الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5910 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا .

كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر . فقل الماء فقال : ( اطلبوا فضلة من ماء ) فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : ( حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ) ولقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل
. رواه البخاري .

التالي السابق


5910 - ( وعن عبد الله بن مسعود قال : كنا نعد الآيات ) ، أي : المعجزات والكرامات ( بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ) ، أي : إنذارا وهلكة . قال شارح : وسميت آية لأنها علامة نبوته ، فقيل : أراد ابن مسعود - رضي الله عنه - بذلك أن عامة الناس لا ينفع فيهم إلا الآيات التي نزلت بالعذاب والتخويف ، وخاصتهم يعني الصحابة كان ينفع فيهم الآيات المقتضية للبركة اهـ . وحاصله أن طريق الخواص مبني على غلبة المحبة والرجاء ، وسبيل العوام مبني على كثرة الخوف والعناء ، ويسمى الأولون بالطائرين المجذوبين المرادين ، والآخرون بالسائرين السالكين المريدين ، وتفصيل هذا المرام مما لا يقتضيه المقام . قال الطيبي قوله : وأنتم تعدونها تخويفا هو من قوله تعالى : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا والآيات إما أن يراد بها المعجزات ، أو آيات الكتاب المنزلة ، وكلاهما بالنسبة إلى المؤمن الموافق بركة وازدياد في إيمانه ، وبالنسبة إلى المخالف المعاند إنذار وتخويف . يعني لا نرسلها إلا تخويفا من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له ، وفيه مدح للصحابة الذين استعدوا بصحبة خير البرية ولزموا طريقته ، وذم لمن عدل عن الطريق المستقيم قلت . إيراد الآية المذكورة في هذا المقام غير مناسب للمرام ، فإن معناها على ما قاله المفسرون : وما نرسل بالآيات ، أي : بالآيات المقترحة كما يدل عليه ما قبله من قوله : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها .

[ ص: 3809 ] وقوله : إلا تخويفا أي : من نزول العذاب المستأصل ، فإن لم يخافوا نزل ، أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة ، فإن أمر من بعث إليهم مؤخر إلى يوم القيامة ، فالتخويف مطلوب من المؤمنين على كلا المعنيين على ما نطق به الكتاب على أبلغ وجه ، وأكده حيث أتى بصيغة الحصر ، فكيف يستقيم لابن مسعود - رضي الله عنه - أن ينكر عليهم في عدها تخويفا ؟ قتبين أن مراده غير هذا المعنى ما تقدم والله أعلم .

والأظهر أن يقال : معناه كنا نعد خوارق العادات الواقعة من غير سابقة طلب مما يترتب عليها البركة آيات ومعجزات ، وأنتم تحصرون خوارق العادات على الآيات المقترحة التي يترتب عليها مخافة العقوبة ، ويدل عليه بيانه لقوله : ( كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقل الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناء فيه قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : حي على الطهور ) : بفتح الطاء أي الماء ( المبارك ) ، أي : الكثير البركة ، والمعنى هلموا إليه وأسرعوا ( والبركة من الله ) ، أي : لا من أحد سواه . ( ثم قال ابن مسعود : ولقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله ، ولقد كنا ) ، أي : أحيانا ( نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) . وذكر صاحب الشفاء وغيره عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كفا من حصى فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح ( رواه البخاري ) : وكذا الترمذي .




الخدمات العلمية