الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 283 ] حديث خامس وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

التالي السابق


وهذا الحديث محفوظ مشهور من حديث أبي هريرة ، وقد رواه مالك مسندا ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة إلا أنهم قد تكلموا في إسناده هذا ، وقد روي من حديث الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس دون الزهري من يحتج به .

فأما حديث مالك ، عن ابن عجلان في ذلك ، فحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا مالك بن عيسى القفصي قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للعبد طعامه ، وكسوته بالمعروف ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

[ ص: 284 ] قال أبو داود : هذا الحديث إنما يرويه ابن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ولكن هكذا قال مالك .

قال أبو عمر :

هو كما قال أبو داود ، إلا أنا قد وجدنا الثوري تابع مالكا على ذلك .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، عن محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا حمزة بن محمد ، حدثنا عبد الله بن علي النيسابوري ، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن قاسم ، حدثنا مالك بن عيسى الحافظ ، قال : وحدثناه الفضل بن الحسن البهراني ، حدثنا محمد بن عامر ، حدثنا أبي ، عن النعمان ، عن [ ص: 285 ] مالك ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

قال أبو عمر :

هذا الحديث لم يكن يعرف مسندا من حديث مالك إلا برواية إبراهيم بن طهمان عنه ، وقد ذكره مالك بن عيسى ، وكان محدثا محسنا من طريق النعمان ، عن مالك ، ولا أدري من النعمان هذا ; لأنه لم ينسبه ، وربما كان النعمان بن راشد ، فإن كان النعمان بن راشد ، فهو في قصد مالك لروايته ، عن الزهري ، ولا أدري من هو .

وأما الحديث فمحفوظ معروف من حديث ابن عجلان ، عن بكير ، عن عجلان ، عن أبي هريرة هكذا يرويه الناس ، وهو طريقه المعروف ، إلا أن مالكا ، والثوري قد روياه ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة كما رأيت ، وأما غيرهما فإنما يروونه ، عن ابن عجلان ، عن بكير بن الأشج ، عن العجلان ، عن أبي هريرة .

أخبرنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عفان قال : حدثنا وهيب قال : أخبرنا محمد بن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن عجلان أبي محمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

[ ص: 286 ] أخبرنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المدني قال : حدثنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان ابن عيينة قال : حدثنا ابن عجلان ، عن بكير بن الأشج ، عن عجلان أبي محمد ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان قال : أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن عجلان يعني أبا محمد بن عجلان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك كسوته ، وطعامه ، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني ابن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، أن العجلان أبا محمد حدثه قبل وفاته أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه ، وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق .

وكذلك رواه سعيد بن أبي أيوب ، وعبد العزيز الدراوردي قالا : حدثنا محمد بن عجلان ، عن بكير بن عبد الله ، عن العجلان ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

لم يقل واحد منهم ، عن ابن عجلان في هذا الحديث : بالمعروف إلا مالك وحده ، فإنه قال فيه : بالمعروف ، وهي لفظة حسنة تحتمل [ ص: 287 ] التأويل ، وقد جعلها قوم معارضة لقوله - عليه السلام - أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وهذا الحديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة من حديث ابن عباس ، وعبادة ، وأبي ذر ، وغيرهم ، وأحسنها حديث أبي ذر ، وغيرها مختلف في ألفاظها ، وأسانيدها .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عيسى بن يونس .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن المعروف بن سويد قال : دخلنا على أبي ذر بالربذة ، فإذا عليه برد ، وإذا على غلامه مثله ، فقلنا : يا أبا ذر لو أخذت برد غلامك إلى بردك ، فكانت حلة ، وكسوته ثوبا غيره فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليكسه مما يلبس ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه مما يغلبه فليعنه ، وهذا لفظ حديث عيسى بن يونس ، وحديث أبي معاوية مثله بمعناه سواء ، إلا أنه لم يقل : فإن كلفه ما يغلبه فليعنه ، وقال : من جعل قوله بالمعروف معارضا لقوله : أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، قالوا : المعروف أن العبد لا يساوي سيده في مطعم ، ولا ملبس ، وحسبه أن يكسوه ، ويطعمه ما يعرف لمثله من المطعم ، والملبس ، قالوا : وقوله أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، هو أمر معناه الندب [ ص: 288 ] والاستحسان ، وليس ذلك عليهم بواجب ، وعلى هذا مذهب العلماء قديما وحديثا ، لا أعلم بينهم فيه اختلافا ، ومما يدل على صحة ما ذكرنا ما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى بن محمد قال : حدثنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن القرشي الجمحي بمكة ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما - وقد ولي حره ودخانه - فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام قليلا ، فليضع في يده منه أكلة ، أو أكلتين ، قال داود : يعني لقمة أو لقمتين .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الهيثم قال : حدثنا الحنيني ، عن داود بن قيس ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا جاء خادم أحدكم بطعامه ، قد ولي حره ودخانه ، فليقل له اجلس ، فإن أبى فليتناوله لقمة ، أو لقمتين ، وأشار الحنيني بيده ، وهذا يدل على أنه ليس عليه أن يكون طعامه ، وطعام غلامه واحدا سواء ، فإن فعل ، فقد أحسن ، وإن لم يفعل فلا حرج ، والذي أحب له أن لا يخيبه مما يتناول له عمله ، ويقدمه بين يديه .

وفي حديث هذا الباب أيضا ، دليل على وجوب نفقة المماليك على مالكيهم ، وأجمع العلماء على أن نفقة المماليك واجبة على ساداتهم بالمعروف صغارا كانوا أو كبارا ، زمنى كانوا أو أقوياء ، يلزم السيد [ ص: 289 ] النفقة على مملوكه ، ويجبر على ذلك ; لأنه له من الإنفاق ، أو البيع أو العتق ، وللسيد أن يستعمل عبده ، وأمته في كل ما يطيق كل واحد منهما ، ويحسنه ، ويخارجه في ذلك إن شاء .

ومن الدليل على وجوب نفقة المملوك على سيده ، حديث أبي هريرة في ذلك ، حدثناه أحمد بن فتح قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا عاصم ابن بهدلة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خير الصدقة ما أبقى غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول . ثم اتبع الحديث : تقول امرأتك أنفق علي ، أو طلقني ، ويقول مملوكك : أنفق علي ، أو بعني ، ويقول ولدك : إلى من تكلني . فهذا بين في وجوب نفقات الزوجات ، والبنين ، والمماليك ، وليس في ، وجوب نفقة المماليك ذكرانا كانوا ، أو إناثا بالمعروف ، اختلاف على قدر ( حال ) المملوك ، أو المملوكة .

أخبرنا عبد الرحمن ، حدثنا علي ، حدثنا أحمد ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : لا يتصدق المملوك من مال سيده بشيء له بال إلا بإذنه ، وكذلك لا يصيب من ماله شيئا إلا بإذنه ، ولا أرى عليه بأسا أن يسقى من لبن ماشيته إذا وليها ظمآنا يمر به ، وأن ينبل من ذلك بالمعروف من غشيه . قال يونس : وسألت ربيعة عن ذلك ، فقال : لا إلا من الطعام يأكله أو نحوه ، ولا بأس عليه إن ولي لسيده حائطا ، فأتاه مسكين أن يناوله القبضة ، ونحوها .




الخدمات العلمية