الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الرابع:

                                949 994 - ثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، حدثني عروة، أن عائشة [ ص: 218 ] أخبرته، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني: بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للصلاة.

                                التالي السابق


                                كذا روى شعيب ، عن الزهري ، هذا الحديث.

                                ورواه عمرو بن الحارث ويونس ، عن الزهري - بمعناه- وفي حديثهما: أنه كان فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع [على] شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة.

                                خرجه مسلم من طريقهما.

                                وخرجه أبو داود من طريق الأوزاعي وابن أبي ذئب ، عن الزهري ، بنحوه أيضا.

                                وخرج ابن ماجه من طريق الأوزاعي وحده.

                                وخرجه النسائي من طريق عقيل ، عن الزهري ، بمعناه.

                                ورواه مالك ، عن الزهري ، ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين.

                                [ ص: 219 ] خرجه مسلم .

                                وخرجه البخاري فيما بعد، في: "ما يقرأ في ركعتي الفجر" - مختصرا - ولفظه: كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين .

                                كذا خرجه عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك .

                                ولفظ: " ثلاث عشرة" غريب، وإنما هو في " الموطأ" كما خرجه مسلم : " إحدى عشرة".

                                وكذا خرجه الترمذي وغيره من طريق مالك .

                                وأسقط البخاري منه: ذكر: " الاضطجاع"; لأن مالكا خالف أصحاب ابن شهاب فيه، فإنه جعل الاضطجاع بعد الوتر، وأصحاب ابن شهاب كلهم جعلوه بعد ركعتي الفجر.

                                وهذا مما عده الحفاظ من أوهام مالك ، منهم: مسلم في " كتاب التمييز".

                                وحكى أبو بكر الخطيب مثل ذلك عن العلماء.

                                وحكاه ابن عبد البر عن أهل الحديث، ثم قال: يمكن أن يكون ذلك صحيحا، وأن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم- كان مرة يضطجع قبل ركعتي الفجر، ومرة بعدها.

                                وعضده برواية مالك ، عن مخرمة ، عن كريب ، عن ابن عباس ، كما سبق.

                                [ ص: 220 ] وقد عضد ذلك أحاديث أخر:

                                منها: رواية أبي سلمة ، عن عائشة : ما ألفى رسول الله السحر الأعلى في بيتي إلا نائما.

                                خرجاه في " الصحيحين"، ولفظه لمسلم .

                                وخرجه مسلم ، وزاد فيه: " يعني: بعد الوتر".

                                وفي رواية أبي سلمة ، عن عائشة ، أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام قبل الوتر - أيضا- وأن عائشة سألته عن ذلك، فقال: " إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي" وهذا يدل على أن وقت نومه كان يختلف.

                                كذا في رواية مالك ، عن المقبري ، عن أبي سلمة .

                                وقد خرجها البخاري فيما بعد.

                                ورواه عبد الرحمن بن إسحاق ، عن المقبري ، فذكر في حديثه: أنه كان ينام بعد العشاء، ثم يقوم فيصلي أربعا، ثم ينام، ثم يقوم فيصلي أربعا، ثم ينام، ثم يقوم فيصلي ثلاثا، يوتر بواحدة، ثم يضطجع ما شاء الله، حتى إذا سمع النداء قام فصلى ركعتين، حتى يأتيه المؤذن، فيخرج إلى الصلاة.

                                خرجه بقي بن مخلد في " مسنده".

                                وفي " الصحيحين" أيضا عن الأسود ، عن عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان ينام أول الليل، ويقوم آخره، فيصلي ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج.

                                وهذا لفظ البخاري .

                                [ ص: 221 ] وزاد مسلم - في رواية-: " ثم صلى الركعتين".

                                وفي رواية غيرهما: أنه كان يوتر، ثم ينام.

                                وخرج النسائي من حديث سعد بن هشام ، عن عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين جالسا، ثم يضع جنبه، وربما جاء بلال فآذنه قبل أن يغفي، وربما أغفى، وربما شككت أغفى أم لا، قالت: فما زالت تلك صلاته صلى الله عليه وسلم.

                                وخرجه أبو داود مختصرا.

                                وروى الإمام أحمد : نا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، نا أبي، عن أنس بن سيرين ، قال: قلت لابن عمر : ركعتا الفجر أطيل فيهما القراءة؟ فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح أوتر بركعة، ثم يضع رأسه، فإن شئت قلت: نام، وإن شئت قلت: لم ينم، ثم يقوم إليهما والأذان في أذنيه، فأي طول يكون ثم؟!

                                وخرجه في " الصحيحين" من طريق حماد ، عن أنس بن سيرين مختصرا.

                                وقد استحب طائفة من السلف الفصل بين صلاة الليل والنهار بالاضطجاع بينهما.

                                روى وكيع في " كتابه"، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال: اضطجع ضجعة بعد الوتر.

                                [ ص: 222 ] وعن عاصم بن رجاء بن حيوة ، عن أبيه، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبي الدرداء ، قال: مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي، فقال: افصل بضجعة بين صلاة الليل وصلاة النهار.

                                يعني: يعني بعد الوتر، قبل الركعتين.

                                فهذه رواية الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

                                وقد سبق أن هشام بن عروة رواه، عن أبيه، عن عائشة ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر منها بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن.

                                وقد خرجه مسلم بمعناه.

                                وفي رواية عن هشام ، أنه كان يصلي قبل هذه الخمس ثمان ركعات، يجلس في كل ركعتين ويسلم.

                                ورواه ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي ثلاث عشرة ركعة، بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستا مثنى مثنى، ويوتر بخمس، لا يقعد بينهن إلا في آخرهن.

                                خرجه أبو داود .

                                وذكر البيهقي في " كتاب المعرفة"، عن الشافعي ، أنه اختار حديث الزهري ، من غير أن يضيف غيره؛ لفضل حفظ الزهري على حفظ غيره; ولموافقته رواية القاسم ، عن عائشة ، ورواية الجمهور عن ابن عمر وابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                [ ص: 223 ] قال: وبهذا النوع من الترجيح ترك البخاري رواية هشام في الوتر، ورواية سعد بن هشام ، عن عائشة في الوتر، فلم يخرج واحدة منهما في " صحيحه"، مع كونها من شرطه في سائر الروايات.

                                ثم ذكر بإسناده، عن ابن معين ، قال: الزهري أثبت في عروة من هشام بن عروة في عروة .

                                وخرج مسلم من حديث عراك ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، بركعتي الفجر.

                                وقد روى هذا المعنى عن عائشة : أبو سلمة والقاسم بن محمد ومسروق .

                                وقد خرج البخاري أحاديثهم، وتأتي فيما بعد.

                                ولفظ حديث مسروق ، عنده: قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة.

                                وخرج مسلم من حديث عبد الله بن شقيق ، عن عائشة ، أن النبي كان يصلي في بيتها بعد العشاء ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر.

                                ففي هذه الرواية: أن الإحدى عشرة التي كان يصليها بالليل منها ركعتان بعد العشاء، قبل أن ينام.

                                وقد تقدم في رواية عمرو بن الحارث ويونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، ما يشهد لذلك أيضا.

                                [ ص: 224 ] وقد روي عنها أن الإحدى عشرة ركعة منها ركعتان كان يصليهما بعد الوتر.

                                روى ذلك عنها أبو سلمة وسعد بن هشام .

                                وسنذكر حديثهما فيما بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى.

                                وفي حديث سعد ، عنها: أنه كان يصلي إحدى عشرة، ثم لما أسن وأخذ اللحم صلى تسعا.

                                خرجه مسلم .

                                وخرج أبو داود من رواية أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين، ثم قبض حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات.

                                وخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه من رواية الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل تسع ركعات

                                وحسنه الترمذي .

                                وفي إسناده اختلاف عن الأعمش .

                                وقد روي عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن يحيى بن الجزار ، عن عائشة ، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل تسع ركعات، فلما كثر لحمه وسن، صلى سبع ركعات.

                                [ ص: 225 ] خرجه النسائي.

                                ورواه أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن يحيى بن الجزار ، عن أم سلمة ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع .

                                خرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي ، وحسنه.

                                وأبو معاوية مقدم على أصحاب الأعمش ، إلا أن الدارقطني قال: من قال فيه: " عن عمارة بن عمير " فهو أشبه بالصواب من قول من قال: " عمرو بن مرة ".

                                وقال الأثرم : اضطرب الأعمش في إسناده وفي متنه، قال: ويحيى الجزار لم يلق عائشة ، ولا أم سلمة .

                                وخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث معاوية بن صالح ، عن عبد الله بن أبي قيس ، قال: سألت عائشة : بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوتر؟ قالت: بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشرة وثلاث، ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة، ولا بأنقص من سبع، وكان لا يدع ركعتين قبل الفجر.

                                ففي هذه الرواية: أن مجموع صلاة الليل تسمى وترا، وأنه كان يوتر بثلاث عشرة سوى ركعتي الفجر، ولعلها أدخلت في ذلك الركعتين بعد صلاة العشاء حتى توافق سائر الروايات عنها.

                                وأما إطالة السجود المذكور في حديث عائشة الذي خرجه، فقد بوب عليه [ ص: 226 ] في " أبواب قيام الليل"، وأعاد فيه الحديث، ويأتي الكلام على معناه هنالك إن شاء الله سبحانه وتعالى.



                                الخدمات العلمية