الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5756 ص: وكان من الحجة لهم في تأويل حديث ابن عباس عن أسامة - رضي الله عنهم - الذي ذكرناه في الفصل الأول أن ذلك الربا إنما عنى به ربا القرآن الذي كان أصله في النسيئة ; ، وذلك أن الرجل كان يكون له على صاحبه الدين ، فيقول له : أجلني به إلى كذا وكذا ، بكذا وكذا درهما أزيدكها في دينك ; فيكون مشتريا للأجل بمال ، [ ص: 270 ] فنهاهم الله -عز وجل - عن ذلك بقوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ثم جاءت السنة بعد ذلك بتحريم الربا في الفضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، وسائر الأشياء من المكيلات والموزونات على ما ذكره عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن رسول الله -عليه السلام - فيما روينا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا في باب بيع الحنطة بالشعير ، فكان ذلك ربا حرم بالسنة وتواترت به الآثار عن رسول الله -عليه السلام - حتى قامت به الحجة ، والدليل على أن ذلك الربا المحرم في هذه الآثار هو عين الربا الذي رواه ابن عباس: عن أسامة عن رسول الله -عليه السلام - : رجوع ابن عباس إلى ما حدثه به أبو سعيد عن رسول الله -عليه السلام - مما قد ذكرنا في هذا الباب ، فلو كان ما حدثه به أبو سعيد من ذلك في المعنى الذي كان أسامة حدثه به إذا لما كان حديث أبي سعيد عنده بأولى من حديث أسامة ، ولكنه لم يكن له علم بتحريم رسول الله -عليه السلام - هذا الربا حتى حدثه به أبو سعيد ، فعلم أن ما كان حدثه به أسامة عن رسول الله -عليه السلام - كان في ربا غير ذلك الربا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وكان من الدليل والبرهان لأهل هذه المقالة ، وأراد به الجواب عن حديث أسامة بن زيد الذي رواه عن ابن عباس ، وهو ظاهر .

                                                قوله : "على ما ذكره عبادة بن الصامت " أخرج الطحاوي حديثه في باب بيع الحنطة بالشعير مرفوعا من ستة طرق ، وموقوفا عليه ، وقد ذكرت هناك مفصلة ، وقد ذكرنا أن مسلما وإسحاق بن راهويه والترمذي والنسائي أخرجوه ، وقال الترمذي : على حديث أبي سعيد العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي -عليه السلام - وغيرهم ، وقال ابن قدامة : حديث الربا في النسيئة محمول على الجنسين ، ولأنه مجمل وغير مفصل .

                                                قوله : "والدليل " مبتدأ ، وخبره قوله : "رجوع ابن عباس " ، وقد ذكرنا عن قريب عن الطبراني روايته في رجوع ابن عباس ، فروى إسحاق بن راهويه أيضا عن روح ،

                                                [ ص: 271 ] ثنا حيان بن عبيد الله -وكان رجل صدق - قال : "سألت أبا مجلز عن الصرف ، فقال : يدا بيد ، كان ابن عباس لا يرى به بأسا ما كان منه يدا بيد ، فأتاه أبو سعيد فقال له : ألا تتقي الله ، حتى متى يأكل الناس الربا ، أو ما بلغك أن رسول الله -عليه السلام - قال : التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة ; يدا بيد عينا بعين مثلا بمثل ، فما زاد فهو ربا ؟ ! ثم قال : وكذلك ما يكال أو يوزن أيضا ، فقال ابن عباس لأبي سعيد : جزاك الله الجنة ; ذكرتني أمرا قد كنت أنسيته ، فأنا أستغفر الله وأتوب إليه . فكان ينهى عنه بعد ذلك " .




                                                الخدمات العلمية