الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين

الإحسان داخل في عموم ابتغاء الدار الآخرة ، ولكنه ذكر هنا ليبني عليه الاحتجاج بقوله : كما أحسن الله إليك . والكاف للتشبيه ، و " ما " مصدرية ، أي كإحسان الله إليك ، والمشبه هو الإحسان المأخوذ من أحسن أي إحسانا شبيها بإحسان الله إليك . ومعنى الشبه : أن يكون الشكر على كل نعمة من جنسها . وقد شاع بين النحاة تسمية هذه الكاف كاف التعليل ، ومثلها قوله تعالى : واذكروه كما هداكم . والتحقيق أن التعليل حاصل من معنى التشبيه وليس معنى مستقلا من معاني الكاف .

وحذف متعلق الإحسان لتعميم ما يحسن إليه ، فيشمل نفسه وقومه ودوابه ومخلوقات الله الداخلة في دائرة التمكن من الإحسان إليها . وفي الحديث : إن [ ص: 180 ] الله كتب الإحسان على كل شيء فالإحسان في كل شيء بحسبه ، والإحسان لكل شيء بما يناسبه ، حتى الأذى المأذون فيه فبقدره ، ويكون بحسن القول وطلاقة الوجه وحسن اللقاء .

وعطف " لا تبغ الفساد في الأرض " للتحذير من خلط الإحسان بالفساد ؛ فإن الفساد ضد الإحسان ، فالأمر بالإحسان يقتضي النهي عن الفساد ، وإنما نص عليه لأنه لما تعددت موارد الإحسان والإساءة فقد يغيب عن الذهن أن الإساءة إلى شيء مع الإحسان إلى أشياء يعتبر غير إحسان .

والمراد بالأرض أرضهم التي هم حالون بها ، وإذ قد كانت جزءا من الكرة الأرضية فالإفساد فيها إفساد مظروف في عموم الأرض ، وقد تقدمت نظائره منها في قوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها في سورة البقرة .

وجملة إن الله لا يحب المفسدين علة للنهي عن الإفساد ؛ لأن العمل الذي لا يحبه الله لا يجوز لعباده عمله ، وقد كان قارون موحدا على دين إسرائيل ، ولكنه كان شاكا في صدق مواعيد موسى وفي تشريعاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية