الأولى ثم يصلي ركعة ، ومن أدركه في الركوع الثاني لا يكون مدركا لتلك الركعة لأن السجدتين يضمان إلى الركوع الأول ، وفي رواية إلى الركوع الثاني ، فعلى هذه الرواية يصير مدركا ، وإن كان يعلم من أيهما ترك فإنه يسجد سجدتين أولا ويتشهد لاحتمال أنه تركهما من الثانية ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي ركعة ويتشهد ويسلم لاحتمال أنهما من الأولى ويسجد للسهو ، ولو ذكر أنه ترك منها ثلاث سجدات فإنه يسجد سجدة ويصلي ركعة ثم يتشهد كما ذكرنا ولا ينوي القضاء ، في السجدة .

وقال الهندواني : هذا إذا نوى بالسجدة الالتحاق بالركعة التي قيدها بالسجدة ، أما إذا لم ينو ذلك يسجد ثلاث سجدات .

وقال خواهر زاده : يسجد ثلاث سجدات ويصلي ركعة مطلقا ، ولو ذكر أنه ترك منها أربع سجدات سجد سجدتين ويضم إلى الركوع الأول في رواية ، وفي رواية إلى الركوع الثاني ويصلي ركعة أخرى . ثم رأيت أن أكتب تمام فصل السجدات المذكور في مختصر المحيط قال : مسائله مبنية على أصول : منها أن السجدة متى فاتت عن محلها لا تصح إلا بالنية لأنها وجبت قضاء ، والقضاء لا يتأدى إلا بالنية المعينة ، وإنما تصير فائتة عن محلها إذا تخلل بينها وبين محلها ركعة تامة لأن ما دون الركعة يحتمل الرفض فيرتفض وتلتحق بمحلها ، وهذا يوافق ما قدمناه من فتاوى قاضي خان من وجوب إعادة ما وقع فيه التذكر قبيل باب ما يفسد الصلاة .

ومنها أنه متى وقع الشك في ترك ركعة أو سجدة فإنه يجمع بينهما للخروج عما عليه بيقين وتقدم السجدة على الركعة ، ولو قدم الركعة عليها فسدت صلاته لجواز أنه ترك السجدة لا غير ، فإذا أتى بها تمت صلاته فلا يضره زيادة ركعة ، ومتى قدم الركعة عليها يصير منتقلا إلى التطوع قبل إكمال الفرض فتفسد صلاته .

ومنها أن ما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا ، وما تردد بين البدعة والسنة تركه لأن ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم . ومنها أنه ينظر إلى المتروك من السجدات وإلى المؤداة فأيهما أقل فالعبرة له ، لأن اعتبار الأقل أسهل لتخريج المسائل ، .



ولو ترك سجدة من الفجر ساهيا ثم ذكرها قبل أن يتكلم سجدها وقعد وتشهد وسلم وسجد للسهو ، وينوي به ما عليه لجواز أنه تركها من الأولى [ ص: 522 ] ولو ترك سجدتين سجد سجدتين أولا ويقعد ثم يقضي ركعة يتشهد لاحتمال أنه تركهما من ركعتين فيلزمه قضاؤهما لا غير ، ويحتمل أنه تركهما من ركعة فلا تكون محسوبة من صلاته فلزمه قضاء ركعة فيجمع بينهما احتياطا .

ولو ترك ثلاث سجدات ذكر في الأصل أنه يسجد سجدة أخرى حتى يتم ركعة ثم يصلي ركعة أخرى ، قال الفقيه أبو جعفر : الصحيح أنه يسجد ثلاث سجدات ويتشهد ثم يصلي ركعة ويتشهد لأنه أتى بسجدة واحدة فتقيدت بها ركعة واحدة فإذا سجد أخرى تلتحق بالركوع الثاني باتفاق الروايات فقد صلى ركعتين كل ركعة بسجدة ، فمتى صلى ركعة أخرى صار متطوعا بالثالثة وعليه سجدتان من الفجر فتفسد صلاته فيجب أن يسجد سجدتين أخريين حتى يتم الفرض وينوي في واحدة من السجدات قضاء ما عليه فيجزئه ، وإن ترك النية في الكل لا يجزئه ، وإن ترك أربع سجدات سجد سجدتين ويصلي ركعة ، ولا يخفى أن معناه إذا كان متيقنا أنه ركع في صلاته .



ولو ترك من المغرب أربعا سجد سجدتين ثم يصلي ركعتين لأنه أتى بسجدتين ، فيحتمل أنه أتى بهما في ركعة فعليه ركعتان ، ويحتمل أنه أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة إلا أن الركعة داخلة في الركعتين فيسجد سجدتين ولا يقعد ثم يصلي ركعتين ويقعد بينهما ، ولو ترك خمسا سجد سجدة وصلى ركعتين ، قالوا هذا إذا نوى بالسجدة عن الركعة التي قيدها بالسجدة الواحدة وإن لم ينو تفسد ، .



ولو ترك من الظهر ثلاث سجدات سجد ثلاثا وقعد ثم صلى ركعة ، وإن ترك أربعا يسجد أربعا ويقعد ثم يصلي ركعتين بقعدتين ، وإن ترك خمسا سجد ثلاثا ولا يقعد بعدها لأن هذه القعدة ترددت بين السنة والبدعة لأنه إن تم له ركعتان فالقعدة سنة ; وإن تم له ثلاث فالقعدة بدعة ، ثم يصلي ركعتين يقعد بينهما احتياطا لاحتمال أن صلاته قد تمت بركعة واحدة ، وإن ترك ستا سجد سجدتين ويقعد ثم يصلي ثلاث ركعات ويقعد بعد الثانية والثالثة . لأنه أتى بسجدتين .

فإن أتى بهما في الركعتين فعليه سجدتان وركعتان ، أو في ركعة فعليه ثلاث ركعات فيجمع بينهما ، وإن ترك سبعا سجد سجدة وصلى ثلاث ركعات ، قالوا هذا إذا نوى بالسجدة عن الركعة التي قيدها بسجدة ، وإذا سجد من غير نية ساهيا ثم تذكر فالحيلة لجواز صلاته أن يأتي بسجدتين وينوي بإحداهما عما عليه حتى تلتحق إحداهما بالركعة الأولى وتلتحق الثانية بالركعة الثانية فصار مصليا ركعتين ، ثم إذا صلى ثلاث ركعات وتشهد في الثانية من الثلاث جازت صلاته ، ولو ترك ثمان سجدات سجد سجدتين وصلى ثلاث ركعات وكذلك العصر والعشاء . .



( فصل منه )

لو صلى الفجر ثلاث ركعات ولم يقعد على الثانية وترك منها سجدة لا يعلم كيف ترك فسدت صلاته ، وكذا لو كان قعد لاحتمال أنه تركها من الأوليين وقد انتقل إلى التطوع قبل إكمال الفرض فيحكم بالفساد احتياطا ; ولو ترك سجدتين أو ثلاثا فالأصح أنه تفسد لاحتمال أنه تركهما من الفريضة ، ولو ترك أربعا لا تفسد لأنه أتى بسجدتين فلا يتقيد بهما أكثر من ركعتين فلا يصير منتقلا إلى التطوع وسجد سجدتين ثم يقعد ثم يصلي ركعة ، وأصله أن المتروك من السجدات إذا كان نصفها أو أقل من نصفها تفسد الصلاة وإن كان أكثر من النصف لا تفسد ، ولو صلى الظهر خمسا وترك سجدة إلى خمس تفسد ، ولو ترك ستا لا تفسد ، ولو ترك سبعا لا تفسد ويسجد ثلاث سجدات ، [ ص: 523 ] ولو ترك ثمان سجدات سجد سجدتين ويصلي ثلاث ركعات ، ولو صلى المغرب أربعا وترك سجدة إلى أربع تفسد ، ولو ترك خمسا لا تفسد ويسجد ثلاث سجدات ويصلي ركعة ، ولو ترك ستا سجد سجدتين وصلى ركعتين ، والله سبحانه أعلم . .



وأما إذا كان المتروك ركوعا فلنسق فصله بتمامه من البدائع ، قال رحمه الله : إذا كان المتروك ركوعا فلا يتصور فيه القضاء ، وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة ، وبيان ذلك إذا افتتح الصلاة فقرأ وسجد قبل أن يركع ثم قام إلى الثانية فقرأ وركع وسجد فهذا قد صلى ركعة واحدة ، ولا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول لأنه إذا لم يركع لم يعتد بذلك السجود لعدم مصادفته محله لأن محله بعد الركوع فالتحق السجود بالعدم فكأنه لم يسجد وكان أداء هذا الركوع أداء في محله ، فإذا أتى بالسجود بعده صار مؤديا ركعة تامة ، وكذا إذا افتتح فقرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة واحدة ولا يكون هذا السجود قضاء عن الأول لأن ركوعه وقع معتبرا لمصادفته محله ، لأن محله بعد القراءة وقد وجدت .

إلا أنه توقف على أن يتقيد بالسجدة . فإذا قام وقرأ لم يقع قيامه وقراءته معتدا به لأنه لم يقع في محله فلغا ، فإذا سجد صادف السجود محله لوقوعه بعد ركوع معتبر فتقيد ركوعه به فقد وجد انضمام السجدتين إلى الركوع فصار مصليا ركعة ، وكذا إذا قرأ وركع ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة لأنه تقدم ركوعان ووجد السجود فيلتحق بأحدهما ويلغو الآخر غير أنه في باب الحدث جعل المعتبر الركوع الأول ، وفي باب السهو من نوادر أبي سليمان جعل المعتبر الركوع الثاني .

حتى أن من أدرك الركوع الثاني لا يصير مدركا للركعة على رواية باب الحدث ، وعلى رواية هذا الباب يصير مدركا لها ، والصحيح رواية باب الحدث لأن ركوعه الأول صادف محله لحصوله بعد القراءة فوقع الثاني مكررا فلا يعتد به .

فإذا سجد يتقيد به الركوع الأول فصار مصليا ركعة ; وكذلك إذا قرأ ولم يركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع وسجد فإنما صلى ركعة لأن سجوده الأول لم يصادف محله لحصوله قبل الركوع فلم يقع معتدا به ، فإذا قرأ وركع توقف هذا الركوع على أن يتقيد بسجود بعده ، فإذا سجد بعد القراءة تقيد ذلك الركوع به فصار مصليا ركعة ، وكذا إن ركع في الأولى ولم يسجد ثم ركع في الثانية ولم يسجد وسجد في الثالثة ولم يركع ، فلا شك أنه صلى ركعة واحدة لما مر ، غير أن هذا السجود ملتحق بالركوع الأول أم بالثاني ؟

فيه روايتان على ما مر ، وعليه سجود السهو في هذه المواضع كلها لإدخاله الزيادة في الصلاة ، ولا تفسد إلا في رواية عن محمد فإنه يقول : زيادة السجدة الواحدة كزيادة الركعة بناء على أصله أن السجدة الواحدة قربة وهي سجود الشكر ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف السجدة الواحدة ليست بقربة إلا سجدة التلاوة ، ثم إدخال الركوع الزائد أو السجود الزائد لا يوجب فساد الفرض لأنه من أفعال الصلاة ، والصلاة لا تفسد بوجود أفعالها بل بوجود ما يضادها بخلاف ما إذا زاد ركعة كاملة لأنها فعل صلاة كامل فانعقد نفلا فصار متنقلا إليه فلا يبقى في الفرض فكان فساد الفرض بهذا الطريق لا للمضادة ، بخلاف زيادة ما دون الركعة انتهى .

وكون سجدة الشكر قربة وهو كما هو قول محمد أوجه لأنه مقتضى الأدلة السمعية المتكثرة ، وستتم الفائدة بها آخر هذا الفصل .



وأما الاختلاف بين الإمام والقوم في السهو ففي فتاوى قاضي خان : صلى وحده أو إمام صلى بقوم فلما سلم أخبره عدل أنك صليت الظهر ثلاثا ، قالوا إن كان عند المصلى أنه صلى أربعا لا يلتفت إلى قول المخبر ، وإن شك في أنه صادق أو كاذب . روي عن [ ص: 524 ] محمد أنه يعيد صلاته احتياطا ، وإن شك في قول عدلين يعيد صلاته ، وإن لم يكن المخبر عدلا لا يقبل قوله . .



ولو وقع الاختلاف بين الإمام والقوم فقالوا صليت ثلاثا وقال بل أربعا ، فإن كان الإمام على يقين لا يعيد الصلاة بقولهم ، وإن لم يكن على يقين يأخذ بقولهم ، فإن اختلف القوم فقال بعضهم ثلاثا وقال بعضهم أربعا والإمام مع أحد الفريقين يؤخذ بقول الإمام ، وإن كان معه واحد لكان الإمام ، فإن أعاد الإمام الصلاة وأعادوا معه مقتدين به صح اقتداؤهم لأن الإمام إن كان الصادق كان هذا اقتداء المتنفل بالمتنفل ، وإلا فاقتداء المفترض بالمفترض ، .



ولو استيقن واحد من القوم أنه صلى ثلاثا واستيقن واحد أنه صلى أربعا والإمام والقوم في شك ليس على الإمام والقوم شيء لمعارضة المستيقن بالنقصان المستيقن بالتمام ، والظاهر بعد الفراغ هو التمام ، وعلى المستيقن بالنقص الإعادة لأن يقينه لا يبطل بيقين غيره ، ولو كان الإمام استيقن أنه صلى ثلاثا كان عليه أن يعيد بالقوم ولا إعادة على مستيقن التمام لما قلنا ; ولو استيقن واحد بالنقصان وشك الإمام والقوم ، فإن كانوا في الوقت أعادوا احتياطا ، وإن لم يعيدوا لا شيء عليهم إلا إذا استيقن عدلان بالنقصان وأخبروا بذلك .



ولنذكر الفائدة الموعودة آنفا : روى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر سر به خر ساجدا لله تعالى } ، وروى عبد الرحمن بن عوف قال { خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد فسجد فأطال ، فقال : إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني أن من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا ، فسجدت شكرا لله } رواه العقيلي في تاريخه وأحمد والحاكم بنحوه وقال على شرط الشيخين .

وفي أبي داود بإسناد حسن { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا شكرا لربي ، ثم رفعت رأسي فخررت ساجدا فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا شكرا لربي } ، وروى البيهقي بإسناد صحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم خر ساجدا لما جاء كتاب علي من اليمن بإسلام همدان } ، وروى الشيخان عن كعب بن مالك أنه لما جاءته البشارة بتوبته خر ساجدا .

وروى الحاكم { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد مرة لرؤية زمن ، ومر به أبو بكر فنزل وسجد شكرا لله ، ومر عمر فنزل وسجد شكرا لله } انتهى . وسجد أبو بكر رضي الله عنه عند فتح اليمامة وقتل مسيلمة ، وعمر رضي الله عنه عند فتح اليرموك ، وعلي عند رؤية ذي الثدية مقتولا بالنهروان ، والحمد لله ولي كل نعمة .




الخدمات العلمية