الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2328 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه سلم - " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله فيغفر لهم " . رواه مسلم ) .

التالي السابق


2328 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده ) أي : إيجادها وإمدادها بقدرته وقوته ( لو لم تذنبوا ) أي : أيها المكلفون ، أو أيها المؤمنون ( لذهب الله بكم ) : الباء للتعدية كما في قوله : ( ولجاء بقوم ) أي : آخرين من جنسكم أو من غيركم ( يذنبون ) أي : يمكن وقوع الذنب منهم ويقع بالفعل عن بعضهم ( فيستغفرون الله ) أي : فيتوبون ، أو يطلبون المغفرة مطلقا ( فيغفر لهم ) : لاقتضاء صفة الغفار والغفور ذلك . قال زين العرب : فيه تحريض على استيلاء الرجاء على الخوف . وقال الطيبي : ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب ، كما يتوهمه أهل الغرة بالله ، فإن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب ، بل بيان لعفو الله - تعالى - وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة ، والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين ، وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه : الغفار ، الحليم ، التواب ، العفو ، ولم يكن ليجعل العباد شأنا واحدا ، كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب ، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلى الهوى متلبسا بما يقتضيه ، ثم يكلفه التوقي عنه ، ويحذره عن مداناته ، ويعرفه التوبة بعد الابتلاء ، فإن وفى فأجره على الله ، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - به أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب ، فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة ، فإن الغفار يستدعي مغفورا ، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا .

قال الطيبي : وتصدير الحديث بالقسم رد لم ينكر صدور الذنب عن العباد ويعده نقصا فيهم مطلقا ، وإن الله لم يرد من العباد صدوره كالمعتزلة ومن سلك مسلكهم ، فنظروا إلى ظاهره وأنه مفسدة ، ولم يقفوا على سره أنه مستجلب للتوبة التي هي توقع محبة الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ولله أشد فرحا بتوبة عبده ، الحديث . ولعل السر في هذا إظهار صفة الكرم والحلم والغفران ، ولو لم يوجد لانثلم طرف من ظهور صفات الألوهية ، والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه يتجلى له بصفات الجلال والإكرام ، والقهر واللطف والإنعام ، والملائكة لما نظروا إلى القهر والجلال قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .

[ ص: 1616 ] ( والله تعالى حين نظر إلى صفة اللطف والإكرام قال : إني أعلم ما لا تعلمون وإلى هذا المعنى يلمح قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لذهب الله بكم " ولم يكتف بقوله : " ولم يذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون " . اهـ . فهو نظير ما ورد : " كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون " . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية