الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2345 - وعن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى جعل بالمغرب بابا ، عرضه مسيرة سبعين عاما للتوبة ، لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله ، وذلك قول الله عز وجل : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل . رواه الترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


2345 - ( وعن صفوان بن عسال ) : بفتح العين وتشديد السين المهملتين ، صحابي معروف ، نزل الكوفة كذا في التقريب ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى جعل بالمغرب بابا ) أي : حسيا أو معنويا ( عرضه مسيرة سبعين عاما ) أي : فكيف طوله ، وهو مبالغة في توسعته ( للتوبة ) أي : مفتوحة لأصحاب التوبة ، أو علامة لصحة التوبة وقبولها ( لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله ) أي : من جانب الباب ، قاله ابن الملك ، والظاهر من قبل المغرب كما قاله ابن حجر ، ثم قال : وهذا يحتمل أن يكون حقيقة وهو الظاهر ، وفائدة إغلاقه إعلام الملائكة بسد باب التوبة وأن يكون تمثيلا .

قال الطيبي : يعني أن باب التوبة مفتوح على الناس ، وهم في فسحة ووسعة عنها ما لم تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت سد عليهم ، فلم يقبل منهم إيمان ولا توبة ، لأنهم إذا عاينوا ذلك واضطروا إلى الإيمان والتوبة ، فلا ينفعهم ذلك ، كما لا ينفع المحتضر ، ولما كان سد الباب من قبل المغرب جعل فتح الباب من قبله أيضا ، وقول : مسيرة سبعين عاما مبالغة في التوسعة ، أو تقدير لعرض الباب بمقدار ما يسده جرم الشمس الطالع من المغرب . ( وذلك ) أي : طلوع الشمس من مغربها المانع من قبول التوبة ( قول الله تعالى ) أي : معنى قوله : [ ص: 1625 ] يوم يأتي بعض آيات ربك أي : بعض علامات يظهرها ربك إذا قربت القيامة لا ينفع نفسا إيمانها أي : حينئذ حال كونها لم تكن آمنت من قبل أي : من قبل إتيان بعض آياته وهو الطلوع المذكور ، وتتمة الآية : أو كسبت في إيمانها خيرا عطفا على آمنت أي : أو لم تكن النفس كسبت في حال إيمانها توبة من قبل ، وبهذا التقدير تظهر المناسبة التامة بين الحديث والآية ، ويكون معاينة طلوع الشمس نظير معاينة حضور الموت في عدم نفع الإيمان والتوبة عند حصول كل منهما ، وبه يندفع استدلال أهل الاعتزال على أن الإيمان المجرد عن الأعمال لا ينفع شيئا في المآل ، ففي شرح الطيبي للكشاف : ( لم تكن آمنت من قبل ) صفة لقوله : ( نفسا ) وقوله : أو كسبت في إيمانها خيرا عطف على ( آمنت ) والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات لمجيئه ذهب أوان التكليف عندها ، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمته من قبل ظهور الآيات ، أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها ، فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة ، إذا آمنت في غير وقت الإيمان ، وبين النفس التي آمنت في وقتها ولم تكسب خيرا ، ليعلم أن قوله : والذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى ، حتى يفوز صاحبها ويسعد ، وإلا فالشقاوة والهلاك .

قال الطيبي رحمه الله : والجواب أنه إن حمل على ما قال لم يفد قوله : ( في إيمانها ) لما يلزم من العطف على ( آمنت ) حصول الكسب في الإيمان ، فالوجه أن يحمل على اللف التقديري بأن يقال : لا ينفع نفسا إيمانها حينئذ أو كسبها في إيمانها خيرا حينئذ لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا من قبل ، والإيجاز من حلية التنزيل . اهـ . وممن ذكره : ابن عطية وابن الحاجب وابن هشام ، ومما يؤيد تقريري وتحريري أيضا الحديث الآتي . ( رواه الترمذي وابن ماجه ) .




الخدمات العلمية