الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        112 - الحديث الثاني : عن زيد بن أرقم قال { كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه ، وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام } .

                                        التالي السابق


                                        الكلام عليه من وجوه :

                                        الأول : هذا اللفظ أحد ما يستدل به على الناسخ والمنسوخ . وهو ذكر الراوي لتقدم أحد الحكمين على الآخر . وهذا لا شك فيه . وليس كقوله : هذا منسوخ من غير بيان التاريخ . فإن ذلك قد ذكروا فيه : أنه لا يكون دليلا . لاحتمال أن يكون الحكم بالنسخ عن طريق اجتهادي منه .



                                        الثاني " القنوت " يستعمل في معنى الطاعة ، وفي معنى الإقرار بالعبودية ، والخضوع والدعاء ، وطول القيام والسكوت . وفي كلام بعضهم ما يفهم منه : أنه موضوع للمشترك . قال القاضي عياض : وقيل : أصله الدوام على الشيء . فإذا كان هذا أصله ، فمديم الطاعة قانت ، وكذلك الداعي والقائم في الصلاة ، والمخلص فيها ، والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت . وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من استعماله في معنى مشترك . وهذه طريقة طائفة من المتأخرين من أهل العصر وما قاربه ، يقصدون ب " ها دفع الاشتراك اللفظي والمجاز عن موضوع اللفظ . [ ص: 294 ] ولا بأس بها إن لم يقم دليل على أن اللفظ حقيقة في معنى معين أو معان . ويستعمل حيث لا يقوم دليل على ذلك .

                                        الثالث : لفظ الراوي يشعر بأن المراد بالقنوت في الآية : السكوت ، لما دل عليه لفظ " حتى " التي للغاية . والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها . وقد قيل : إن " القنوت " في الآية الطاعة . وفي كلام بعضهم : ما يشعر بحمله على الدعاء المعروف ، حتى جعل ذلك دليلا على أن الصلاة الوسطى هي الصبح ، من حيث قرانها بالقنوت . والأرجح في هذا كله : حمله على ما أشعر به كلام الراوي . فإن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمون ، بسبب النزول والقرائن المحتفة به : ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات ، وبيان المجملات . فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب . .



                                        وقد قالوا : إن قول الصحابي في الآية " نزلت في كذا " يتنزل منزلة المسند .



                                        الرابع : قوله " فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام " يقتضي أن كل ما يسمى كلاما فهو منهي عنه ، وما لا يسمى كلاما فدلالة الحديث قاصرة في النهي عنه . وقد اختلف الفقهاء في أشياء : هل تبطل الصلاة أم لا ؟ كالنفخ ، والتنحنح بغير علة وحاجة ، والبكاء . والذي يقتضيه القياس : أن ما سمي كلاما فهو داخل تحت اللفظ . وما لا يسمى كلاما ، فمن أراد إلحاقه به كان ذلك بطريق القياس فليراع شرطه في مساواة الفرع للأصل ، أو زيادته عليه ، واعتبر أصحاب الشافعي ظهور حرفين ، وإن لم يكونا مفهمين . فإن أقل الكلام حرفان . ولقائل أن يقول : ليس يلزم من كون الحرفين يتألف منهما الكلام : أن يكون كل حرفين كلاما . وإذا لم يكن كلاما فالإبطال به لا يكون بالنص ، بل بالقياس على ما ذكرنا ، فليراع شرطه . اللهم إلا أن يريد بالكلام كل مركب ، مفهما كان أو غير مفهم . فحينئذ يندرج المتنازع فيه تحت اللفظ ، إلا أن فيه بحثا . والأقرب : أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف ، حيث لا يسمى الملفوظ به كلاما . فما أجمع على إلحاقه بالكلام ألحقناه به ، وما لم يجمع عليه - مع كونه لا يسمى كلاما - فيقوى فيه عدم الإبطال . ومن هذا استبعد القول بإلحاق النفخ بالكلام . ومن ضعيف التعليل فيه : قول من علل البطلان به بأنه يشبه الكلام . وهذا [ ص: 295 ] ركيك . مع ثبوت السنة الصحيحة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف في سجوده } وهذا البحث كله : في الاستدلال بتحريم الكلام .




                                        الخدمات العلمية