الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    فصل .

                                                                                                                                                                                                    يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين [ مثل : يس ] ، ويقال : أمين . بالقصر أيضا [ مثل : يمين ] ، ومعناه : اللهم استجب ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، والترمذي ، عن وائل بن حجر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، مد بها صوته ، ولأبي داود : رفع بها صوته ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وروي عن علي ، وابن مسعود وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                    وعن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول ، رواه أبو داود ، وابن ماجه ، وزاد : يرتج بها المسجد ، والدارقطني وقال : هذا إسناد حسن .

                                                                                                                                                                                                    وعن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . رواه أبو داود . [ ص: 145 ] ونقل أبو نصر القشيري عن الحسن وجعفر الصادق أنهما شددا الميم من " آمين " مثل : ( آمين البيت الحرام ) [ المائدة : 2 ] .

                                                                                                                                                                                                    قال أصحابنا وغيرهم : ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، ويتأكد في حق المصلي ، وسواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، وفي جميع الأحوال ؛ لما جاء في الصحيحين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه ولمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، والملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى ، غفر له ما تقدم من ذنبه . [ قيل : بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان ، وقيل : في الإجابة ، وقيل : في صفة الإخلاص ] . وفي صحيحمسلم عن أبي موسى مرفوعا : إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . يجبكم الله . وقال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما معنى آمين ؟ قال : رب افعل . وقال الجوهري : معنى آمين : كذلك فليكن ، وقال الترمذي : معناه : لا تخيب رجاءنا ، وقال الأكثرون : معناه : اللهم استجب لنا ، وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن كيسان : أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح ، قاله أبو بكر بن العربي المالكي . وقال أصحاب مالك : لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم ، لما رواه مالك عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وإذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . الحديث . واستأنسوا - أيضا - بحديث أبي موسى : وإذا قرأ : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين .

                                                                                                                                                                                                    وقد قدمنا في المتفق عليه : إذا أمن الإمام فأمنوا وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ ص: 146 ] وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية حكمه ، وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به ، قولا واحدا ، وإن أمن الإمام جهرا فالجديد أنه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة ، ورواية عن مالك ؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة . والقديم أنه يجهر به ، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، والرواية الأخرى عن مالك كما تقدم : حتى يرتج المسجد .

                                                                                                                                                                                                    ولنا قول آخر ثالث : إنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم ، لأنهم يسمعون قراءة الإمام ، وإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    وقد روى الإمام أحمد في مسنده ، عن عائشة ، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود ، فقال : إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين ، ورواه ابن ماجه ، ولفظه : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ، وله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول : آمين ، فأكثروا من قول : آمين وفي إسناده طلحة بن عمرو ، وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                                    وروى ابن مردويه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : آمين : خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين . وعن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء ، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو ، وهارون يؤمن ، فاختموا الدعاء بآمين ، فإن الله يستجيبه لكم .

                                                                                                                                                                                                    قلت : ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) [ يونس : 88 ، 89 ] ، فذكر الدعاء عن موسى وحده ، ومن سياق الكلام ما يدل على أن [ ص: 147 ] هارون أمن ، فنزل منزلة من دعا ، لقوله تعالى : ( قد أجيبت دعوتكما ) [ يونس : 89 ] ، فدل ذلك على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله ؛ فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها ؛ ولهذا جاء في الحديث : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، وكان بلال يقول : لا تسبقني بآمين . فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    ولهذا قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، فتوافق " آمين " أهل الأرض " آمين " أهل السماء ، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ، ومثل من لا يقول : آمين ، كمثل رجل غزا مع قوم ، فاقترعوا ، فخرجت سهامهم ، ولم يخرج سهمه ، فقال : لم لم يخرج سهمي ؟ فقيل : إنك لم تقل : " آمين .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية