الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا .

قوله تعالى : وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : وقالوا ذكر شيئا آخر من مطاعنهم . والضمير في ( قالوا ) لقريش ; وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهور ، وقد تقدم في ( سبحان ) ذكره ابن إسحاق في السيرة وغيره . مضمنه أن سادتهم - عتبة بن ربيعة وغيره - اجتمعوا معه فقالوا : يا محمد ! إن كنت تحب الرياسة وليناك علينا ، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا ; فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك رجعوا في باب الاحتجاج معه فقالوا : ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام ، وتقف بالأسواق ! فعيروه بأكل الطعام ; لأنهم أرادوا أن يكون الرسول ملكا ، وعيروه بالمشي في الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق ، وكان عليه السلام يخالطهم في أسواقهم ، ويأمرهم وينهاهم ; فقالوا : هذا يطلب أن يتملك علينا ، فما له يخالف سيرة الملوك ; فأجابهم الله بقوله ، وأنزل على نبيه : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق فلا تغتم ولا تحزن ، فإنها شكاة ظاهر عنك عارها .

الثانية : دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش . وكان عليه السلام يدخلها لحاجته ، ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته ، ويعرض نفسه فيها على القبائل ، لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق . وفي البخاري في صفته عليه السلام : ( ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في [ ص: 7 ] الأسواق ) وقد تقدم في ( الأعراف ) وذكر السوق مذكور في غير ما حديث ، ذكره أهل الصحيح . وتجارة الصحابة فيها معروفة ، وخاصة المهاجرين ; كما قال أبو هريرة : وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ; خرجه البخاري . وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في هذه السورة إن شاء الله .

قوله تعالى : لولا أنزل إليه ملك أي هلا . فيكون معه نذيرا جواب الاستفهام . أو يلقى إليه كنز في موضع رفع ; والمعنى : أو هلا يلقى إليه كنز أو هلا تكون له جنة يأكل منها يأكل بالياء قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم . وقرأ سائر الكوفيين بالنون ، والقراءتان حسنتان تؤديان عن معنى ، وإن كانت القراءة بالياء أبين ; لأنه قد تقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحده فأن يعود الضمير عليه أبين ; ذكره النحاس . وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا تقدم في " سبحان " والقائل عبد الله بن الزبعرى فيما ذكره الماوردي .

التالي السابق


الخدمات العلمية