الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

4938 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر ، فمالوا إلى غار في الجبل ، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فأطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة ، فادعوا الله بها لعله يفرجها ، فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وإنه قد نأى بي الشجر ، فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب ، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء . ففرج الله لهم حتى يرون السماء . قال الثاني : إنه كانت لي بنت عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فطلبت إليها نفسها ، فأبت حتى آتيها بمائة دينار ، فسعيت حتى جمعت مائة دينار ، فلقيتها ، فلما قعدت بين رجليها ، قالت : يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم ، فقمت عنها . اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج لنا منها ، ففرج لهم فرجة . وقال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز ، فلما قضى عمله قال : أعطني حقي ، فعرضت عليه حقه ، فتركه ورغب عنه ، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها ، فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي ، فقلت : اذهب إلى ذلك البقر وراعيها ، فقال : اتق الله ولا تهزأ بي ، فقلت : إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها . فأخذه فانطلق بها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج ما بقي ففرج الله عنهم " . متفق عليه .

التالي السابق


الفصل الثالث

4938 - ( عن ابن عمر - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينما ) بالميم ( ثلاثة نفر ) ، بالإضافة البيانية ( يتماشون ) بفتح الشين أي : يسيرون في طريق ( أخذهم المطر ) ، أي : جاءهم بكثرة ( فمالوا إلى غار في الجبل ، فانحطت ) أي : نزلت ووقعت ( على فم غارهم صخرة ) أي : حجر كبير من الجبل ( فأطبقت ) أي : الصخرة ( عليهم ) وأغلقت عليهم باب الغار وغطتهم ( فقال بعضهم لبعض : انظروا ) أي : تفكروا وتذكروا ( أعمالا عملتموها لله صالحة ) ، صفة أخرى لأعمال أي : خالصة لوجهه لا رياء ولا سمعة فيها ، يدل عليه قوله : ابتغاء وجهك فيما بعد . كذا قاله الطيبي ، وقال السيد جمال الدين : الأظهر أن يقال : صالحة صفة لأعمال ، وفي العبارة تقديم وتأخير أي : انظروا أعمالا صالحة لله ، فأخرج بالقيد الأول الأعمال الغير الصالحة ، وبالثاني الغير الصالحة لله ، ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله . قلت : لا شك أن كلا من صالحة ولله صفة لأعمالا ، سواء أخرت إحداهما أو قدمت ، وإنما حمل الطيبي الثانية على أنها صفة مؤكدة ; لأن الأعمال التي عملت لا تكون إلا صالحة ، لكن قوله يدل عليه قوله : ابتغاء وجهك فيما بعد مستدرك ; لأنه فهم من قوله : لله ، نعم كلام السيد له وجه وجيه ، وتنبيه نبيه ، لكن على روايته التي ذكرها ، فإنه لا يلزم من الأعمال الصالحة أن تكون خالصة لله ، ولذا قيل : الخلق كلهم هلكى إلا العالمون ، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون ، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم . ( فادعوا الله بها ) أي : بتلك الأعمال الصالحة وبجعلها شفيعة ووسيلة إلى إجابة الدعوة ( لعله ) أي : على رجاء أنه تعالى أو لكي ( يفرجها ) بتشديد الراء المكسورة ، وفي نسخة بفتح أوله وتخفيف الراء أي : يزيل الصخرة ، أو يكشف الكربة ، ففي القاموس : فرج الله الغم يفرجه : كشفه كفرجه ( فقال أحدهم : اللهم إنه ) أي : الشأن ( كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية ) بكسر فسكون جمع صبي أي : ولي أيضا أطفال ( صغار كنت أرعى عليهم ) قال ابن الملك أي : أرعى ماشيتهم . قال الجوهري : يقال فلان يرعى على أبيه أي : يرعى غنمه . اهـ .

[ ص: 3094 ] والتحقيق ما ذكره الطيبي من أن الرعي ضمن معنى الإنفاق ، فعدي بعلى أي : أنفق عليهم راعيا الغنيمات وكذا قوله : ( فإذا رحت عليهم ) ضمن معنى رددت أي : إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع مبيتهم ( فحلبت ) : عطف على رحت وقوله : ( بدأت بوالدي ) جواب إذا وقوله : ( أسقيهما ) : بفتح الهمزة ويضم ( قبل ولدي ) ، بفتحتين وبضم الواو ويسكن اللام أي : أولادي ، إما حال أو استئناف بيان للعلة ( وإنه ) أي : الشأن ( قد نأى بي الشجر ) ، أي : بعد بي طلب المرعى يوما ، وفي نسخة ناء بهمز بعد الألف ، وهو كرواية ابن ذكوان عن ابن عامر في قوله تعالى : ونأى بجانبه قال النووي ، وفي بعض نسخ مسلم : نأى بجعل الهمزة قبل الألف ، وبه قرأ أكثر القراء السبعة ، وهما لغتان أي صحيحتان ( فما أتيت ) أي : إليهم لبعد المرعى عنهم ( حتى أمسيت ) أي : دخلت في المساء جدا ( فوجدتهما قد ناما ) ، أي : من الضعف أو من غلبة الانتظار وكثرة الإبطاء ( فحلبت كما كنت أحلب ) ، بضم اللام ويجوز كسره على ما في القاموس ( فجئت ) أي : إليهما ( بالحلاب ) : بكسر أوله ، وهو الإناء الذي يحلب فيه ، قيل : وقد يراد بالحلاب هنا اللبن المحلوب ذكره الطيبي ، فيكون مجازا بذكر المحل لإرادة الحال ، والأظهر أنه أتى بالحلاب الذي فيه المحلوب استعجالا ( فقمت ) أي : وقفت ( على رؤوسهما ) أي : عند رؤوسهما كما في نسخة صحيحة ( أكره أن أوقظهما ) ، استئناف بيان أو حال ( وأكره ) يعني : أيضا ( أن أبدأ بالصبية قبلهما ) أي : مع أنهم غير نائمين لأجل الجوع ( والصبية يتضاغون ) بفتح الغين المعجمة أي : يضجون ويصيحون من الجوع ( عند قدمي ) ، بفتح الميم وتشديد الياء ، وفي نسخة بالكسر والتخفيف والجملة حالية ( فلم يزل ذلك ) أي : ما ذكر من الوقوف وغيره ( دأبي ودأبهم ) بالنصب ، وفي نسخة بالرفع أي عادتي وعادتهم ، والضمير للوالدين والصبية ( حتى طلع الفجر ) ، انشق الصبح وظهر نوره ، والمعنى : أنه حينئذ سقيتهما أولا ، ثم سقيتهم ثانيا تقديما لإحسان الوالدين على المولودين لتعارض صغرهم بكبرهما ، فإن الرجل الكبير يبقى كالطفل الصغير ، ومن لم يصدق بذلك أبلاه الله بما هنالك ( فإن كنت ) أي : يا ألله ( تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ) ، والترديد في أن عمله ذلك هل اعتبر عند الله لإخلاص فيه أو لا لعدمه ( فافرج ) بهمز وصل وضم راء وفي نسخة بهمز قطع وكسر راء . قال ميرك : بهمزة الوصل وضم الراء من الفرج ، ويجوز بهمز القطع وكسر الراء من الإفراج أي : اكشف ( لنا فرجة ) بضم الفاء ويفتح ( نرى منها السماء ، ففرج ) بتخفيف الراء ويكسر أي : كشف ( الله لهم حتى يرون السماء ) بإثبات النون كما في بعض نسخ شرح السنة ، فيكون حكاية حال ماضية كقولك : شربت الإبل حتى يخرج بطنه ، وفي بعضها بإسقاطه ، وحينئذ يضم الواو وصلا للالتقاء .

( قال الثاني : اللهم إنه ) أي : الشأن ( كانت لي بنت عم أحبها ) قال الطيبي : ذكر ضمير الشأن والمذكور في التفسير مؤنث ، وهذا يدل على جواز ذلك . اهـ . وقال العسقلاني : وقع في كلام الأول : اللهم إنه والثاني اللهم إنها ، والثالث اللهم إني ، وهو من التفنن ، وإنه في الأول ضمير الشأن ، وفي الثاني للقصة وناسب ذلك أن القصة في امرأة . اهـ . فهذا الكلام يدل على أن رواية البخاري وقعت أنها في كلام الثاني خلاف المشكاة ، ذكره ميرك ، والظاهر أن عبارة المشكاة مأخوذة من مسلم لفظا ، ويكون قوله متفقا عليه معنى ( كأشد ما يحب الرجال النساء ) ، أي : حبا شديدا نحو قوله تعالى : يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله

[ ص: 3095 ] قال الطيبي : صفة مصدر محذوف ، و ( ما ) مصدرية أي : أحبها حبا مثل أشد حب الرجال النساء ، أو حالا أي : أحبها مشابها حبي أشد حب الرجال النساء ، ونظيره قوله تعالى : يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ، فإن قوله تعالى : ( أشد خشية ) حال على تقدير مشبهين أشد خشية من أهل خشية الله ( فطلبت إليها نفسها ) ، فيه تضمين معنى الإرسال أي : أرسلت إليها طالبا نفسها ( فأبت حتى آتيها ) : بالنصب وفي نسخة بالسكون على حكاية الحال الماضية أي : أجيئها ( بمائة دينار ، فسعيت حتى جمعت مائة دينار ، فلقيتها ) أي : أتيتها ( بها ، فلما قعدت بين رجليها . قالت : يا عبد الله ) يحتمل الاسمية والوصفية ( اتق الله ) أي : عذابه أو مخالفته ( ولا تفتح الخاتم ) بفتح التاء ، وهو كناية عن البكارة ( فقمت عنها ) أي : معرضا عن تعرضها ( اللهم ) : فيه زيادة تضرع ( فإن كنت ) قال الطيبي : عطف على مقدر أي : اللهم فعلت ذلك ، فإن كنت ( تعلم أني فعلت ) ويجوز أن يكون ( اللهم ) مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه ، لتأكيد الابتهال والتضرع إلى الله تعالى ، فلا يقدر معطوف عليه ، وهو الوجه ، ويدل عليه القرينة السابقة واللاحقة ، وإنما كرر ( اللهم ) في هذه القرينة دون أختيها ; لأن هذا المقام أصعب المقامات وأشقها ، فإنه ردع لهوى النفس فرقا من الله تعالى ومقامه قال تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قال الشيخ أبو حامد : شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان ، وأصعبها عند الهيجان على العقل ، فمن ترك الزنا خوفا من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع ، وتيسر الأسباب ، لا سيما عند صدق الشهوة حاز درجة الصديقين ، قوله ( ذلك ) أي : ما ذكر ( ابتغاء وجهك ، فافرج لنا ) أي : زيادة ( فرجة منها ) ، أي : من هذه الكرية أو الصخرة ، ويمكن أن تكون ( من ) للتبعيض أي : بعض الفرجة ( ففرج ) أي : الله ( لهم فرجة ) أي : أخرى ( وقال الآخر ) : بفتح الخاء ، وفي نسخة بكسرها ومآلهما واحد ، والثاني أدل على المقصود ( اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز ) ، بفتح همز وضم راء وتشديد زاي ، وفي القاموس : الأرز كأشد وعتل وقفل وطنب ، ورز ورنز وإرز كإبل وأرز كعضد . اهـ . ففيه لغات بعدد أوله وآخره ، والفرق بكسر الراء ويسكن . قال الطيبي : الفرق بفتح الراء مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وفي القاموس : الفرق مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع ويحرك ، أو هو أفصح ويسع ستة عشر رطلا أو أربعة أرباع . وفي النهاية : الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وبالسكون مائة وعشرون رطلا ، ثم قيل : وفي رواية بفرق ذرة ، فيجمع بأن الفرق كان من صنفين ( فلما قضى عمله ) أي : عمل عمله وانتهى أجله ( قال : أعطني حقي . فعرضت عليه حقه ، تركه ورغب عنه ) أي : أعرض عن أخذه لمانع أو باعث ( فلم أزل أزرعه ) أي : الأرز ( حتى جمعت منه ) أي : من ذلك الأرز أو من زرعه ( بقرا وراعيها ) ، أي : قيمتهما فاشتريتهما ، وهذا يدل على جواز تصرف الفضولي في مال الغير على وجه النصيحة ، وطريق الأمانة ، وإرادة الشفقة حيث استحسن ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - فهو في حكم التقرير لا يقال لعل هذا شرع من قبلنا ، فإنه قد ورد نظيره في زمانه - صلى الله عليه وسلم - حيث دفع قيمة كبش لبعض أصحابه فاشتراه بها فباعه بضعف ثمنه ، واشترى كبشا آخر ، وأتى به مع قيمته فدعا له - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ( فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي ) : ظاهر كلامه عنف ، لكن باطنه حق ولطف ( فقلت : اذهب إلى ذلك البقر وراعيها ) .

[ ص: 3096 ] قال الطيبي : ذلك إشارة إلى البقر باعتبار السواد المرئي ، كما يقال : ذلك الإنسان أو الشخص فعل كذا ، وأنث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار الجنس ( فقال : اتق الله ولا تهزأ بي ) بالباء ، وفي نسخة بالنون ، ولعله توهم أنه حصل له من كلامه لا تظلمني جزع مع إبهام قوله : اذهب إلى ذلك ( فقلت : إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها فأخذه ) أي : مجموع ما ذكر ، وفي نسخة فأخذها أي : كلها ( فانطلق بها ) قال ميرك عند قوله : حتى جمعت بقرا وراعيها : وقع في رواية الصحيح ، فثمرت أجره حتى كثرت من الأموال ، وفيها : فقلت له : كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك ، وفيها : فاستاقه فلم يترك شيئا ، فدلت هذه الرواية على أن قوله في الرواية المذكورة في المشكاة : ( جمعت بقرا ) أنه لم يرد جمع البقر فقط ، وإنما كان الأكثر الأغلب ، فلذلك اقتصر عليه ، ووقع في بعض الروايات أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم ، وهو محمول على أنها كانت قيمة الأشياء المذكورة . قلت : ولا بدع أن الدراهم من زوائد الفوائد منضمة إليها ، فإن البركة توافي ( فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ) أي : من إطباق الباب ( ففرج الله عنهم ) .

فإن قلت : رؤية الأعمال نقصان عند أهل الكمال ، فما بال هذه الأحوال ؟ قلت : فكأنهم توسلوا بما وقع له تعالى معهم من توفيق العمل الصالح المقرون بالإخلاص ، على أنه ينجيهم من مضيق الهلاك إلى قضاء الخلاص ، فكأنما قالوا : كما أنعمت علينا بمعروفك أولا فأتم علينا بفضلك ثانيا ، فإنا لا نستغني عن كرمك أبدا . قال النووي : استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه ، وفي الاستسقاء وغيره ، ويتوسل بصالح عمله إلى الله تعالى ; فإن هؤلاء فعلوه ، واستجيب لهم ، وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم ، وفيه فضل بر الوالدين وإيثارها على من سواهما من الأهل والولد ، وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات ، لا سيما بعد القدرة عليها ، وفيه إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل الحق .

قلت : لا خلاف في جواز استجابة الدعاء للولي وغيره ، ما عدا الكافر ، فإن فيه خلافا ، لكنه ضعيف لاستجابة دعاء إبليس . والاستدلال لقوله تعالى : وما دعاء الكافرين إلا في ضلال غير صحيح ; لأنه ورد في دعاء الكفار في النار ، بخلاف الدنيا ، فإنه ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " اتق دعوة المظلوم و إن كان كافرا ، فإنه ليس دونه حجاب " على ما رواه أحمد وغيره عن أنس ، فمثل هذا لا يعد من كرامات الأولياء ; لأن الكرامة من أنواع خوارق العادة قال : وتمسك به أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ممن يجوز بيع الإنسان مال غيره ، والتصرف فيه بغير إذنه إذا أجازه المالك بعد ذلك ، وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا ، وفي كونه شرعا لنا خلاف ، فإن قلنا : إنا متعبدون به ، فهو محمول على أنه استأجره في الذمة ، ولم يسلم إليه ، بل عرضه عليه فلم يقبضه فلم يتعين ولم يصر ملكه ، فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه ، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما . قلت : وفيه أن قوله استأجره في الذمة غير صحيح ، لما في الحديث التصريح بخلافه ; حيث قال : استأجرت أجيرا بفرق أرز ، ولا بد من تعيينه ، وإلا فالإجارة المجهولة غير صحيحة عندهم ، وكذا يرد عليه قوله : فعرضت عليه حقه ; لأنه لو فرض أنه في الذمة من غير تعيين لا يسمى حقه ، فالحق أحق أن يتبع ولا يوصل تقليد ويفرغ . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية