الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير من جملة القول المأمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقوله .

والفاء فصيحة تفصح عن شرط مقدر ، والتقدير : فإذا علمتم هذه الحجج وتذكرتم ما حل بنظرائكم من العقاب وما ستنبئون به من أعمالكم فآمنوا بالله ورسوله والقرآن ، أي بنصه .

[ ص: 273 ] والمراد بالنور الذي أنزل الله القرآن ، وصف بأنه نور على نور على طريقة الاستعارة لأنه أشبه النور في إيضاح المطلوب باستقامة حجته وبلاغة كلامه قال تعالى وأنزلنا إليكم نورا مبينا . وأشبه النور في الإرشاد إلى السلوك القويم وفي هذا الشبه الثاني تشاركه الكتب السماوية ، قال تعالى إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ، وقرينة الاستعارة قوله الذي أنزلنا ، لأنه من مناسبات المشبه لاشتهار القرآن بين الناس كلهم بالألقاب المشتقة من الإنزال والتنزيل عرف ذلك المسلمون والمعاندون . وهو إنزال مجازي أريد به تبليغ مراد الله إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تقدم عند قوله تعالى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك في سورة البقرة وفي آيات كثيرة .

وإنما جعل الإيمان بصدق القرآن داخلا في حيز فاء التفريع لأن ما قبل الفاء تضمن أنهم كذبوا بالقرآن من قوله ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا كما قال المشركون من أهل مكة والإيمان بالقرآن يشمل الإيمان بالبعث فكان قوله تعالى ( والنور الذي أنزلنا ) شاملا لما سبق الفاء من قوله زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا إلخ .

وفي قوله ( الذي أنزلنا ) التفات من الغيبة إلى المتكلم لزيادة الترغيب في الإيمان بالقرآن تذكيرا بأنه منزل من الله لأن ضمير التكلم أشد دلالة على معاده من ضمير الغائب ، ولتقوية داعي المأمور .

وجملة والله بما تعملون خبير تذييل لجملة فآمنوا بالله ورسوله يقتضي وعدا إن آمنوا ووعيدا إن لم يؤمنوا .

وفي ذكر اسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلة جارية مجرى المثل والكلم الجوامع ، ولأن الاسم الظاهر أقوى دلالة من الضمير لاستغنائه عن تطلب المعاد . وفيه من تربية المهابة ما في قول الخليفة أمير المؤمنين يأمركم بكذا .

والخبير : العليم ، وجيء هنا بصفة الخبير دون : البصير ، لأن ما يعلمونه منه محسوسات ومنه غير محسوسات كالمعتقدات ، ومنها الإيمان بالبعث ، فعلق بالوصف الدال على تعلق العلم الإلهي بالموجودات كلها ، بخلاف قوله فيما [ ص: 274 ] تقدم هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير فإن لكفر الكافرين وإيمان المؤمنين آثارا ظاهرة محسوسة فعلقت بالوصف الدال على تعلق العلم الإلهي بالمحسوسات .

التالي السابق


الخدمات العلمية