الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الشبهة الثالثة ) أن الدلائل على وجوب فهم القرآن في الصلاة وتدبره فيها وفي خارجها صريحة ، والآيات الواردة فيها محكمة ، ولا يتم أداء هذا الواجب إلا بترجمة القرآن بلغات جميع الشعوب العجمية التي تدين بالإسلام . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

                          والجواب عن هذه الشبهة من وجهين : ( أحدهما ) أن الفهم والتدبر وما يراد بهما من الخشوع والاعتبار إنما يتم بتعلم المسلمين للغة الكتاب الإلهي لا بتحويل الكتاب الإلهي إلى لغاتهم كلها ، كما فصله الإمام الشافعي في رسالة الأصول ، وأقره جميع المسلمين لسبق [ ص: 291 ] الإجماع وجريان العمل على ذلك في الصدر الأول ، ويؤكده أن ترجمة القرآن ترجمة صحيحة تؤدي ما فيه من المعاني والتأثير كما أراد الله تعالى متعذرة ومستلزمة لتغيير كلام الله ، وهذا دليل وسند للإجماع على تحريمها فتعين أن يكون المسلمون تابعين لما أنزل الله تعالى دون أن يكون ما أنزله تعالى تابعا للغاتهم . ولا يعقل أن يؤثر المؤمن بالله وبكتابه ورسوله لغة قومه على لغة كتاب الله ورسوله ; ولهذا كان قدماء العجم من المسلمين يزاحمون العرب بالمناكب في تلقي العربية من أعراب البادية ، وفي جميع علومها وفنونها وآدابها كعلوم الشريعة نفسها ، وذلك أن إيمانهم كان برهانيا وجدانيا ، وما أحدث التنافس بين لغة الدين الذي عليه مدار سعادة الدارين ولغة الآباء من العجم إلا بعض زنادقة الفرس الأولين وملاحدة الترك المتأخرين ، وأما قدماء مسلمي الترك الذين أعرضوا عن العربية وفنونها فكانت آفتهم الجهل ، فالخوف من عودة السلطان والسيادة إلى العرب - وهذا هو الذي أعدهم لقبول دسائس الإفرنج بالدعوة إلى عصبية الجنس واللغة التي قوضت سلطنتهم ( إمبراطوريتهم ) العظمى بجهلهم .

                          ( ثانيهما ) أن ما لا بد منه من التلاوة في الصلاة وهو الفاتحة وبعض الآيات أو السور القصيرة يمكن أن يفسر لكل مسلم بحفظه تفسيرا يتمكن به من فهم معناه ، والاعتبار به فهو لا يتوقف على ترجمته وتسميتها كلام الله كذبا على الله ، وخلافا لنص كتاب الله وإجماع المسلمين - فضلا عن ترجمة جميع القرآن كذلك .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية