الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

( 572 ) واكتب ثناء الله والتسليما مع الصلاة للنبي تعظيما [ ص: 67 ]      ( 573 ) وإن يكن أسقط في الأصل وقد
خولف في سقط الصلاة أحمد      ( 574 ) وعله قيد بالروايه
مع نطقه كما رووا حكايه      ( 575 ) والعنبري وابن المديني بيضا
لها لإعجال وعادا عوضا      ( 576 ) واجتنب الرمز لها والحذفا
منها صلاة أو سلاما تكفى

[ الحث على كتبة ثناء الله والصلاة على نبيه ] :

( واكتب ) أيها الكاتب على وجه الاستحباب المتأكد ( ثناء الله ) تعالى كلما مر لك ذكر الله سبحانه : كـعز وجل ، أو تبارك وتعالى أو نحوهما ، ففي حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه حسبما أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) وأحمد وغيرهما أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد مدحت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال : ( أما إن ربك يحب الحمد ) وفي لفظ ( المدح ) الحديث .

( و ) كذا اكتب ( التسليما مع الصلاة للنبي ) صلى الله عليه وسلم كلما مر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما لهما وإجلالا ، لا سيما وقد صرح بوجوبه كلما ذكر غير واحد من الحنفية منهم في الصلاة خاصة الطحاوي ، بل والحليمي ، والشيخ أبو حامد الإسفرائيني وغيرهما من الشافعية ، إن أثبت في الرواية كل من الثناء [ ص: 68 ] والصلاة والسلام ، ( وإن يكن أسقط ) منها ( في الأصل ) المسموع لعدم التقيد به في حذف ذلك فإنه ثناء ودعاء تثنيه لا كلام ترويه ، ولا تسأم من تكريره عند تكرره ، بل وضم إليها التلفظ به لنشر تعطره ، فأجره عظيم ، وهو مؤذن بالمحبة والتعظيم .

قال التجيبي : وكما تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم بلسانك كذلك تخط الصلاة عليه ببنانك مهما كتبت اسمه الشريف في كتاب ، فإن لك بذلك أعظم الثواب . ثم ساق الحديث الذي بينته في ( القول البديع ) الذي تعرف بركته ، ورجوت ثمرته ، وإن ابن القيم قال : الأشبه أنه من كلام جعفر بن محمد لا مرفوعا . ولفظه : " من صلى على رسول الله في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحا ما دام اسم رسول الله في ذلك الكتاب " . ولذا قال سفيان الثوري : لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصلى عليه ما دام في ذلك الكتاب . بل جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مما حسنه الترمذي وصححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ) وقد ترجم له ابن حبان : ذكر البيان بأن أقرب الناس في يوم القيامة يكون من النبي صلى الله عليه وسلم من كان أكثر صلاة عليه في الدنيا .

[ ص: 69 ] ثم قال عقبه : في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة يكون أصحاب الحديث ; إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم . وكذا قال أبو نعيم : هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لها نسخا وذكرا .

وقال أبو اليمن بن عساكر : ليهن أهل الحديث - كثرهم الله سبحانه - هذه البشرى ، وما أتم به نعمه عليهم في هذه الفضيلة الكبرى ; فإنهم أولى الناس بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأقربهم إن شاء الله إليه يوم القيامة وسيلة ; فإنهم يخلدون ذكره في طروسهم ، ويجددون الصلاة والتسليم عليه في معظم الأوقات بمجالس مذاكرتهم وتحديثهم ومعارضتهم ودروسهم ، فالثناء عليه في معظم الأوقات شعارهم ودثارهم ، وبحسن نشرهم لآثاره الشريفة تحسن آثارهم . إلى آخر كلامه الذي أودعته مع كلام غيره في معناه ، ومنامات حسنة صحيحة .

منها قول الشافعي رحمه الله وقد قيل له : ما فعل بك ربك ؟ قال : رحمني وغفر لي ، وزففت إلى الجنة كما تزف العروس ، ونثر علي كما ينثر على العروس . وإن سبب ذلك ما في خطبة كتابه " الرسالة " من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من كتب بيده : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معي في الجنة ) في الكتاب المشار إليه .

( وقد خولف في سقط الصلاة ) والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم الإمام ( أحمد ) فإنه [ ص: 70 ] حسبما رآه الخطيب بخطه يكتب كثيرا اسم النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذلك من غير واحد من المتقدمين كابن المديني والعنبري كما سيأتي قريبا .

قال ابن الصلاح ( وعله ) ; أي : لعل الإمام أحمد ( قيد ) ; أي : تقيد في الإسقاط ( بالروايه ) لالتزامه اقتفاءها ، فحيث لم يجدها في أصل شيخه وعز عليه اتصالها في جميع من فوقه من الرواة لا يكتبها تورعا من أن يزيد في الرواية ما ليس منها ، كمذهبه في منع إبدال النبي بالرسول وإن لم يختلف المعنى ، لكن ( مع نطقه ) بالصلاة والسلام إذا قرأ أو كتب ( كما رووا ) ; أي : المحدثون كالخطيب ومن تابعه ذلك عنه ( حكاية ) غير متصلة الإسناد ، فإن الخطيب قال : ( وبلغني أنه كان يصلي عليه صلى الله عليه وسلم نطقا ) .

والتقيد في ذلك بالرواية هو الذي مشى عليه ابن دقيق العيد ; فإنه قال في ( الاقتراح ) : والذي نميل إليه أن نتبع الأصول والروايات ، فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإخبار مطابقا لما في الواقع ، فإذا دل اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك ، لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع ، ولهذا أقول : إذا ذكر الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن يصحبها قرينة تدل على ذلك ، مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه ، وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره ، وعلى هذا فمن كتبها ولم تكن في الرواية نبه على ذلك أيضا .

وعليه مشى الحافظ أبو الحسين اليونيني في نسخته بالصحيح التي جمع فيها بين الروايات التي وقعت له حيث يشير بالرمز إليها إثباتا ونفيا . [ ص: 71 ] على أنه يحتمل ألا يكون ترك الإمام أحمد كتابتها لهذا ، بل استعجالا ، كما قيدته عن شيخنا ، لكونه في الرحلة أو نحو ذلك ، مع عزمه على كتابتها بعد انقضاء ضرورته فلم يقدر ، لا سيما ( و ) عباس بن عبد العظيم ( العنبري ) نسبة لبني العنبر ابن عمرو بن تميم .

( وابن المديني ) نسبة للمدينة النبوية لكون أصله منها ، هو علي ، فيما نقله عنهما عبد الله بن سنان ، كما رواه النميري من طريقه ( بيضا ) في كتابهما ( لها ) أي : للصلاة أحيانا ( لإعجال وعادا ) بعد ( عوضا ) بكتابة ما كان تركه للضرورة لملازمتهما فعلها في كل حديث سمعاه ، كان في الرواية أم لا ، والإمام أجل منهما اتباعا ، مع ما روى ابن بشكوال من طريق جعفر الزعفراني قال : سمعت خالي الحسن بن محمد يقول : رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقال لي : يا أبا علي ، لو رأيت صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب كيف تزهر بين أيدينا ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية