الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة الثالثة الإيثار في القرب مكروه . وفي غيرها محبوب . قال تعالى ( { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .

                قال الشيخ عز الدين : لا إيثار في القربات ، فلا إيثار بماء الطهارة ، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول ; لأن الغرض بالعبادات : التعظيم ، والإجلال . فمن آثر به ، فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه .

                وقال الإمام : لو دخل الوقت ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ليتوضأ به ، لم يجز ، لا أعرف فيه خلافا ; لأن الإيثار : إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس ، لا فيما يتعلق بالقرب ، والعبادات .

                وقال في شرح المهذب ، في باب الجمعة : لا يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه ، فإن قام باختياره ، لم يكره ، فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره .

                قال أصحابنا : لأنه آثر بالقربة .

                وقال الشيخ أبو محمد ، في الفروق : من دخل عليه وقت الصلاة ، ومعه ما يكفيه لطهارته ، وهناك من يحتاجه للطهارة ، لم يجز له الإيثار .

                ولو أراد المضطر : إيثار غيره بالطعام ، لاستبقاء مهجته ، كان له ذلك ، وإن خاف فوات مهجته .

                والفرق : أن الحق في الطهارة لله ، فلا يسوغ فيه الإيثار ، والحق في حال المخمصة لنفسه .

                وقد علم أن المهجتين على شرف التلف ، إلا واحدة تستدرك بذلك الطعام ، فحسن إيثار غيره على نفسه .

                قال : ويقوي هذا الفرق مسألة المدافعة ; وهي : أن الرجل إذا قصد قتله ظلما [ ص: 117 ] وهو قادر على الدفع ، غير أنه يعلم أن الدفع ربما يقتل القاصد ، فله الاستسلام .

                وقال الخطيب في الجامع : كره قوم إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة ، لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة ، والإيثار بالقرب مكروه ، انتهى .

                وقد جزم بذلك النووي في شرح المهذب ; وقال في شرح مسلم : الإيثار بالقرب مكروه ، أو خلاف الأولى ، وإنما يستحب في حظوظ النفس ، وأمور الدنيا .

                قال الزركشي : وكلام الإمام ووالده السابق : يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام ، فحصل ثلاثة أوجه .

                قلت : ليس كذلك ، بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام : كالماء ، وساتر العورة ، والمكان في جماعة لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد ، ولا تنتهي النوبة ، لآخرهم إلا بعد الوقت ، وأشباه ذلك ، وإن أدى إلى ترك سنة ، أو ارتكاب مكروه فمكروه ، أو لارتكاب خلاف الأولى ، مما ليس فيه نهي مخصوص ، فخلاف الأولى وبهذا يرتفع الخلاف .

                تنبيه :

                من المشكل على هذه القاعدة : من جاء ولم يجد في الصف فرجة ، فإنه يجر شخصا بعد الإحرام ، ويندب للمجرور أن يساعده ، فهذا يفوت على نفسه قربة ، وهو أجر الصف الأول .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية