الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب المسح على الجوربين

                                                                      159 حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين قال أبو داود كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين قال أبو داود وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي قال أبو داود ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس

                                                                      التالي السابق


                                                                      باب المسح على الجوربين

                                                                      بفتح الجيم تثنية الجورب . قال في القاموس : الجورب لفافة الرجل . وفي الصحاح : الجورب معرب والجمع الجواربة والهاء للعجمة ، ويقال الجوارب أيضا [ ص: 211 ] انتهى . قال الطيبي : الجورب لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق . قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي : الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفاء وهو التسخان . ومثله في قوة المغتذي للسيوطي . وقال القاضي الشوكاني في شرح المنتقى : الخف نعل من أدم يغطي الكعبين . والجرموق أكبر منه يلبس فوقه ، والجورب أكبر من الجرموق . وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات : الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة . وقال في شرح كتاب الخرقي : الجرموق خف واسع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة . وقال المطرزي : الموق خف قصير يلبس فوق الخف . انتهى كلام الشيخ .

                                                                      وقال العلامة العيني من الأئمة الحنفية : الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد ، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب . انتهى . وقد ذكر نجم الدين الزاهدي عن إمام الحنفية شمس الأئمة الحلواني أن الجورب خمسة أنواع : من المرعزى ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق والكرباس . قال وذكر التفاصيل في الأربعة من الثخين والرقيق والمنعل وغير المنعل والمبطن وغير المبطن وأما الخامسة فلا يجوز المسح عليه . انتهى .

                                                                      فعلم من هذه الأقوال أن الجورب هو نوع من الخف إلا أنه أكبر منه ، فبعضهم يقول : هو إلى نحو الساق ، وبعضهم يقول : هو خف يلبس على الخف إلى الكعب ، ثم اختلفوا فيه : هل هو من جلد وأديم ، أو ما هو أعم منه من صوف وقطن . ففسره صاحب القاموس بلفافة الرجل . وهذا التفسير بعمومه يدل على لفافة الرجل من الجلد والصوف والقطن . وأما الطيبي والشوكاني فقيداه بالجلد . وهذا مآل كلام الشيخ الدهلوي أيضا .

                                                                      وأما الإمام أبو بكر بن العربي ثم العلامة العيني فصرحا بكونه من صوف . وأما شمس الأئمة الحلواني فقسمه إلى خمسة أنواع . فهذا الاختلاف - والله أعلم - إما لأن أهل اللغة اختلفوا في تفسيره وإما لكون الجورب مختلف الهيئة والصنعة في البلاد المتفرقة ، ففي بعض الأماكن كان يتخذ من أديم ، وفي بعضها من كل الأنواع ، فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده ، ومنهم من فسره بكل ما يوجد في البلاد بأي نوع كان .

                                                                      ( والنعلين ) : قال مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس : النعل ما وقيت به [ ص: 212 ] القدم من الأرض كالنعلة مؤنثة وجمعه نعال بالكسر . وقال ابن حجر المكي في شرح شمائل الترمذي : وأفرد المؤلف أي الترمذي الخف عنها بباب لتغايرهما عرفا بل لغة إن جعلنا من الأرض قيدا في النعل . قال الشيخ أحمد الشهير بالمقري في رسالته المسماة بفتح المتعال في مدح خير النعال : إن ظاهر كلام صاحب القاموس وبعض أئمة اللغة أنه قيد فيه ، وقد صرح بالقيدية ملا عصام الدين فإنه قال : ولا يدخل فيه الخف لأنه ليس مما وقيت به القدم من الأرض . انتهى . ومعناه أن النعلين لبسهما فوق الجوربين كما قاله الخطابي . فمسح على الجوربين والنعلين معا ، فلا يستدل به على جواز مسح النعلين فقط . قال الطحاوي : مسح على نعلين تحتهما جوربان ، وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا إلى نعليه ، وجورباه مما لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما ، فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين ، فأتى ذلك على الجوربين والنعلين ، فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر به ومسحه على النعلين فضل . انتهى كلامه .

                                                                      [ ص: 213 ] وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ، فالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والثوري وعبد الله بن المبارك ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ذهبوا إلى جواز مسح الجوربين سواء كانا مجلدين أو منعلين أو لم يكونا بهذا الوصف بل يكونان ثخينين فقط بغير نعل وبلا تجليد ، وبه قال أبو حنيفة في أحد الروايات عنه ، واضطربت أقوال علماء الشافعية في هذا الباب وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم ، وكذا من الصوف وكذا من القطن ، ويقال لكل من هذا إنه جورب . ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين اللذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف سواء كانا منعلين أو ثخينين فقط ولم يثبت هذا قط . فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين ، بل يقال إن المسح يتعين على الجوربين المجلدين لا غيرهما ، لأنهما في معنى الخف ، والخف لا يكون إلا من الأديم . نعم لو كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم : امسحوا على الجوربين لكان يمكن الاستدلال بعمومه على كل أنواع الجورب ، وإذ ليس فليس . فإن قلت : لما كان الجورب من الصوف أيضا احتمل أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذا لم يبين الراوي ، قلت : نعم ، الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من أديم وكذا من قطن ، لكن ترجح الجانب الواحد وهو كونه من أديم ، لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ، ويجوز المسح عليه قطعا ، وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه أحمد في مسنده والنسائي عن الحسن بن علي وغير واحد من الأئمة وهو حديث صحيح . نعم أخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال : كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه ، وسنده صحيح والله أعلم وعلمه أتم .

                                                                      قال في غاية المقصود بعدما أطال الكلام : هذا ما فهمت ومن كان عنده علم بهذا من السنة فكلامه أحق بالاتباع . قال المنذري : وأخرجه الترمذي [ ص: 214 ] وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

                                                                      ( وروي هذا أيضا ) : الحديث أخرجه ابن ماجه ولفظه : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم قالا حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين قال المعلى في حديثه لا أعلمه إلا قال والنعلين ( وليس بالمتصل ) : لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى ، وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به قاله البيهقي . والمتصل ما سلم إسناده من سقوط في أوله أو آخره أو وسطه بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه ( ولا بالقوي ) : أي الحديث مع كونه غير متصل ليس بقوي من جهة ضعف راويه وهو أبو سنان عيسى بن سنان . قال الذهبي : ضعفه أحمد وابن معين وهو مما يكتب حديثه على لينه وقواه بعضهم يسيرا . وقال العجلي : لا بأس به . وقال أبو حاتم : ليس بقوي . انتهى وكذا ضعفه العقيلي والبيهقي . [ ص: 215 ] ( ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب ) : أخرج عبد الرزاق في مصنفه : أخبرني الثوري عن الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال : رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي ( وابن مسعود ) : أخرج عبد الرزاق في مصنفه : أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه ( والبراء بن عازب ) : أخرج عبد الرزاق في مصنفه : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال : رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه ( وأنس بن مالك ) : أخرج عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين ( وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ) : لم أقف على روايات هؤلاء الثلاثة ( وروي ذلك ) : أي المسح على الجوربين ( عن عمر بن الخطاب وابن عباس ) : لم أقف على روايتهما أيضا .




                                                                      الخدمات العلمية